ايلاف- متابعة:&ولد جاك شيراك، السياسي الفرنسي، وخامس رئيس في الجمهورية الفرنسية الخامسة، ومؤسس حزب التجمع من أجل الجمهورية، وعمدة باريس السابق، يوم 29 نوفمبر 1932 في خامس أحياء العاصمة الفرنسية، في أسرة ميسورة. حصل على شهادة الثانوية العامة من ثانوية لويس الأكبر فانتقل بعدها طالبًا في المدرسة الوطنية للإدارة ليحصل على دبلوم من معهد الدراسات السياسية في باريس، ودبلوم آخر من سامر سكول بجامعة هارفرد الأميركية.

مناصب عدة

كلفت الحكومة الفرنسية شيراك مهامًا انتدابية ومناصب حكومية عدة: ففي عام 1962، كُلف مهام في مكتب رئيس الوزراء الفرنسي جورج بومبيدو؛ وعُين مستشارًا مقررًا في ديوان المحاسبة الفرنسية؛ بين عامي 1967-1968، كلّف حقيبة وزير دولة للشؤون الاجتماعية، مكلف بمشكلات التشغيل؛ ثم تولى حقيبة وزارة الدولة لشؤون الاقتصاد والمالية في أربع حكومات، ثم صار وزيرًا مفوضًا شؤون العلاقات مع البرلمان في حكومة جاك شابان ديلماس؛ ثم تولى حقيبة الزراعة و التنمية الريفية في حكومة بيير مسمير في عام 1972، ثم تولى حقيبة الداخلية في الحكومة نفسها في عام 1973.

اختير رئيسًا للوزراء في 27 مايو 1974 إلى أن قدم استقالة حكومته في 25 أغسطس 1976. واختير ثانيةً رئيسًا للوزراء بين مارس 1986 ومايو 1988 في حكومة "التعايش".

انتخب رئيسًا للجمهورية الفرنسية في مايو 1995، وأعيد انتخابه لولاية ثانية في مايو 2002.

وعيّن قبل ذلك عمدة بباريس 18 عامًا، بين عامي1977 و1995.

صراع على الرئاسة

تحضر شيراك لخوض المعترك السياسي بأن كان ضابطًا في الجيش الفرنسي في الجزائر بين عامي 1956 و1957. وبدأ مشواره السياسي في عام 1965 مستشارًا في بلدية سانت فيرول في إقليم كوريز. وبين عامي 1968 و1974، انتخب نائبًا في البرلمان الفرنسي عن حزب اتحاد الديموقراطيين الجمهوريين في الإقليم نفسه.&

وقف إلى جانب فاليري جيسكار ديستان حين ترشح لرئاسة الجمهورية، فعيّنه رئيسًا للوزراء. وحين اختلف معه، استقال في أغسطس 1976 ليؤسس حزب التجمع من أجل الجمهورية.

انتخب في مايو 1979 رئيسًا للجمعية الدولية لرؤساء بلديات ومسؤولي العواصم والمدن الكبيرة الفرنكوفونية وشبه الفرنكوفونية. وفي الشهر التالي، انتخب عضوًا في البرلمان الأوروبي، إلى أن استقال منه في عام 1980.

ترشح في الانتخابات الرئاسية في عام 1981 ضد جيسكار ديستان، فمني بخسارة كبيرة، إذ لم يحصل إلا على 18 في المئة من الأصوات، وفاز عليه الاشتراكي فرنسوا ميتران. في انتخابات عام 1988، نافس ميتران فحصل على 46 في المئة من الأصوات. لكن في عام 1995، فاز على الاشتراكي ليونيل جوسبان وصار رئيسًا للجمهورية.

كتب وأوسمة

وبعد انتهاء ولايته الرئاسية، حكم عليه بالسجن عامين مع وقف التنفيذ في ديسمبر 2011، بعد إدانته بالفساد وتبديد المال العام.

لم يوقف شيراك نشاطه السياسي بعد مغادرته قصر الإليزيه في مايو 2007، فأسس في يونيو 2008 مؤسسة شيراك للتنمية، وهدفها تعزيز بالتنمية المستدامة والحوار بين الثقافات.

أعلن في أكتوبر 2014 دعمه آلان جوبيه في انتخابات 2017 الرئاسية، بينما تدعم زوجته بيرناديت الرئيس الفرنسي اليميني السابق نيكولا ساركوزي.

ألف شيراك كتبًا عدة، أهمها "خطاب فرنسا في لحظة الاختيار"، و"بصيص أمل: تأملات مسائية من أجل الصباح" و"فرنسا للجميع"، و"لتكن كل خطوة هدفًا" وهو سيرته الذاتية، و"الزمن الرئاسي". وهو حاصل على وسام جوقة الشرف برتبة الصليب الأكبر، ووسام الاستحقاق الوطني برتبة الصليب الأكبر، ووسام الاستحقاق في مجال الزراعة والفنون والآداب برتبة فارس، وميدالية الطيران، ووسام إستحقاق النجمة السوداء برتبة فارس، ووسام الإستحقاق في مجال الرياضة برتبة فارس، ووسام استحقاق من جمعية مالطا برتبة الصليب الأكبر.

جاك شيراك الى جانب آلان جوبيه

&

في قلوب السعوديين

شيراك هو الرئيس الأجنبي الوحيد الذي وقف خاطبًا في مجلس الشورى السعودي، في سابقة أولى في تاريخ الدولة السعودية. وهذا وحده إشارة إلى المكانة الرفيعة التي احتلها الرئيس الفرنسي الراحل في قلوب السعوديين، بفضل مواقفه الحرة والعادلة من القضايا العربية.

كانت علاقته وطيدة بالملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز، وأعرب شيراك في خطابه عن دعمه للتوجه الاصلاحي الذي ينتهجه الملك. واعتبر ان المملكة تتحرك بشجاعة من أجل تثبيت دورها المحفز للاعتدال في وجه التهديدات، مؤكدًا دعم فرنسا للسعودية وتضامنها معها في مكافحتها الإرهاب. قال: "حمل الملك بشجاعة ونجاح كما عهدناه دائمًا لواء التحرك الوطني في وجه الارهاب، وسوف نربح هذه المعركة بتضافر جهودنا وبخوضها ضمن احترام قوانينا وقيمنا"، مطالبًا& بقطع الطريق أمام الذين "يشعلون فتيل التطرف ويفتعلون صدامًا مؤسفًا".

وفي مقابلة مع صحيفة لوموند الفرنسية في أبريل 2005، وصف الملك عبدالله شيراك بأنه "يتميز بأخلاق ووفاء وصدق وإنسانية وصراحة وحرارة".

أما علاقته بالملك سلمان بن عبد العزيز فتعود إلى سبتمبر 1985، حين أقام شيراك وكان بعد عمدة لباريس حفل استقبال كبيرًا في عمودية باريس للملك سلمان، وكان في حينه أميرًا للرياض، بمناسبة مرور ألف عام على إنشاء باريس، تكريما له على جهوده في تطوير منطقة الرياض وعلى الجهد الذي يبذله في توثيق العلاقات بين البلدين الصديقين. فارتبط الرجلان بصداقة شخصية كانت داعمة للتعاون بين البلدين، وبقيت مستمرة طويلًا.

جاك شيراك في مجلس الشورى السعودي

&

شيراك المغربي

ربطت شيراك بالمغرب علاقة خاصة، إذ اختار المملكة المغربية، وتحديدًا منطقة تارودانت، ليحل فيها بعدما انتهت ولايته الرئاسية، حتى صرح مرة أنه يحس في قرارة نفسه بأنه "مغربي". ويعرف عنه أنه كان من المقربين جدًا من العائلة الملكية المغربية.

في كتابه "الزمن الرئاسي"، تحدث شيراك عن أحد اللقاءات بالعاهل المغربي محمد السادس في القمة العالمية للتنمية المستدامة في جوهنسبورغ بجنوب افريقيا في عام 2002. قال: "حضرت أحد لقاءات رؤساء الدول الفرنكوفونية، وهذا اللقاء غير الرسمي أعطاني الفرصة للالتقاء مجددًا بملك المغرب محمد السادس، العاهل الشاب الذي كان مشغولًا بالوضع السياسي لبلده (...) وأنا أشجع محمد السادس، الذي يعرف مثل أبيه أن في إمكانه أن يعتمد على صداقتي في كل الظروف، على الاستمرار في الانفتاح على الإسلاميين المعتدلين بالمغرب، هذا هو الجواب الأكثر فعالية الذي يمكن أن يقدمه للمتشددين والمتطرفين، وأحسن وسيلة للحفاظ على استقرار المغرب، فالملكية هي الضامن الوحيد لذلك في اعتقادي. لهذه الاعتبارات لم أتوقف على تقديم دعمي له، ودعم وجهة نظر المغرب حول الصحراء الغربية التي هي جزء لا يتجزأ من ترابه".

جاك شيراك مع&العاهل المغربي محمد السادس

&

وعرف عن شيراك مناصرته للقضايا العربية، ورفضه الغزو الأميركي للعراق، فتحول هدفًا للحملات الإعلامية الأميركية والبريطانية العاتية.

جاك شيراك&إلى جانب فاليري جيسكار ديستان

&

صديق لبنان

لجاك شيراك مجد عربي إذ عرف عنه حرصه على القضايا العربية، ورافضه الدخول في مساومات على حساب أي طرف إقليمي في الشرق الأوسط. لذا تميز عهده بما سمي "البعد العربي للخارجية الفرنسية"، وترسخ في تعاطيه العادل مع القضايا العربية على امتداد خريطة الوطن العربي. فما قدّم رئيس دولة أوروبية لهذه المنطقة ما قدمه شيراك للمنطقة العربية من قضية فلسطين حتى حرب العراق.&

تميز موقف شيراك من لبنان، حتى قبل أن العلاقة الشخصية القوية برئيس الحكومة اللبنانية الراحل رفيق الحريري، إذ أدرك أهمية حرية وسيادة واستقلال هذا البلد للحفاظ على توازنات الشرق الاوسط. فحين كان الوجود العسكري السوري الموقت فيه يخدم استقراره، دعا إلى استمرار هذا الوجود. لكن حين انتفى هذا الشرط، قدم مبادرة لإنهاء الوجود العسكري السوري في لبنان، كما طالب بإنهاء الهيمنة العسكرية الايرانية عليه من خلال حزب الله، علمًا أن علاقة الحريري الوطيدة مع شيراك كانت عاملًا أساس في إقرار "تفاهم نيسان" مع إسرائيل، بعد عملية "عناقيد الغضب" التي نفذتها ضد حزب الله في جنوب لبنان في عام 1996، إذ وقف شيراك بصرامة ضد إسرائيل في المحافل الدولية، مناديًا بإجبارها على وقف عملياتها العسكرية. وحين اغتيل الحريري، وفر شيراك غطاءً دوليًا حال طويلًا دون انهيار الوضع الداخلي في لبنان وانزلاقه إلى أتون الفوضى أو الحرب الاهلية، ومنع تدهور الوضع الحدودي على الخط الأزرق في الجنوب. ودعم شيراك مطالبة اللبنانيين بالاقتصاص من القتلة، من منطلق دعمه الدائم للعدالة في فلسطين وفي العراق. كما دعم دائمًا الاقتصاد اللبناني برعايته مؤتمري المانحين "باريس-1" و"باريس-2".

جاك شيراك مع&رئيس الحكومة اللبنانية الراحل رفيق الحريري

&

مع حل الدولتين

عُرف شيراك بموقفه المتميز من القضية الفلسطينية، إذ استمر طويلًا في دعم حق الشعب الفلسطيني في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، حتى أنه رفع هذه الدعوة في اسرائيل نفسها حين زارها في عام 1996، متحديًا احتلالها الأراضي الفلسطينية، ومواجهًا الجنود الاسرائيليين بشكل مباشر حين ضيقوا عليه حركته في أثناء زيارته القدس الشرقية. فهدد بقطع زيارته إذا لم يوقفوا تضييقهم.&

كان شيراك أول من تعامل مع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات رئيسًا لدولة، فاستقبله في قصر الإليزيه بهذه الصفة. وحين مرض عرفات، سخر شيراك& قدرات بلاده الصحية لإنقاذ حياته، بعدما نقل من رام الله& إلى أحد مستشفيات باريس.

نبع دعم شيراك القضية الفلسطينية من إدراكه أن لا استقرار في الشرق الاوسط من دون حلها بشكل عادل وشامل، لذا ثابر على تطوير سياسة فرنسا حيال هذه القضية ساعيًا إلى التوصل إلى إقرار حل الدولتين المستقلتين، الفلسطينية والإسرائيلية، في فلسطين.

جاك شيراك مع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات

&

ضد الإرادة الأميركية

لا شك في أن شيراك أثبت بعد نظر سياسي قل نظيره في زعماء الغرب حين عارض حرب الولايات المتحدة على العراق، على الرغم من أن فرنسا كانت ضمن التحالف الدولي الذي حرر الكويت من الاحتلال العراقي في فبراير 1991. فكان شيراك يدرك تداعيات دخول قوات أميركية إلى الأراضي العراقية واحتلال العاصمة بغداد واسقاط نظام صدام حسين، فواجه شجاعًا أميركا التي كانت في حينه القوة العظمى الوحيدة في العالم، ولم يأبه للأثر الذي سيتركه هذا الموقف في العلاقات الفرنسية – الأميركية، ولا لإمكان خسارة بلاده مواقع نفوذ عديدة في العالم. وبلغت ذروة الشجاعة عنده بموقفه من الاحتلال الأميركي للعراق حين قال: "نحن أصدقاء واشنطن ولسنا خدمًا عندها".

وتبين بعد أعوام أنه كان على حق حين كان بين قلة قليلة حاولت تجنب الحرب في العراق، وحين أصر في أكثر من مناسبة على التحذير من هذه المغامرة، كذلك كما اصر على الحديث الدائم عن المؤسسات والدستور في العراق، وأهمية الحفاظ عليهما.

جاك شيراك مع الرئيس الاميركي جورج بوش

&