في حديث مع «إيلاف»، قالت إيمان الحمود إن الفارق كبير بين العقليتين الشرقية والغربية، لهذا نعلق في نظرية المؤامرة كل مرة يتحدث عنا الاعلام الغربي. كما قالت إن لا ليبرالية من دون وسطية وتقبل الآخر.

إيلاف من الرياض: ترى الإعلامية السعودية إيمان الحمود في حديث مع «إيلاف» أن قضية إسقاط الولاية بالنسبة للمرأة السعودية حق سلب منها. كما ترى أن الفجوة بين الشرق والغرب هي التي تجعلنا نفسر أعمال الصحافة الغربية بالمؤامرة. وهي متفائلة بمستقبل المرأة السعودية، لأنها في صلب رؤية السعودية 2030.

في ما يأتي نص الحوار:&

بدأت قضية إسقاط الولاية بقوة منذ أشهر في مواقع التواصل الإجتماعي، فلِمَ انسحبت منها العضوات؟

قضية اسقاط الولاية قضية حقوق أساسية للمرأة السعودية، سلبت منها في فترة من الفترات، وحان الوقت لتستردها ثانية. هذا ليس كلامًا فحسب، بل يستند إلى العديد من الآراء الشرعية التي كسرت حاجز الصمت وتحدثت عن هذا الموضوع بإسهاب، نظرًا لما بات يسببه من ضرر محقق على واقع المرأة في السعودية ومستقبلها، فضلًا عن أن هذا النظام بات أحد المعوقات الاساسية في طريق رؤية السعودية 2030 التي تعتمد في صلبها على منح المرأة الحقوق التي حرمت منها ودمجها أكثر في تلك الرؤية بأبعادها الاقتصادية والتنموية، كما جاء على لسان الأمير محمد بن سلمان في لقائه الشهير مع مجلة بلومبيرغ قبل أشهر. وأنا تفاجأت بانسحاب أسماء مهمة شاركت فيها ودعمتها فترة طويلة. منهن من اعترضن على مسمى الحملة التي ساهم رأيهن في تشويه هدفها الحقيقي، ومنهن من اعترضن على استغلال حسابات من خارج الحملة للتحريض على الدولة. كل ذلك لا ينفي حقيقة وجود مواطنات سعوديات مخلصات لوطنهن يشاركن في الحملة ولو بأسماء مستعارة، ونحن نعلم جيدًا لماذا يلجأ بعضهن إلى تلك الاسماء والمعرفات، فلا مجال بصراحة للمزايدة هنا على وطنية المشاركات في الحملة.

عقلية مختلفة

نسمع أن الصحف الأجنبية تنشر قضايا تخص المرأة السعودية كقضية ملاك الشهري، التي خرجت من دون عباءة. فهل هناك مؤامرة إعلامية على المجتمع السعودي كما يقال؟

ربما أكثر تلك التغطيات شهرة هو الفيلم الوثائقي الأخير الذي بثته سي إن إن الأميركية عن فتيات سعوديات اخترن الهروب والبقاء في الخارج وشهد تفاعلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، نظراً لجرأة المتحدثات وظهورهن بأسمائهن الحقيقية، كما لا يمكن أن ننسى الحملة التي أطلقتها «نيويورك تايمز» على موقع تويتر لحث السعوديات على كسر صمتهن والحديث عن معاناتهن مع نظام الولاية. هذه المحاولات الصحفية يمكن تبريرها اذا كنت تفهم العقل الغربي، فمساحة حرية الرأي والتعبير في الغرب تجعل من الصعب على الصحافي الأجنبي فهم العقلية العربية التي تخشى الحديث عن مشكلاتها بصوت عالٍ، او محاولة بحثها عبر منصة إعلامية مفتوحة على العالم. هذه الفجوة الثقافية الآخذة في الاتساع بين الشرق التقليدي والغرب المتحرر تجعل من نظرية المؤامرة النظرية الأسهل لتبرير ما تقوم به الصحافة الغربية، فالاعلام الأميركي أو الفرنسي يتعامل مع القضايا السعودية مثلًا كما يتعامل مع أي قضية في مجتمعه بقدر عالٍ من الشفافية، وهذه الشفافية عصية على فهم البعض في مجتمعنا، والنتيجة نلمسها في تلك الاتهامات.
&
هل أنت متفائلة بوضع المرأة السعودية مستقبلًا؟

نعم، لكنني اعول كثيرًا على الدولة لدعم تفاؤلي هذا. فمن دون التشريعات والقوانين الملائمة للدفع قدمًا بوضع المرأة وتعزيز مكانتها في المجتمع سنبقى كما نحن، فمن تحظى منا بعائلة منفتحة ستفتح لها أبواب العمل والدراسة والسفر، ومن تقع تحت سلطة أب أو أخ أو زوج متسلط تحرم تحقيق ذاتها وطموحها. الدولة تبحث الآن عن النماذج النسائية الناجحة لتصديرها إلى العالم، وهي تعلم جيدًا أن المجتمع هو الذي صنع تلك النماذج، وهو من طمس أخرى. على الدولة أن تمسك بزمام المبادرة، وأن تصنع بنفسها تلك النماذج النسائية الناجحة عبر توفير المناخ التشريعي والقانوني الملائم لنجاحها منذ الصغر، كما يحدث في دول خليجية مجاورة لا تختلف عنا في التركيبة الاجتماعية والثقافية والدينية.

ليبرالية؟

هل هناك ليبرالية حقيقية في السعودية؟

هناك نماذج ليبرالية ناجحة في السعودية، لكنها قليلة مع الأسف، نظرًا إلى أن من يمكن وصفهم مجازًا بالليبراليين قادمون أساسًا من خلفية ثقافية إقصائية إلى حد كبير، تعودت أن تكون هي السائدة وشعارها الرأي رأيي وما سواه غثاء. لا يمكن أن يخلق هذا التوجه مجتمعات تؤمن بمفاهيم الليبرالية الحقيقية التي تعتمد على حرية الرأي والدين والمعتقد، لكنها تستند في الوقت نفسه الى مبدأ الإيمان بحرية الآخر قبل كل شيء، والانصهار ضمن ما يعرف بالفضاء المجتمعي والذي يتشكل عادة من مجموع تلك الآراء والأفكار التي ما أن تنصهر وتتمازج بالشكل الصحيح ستعرف طريقها إلى الاعتدال والوسطية، وصولًا إلى تحقيق مفهوم الليبرالية بشكل أكثر واقعية.

ما رأيك بوصف الدكتور الغذامي الليبرالية السعودية بالموشومة؟

ربما كان الدكتور الغذامي قاسيًا بعض الشيء في وصفه الليبرالية السعودية بالموشومة، إذ يسبغ عليها صفة التعميم، خصوصًا أننا نعرف حق المعرفة المحيط الاجتماعي والبيئة الفكرية التي لفظت تلك الليبرالية في المهد ووصمتها بأقذع الأوصاف منذ بدايتها. & &

هذا الامر جعل من شخصية الليبرالي السعودي ذات أوجه متعددة، فهو يسعى إلى التمسك بليبراليته ويحاول قدر المستطاع الحفاظ على مكتسباته الاجتماعية، هنا يبرز التناقض الذي تحدث عنه الغذامي. المشكلة الأكبر برأيي هي عندما يصر بعض الليبراليين السعوديين على التمسك بقشور الليبرالية، خصوصًا تلك المتعلقة بالمظهر والسلوك، ويتناسون احد اهم مرتكزاتها، وهي تلك التي تقوم على الإيمان بحرية الفرد وتعدد الاّراء وتقبل الآخر على الرغم من الاختلاف.

بين الليبرالية والاسلاميين، أين يقف المجتمع السعودي؟

يقف المجتمع السعودي على مفترق طرق منذ بدايات الصحوة في ثمانينيات القرن الماضي، مرورًا بظهور النزعات الليبرالية في مطلع التسعينيات. مفترق الطرق هذا جعل المجتمع يعيش حالة من الفصام قل نظيرها في دول أخرى مجاورة، ويمكن أن تلاحظ ذلك عند لقاء أي عائلة سعودية تسافر إلى خارج المملكة للسياحة أو الدراسة. الأغلبية العظمى تعيش في الخارج تلك الحياة الطبيعية التي ترغب في أن تحياها في المملكة، وعندما يصطدمون بواقع الفشل في نقل تلك التجربة إلى يومياتهم، نجدهم ينتهزون الفرص التي تسمح لهم بين الحين والآخر في اقتناص لحظات حياة طبيعية بعيدًا عن التشدد بوجهه المتزمت وعن التحرر بصبغته المنفلتة.

تعاني الدول العربية الصراع الطائفي. كيف يمكن التغلب عليه؟

لا سبيل للقضاء على الصراع الطائفي، فهو مكتوب على هذه المنطقة منذ مئات السنين، تخف موجته حينًا وترتفع حينًا آخر. الحديث يجب أن يتم عن كيفية التقليل من حدته، وذلك يكمن في القضاء على النزاعات السياسية التي تشعل فتيله وتذكي سعاره، وبعد الوصول إلى تسوية سياسية ملائمة على الرغم من أن الأمر يبدو شبه مستحيل حاليًا، ينبغي التوجه إلى خلق مجتمعات علمانية، تحترم مختلف الاديان والمعتقدات وتفصلها عن السياسة بشكل كامل، غير ذلك سنبقى غارقين في دوامة هذا الصراع إلى اجل غير مسمى.&

واقع مختلف

بعد إعلان الميزانية السعودية في بداية العام، كثر الجدل حول مستقبل العيش في السعودية.. ما رأيك في هذا الجدل؟

هذا ليس بجدل بقدر ما هو عدم وضوح في الرؤية. لا أتحدث هنا بصفتي مختصة في الشأن الاقتصادي، لكنني أنظر إلى الموضوع من وجهة نظر المواطن الذي يسمع بميزانيات ضخمة وصفقات ومشروعات توقع في الداخل والخارج، وهذا كله أمر جميل ويشعرنا بالفخر، لكنه لا ينعكس على حياة المواطن البسيط الذي فوجئ بمجموعة من الاجراءات التقشفية التي قلصت راتبه بشكل كبير جدًا. صحيح أن هناك اجراءات اتخذت لمحاولة دفع الاضرار عن ذوي الدخل المحدود جراء تلك التحولات الاقتصادية الصعبة، لكن الجميع كان يأمل في أن يكون جيب المواطن هو آخر ما يمس به. واعتقد أن الاقتصاد السعودي قوي لكن يجب وضع الآليات التي تضمن عدم وقوعه في المأزق نفسه مرة أخرى، واذا كان هناك توجه حقيقي نحو الخروج من فكرة الدولة الريعية فيجب أن يتم ذلك تدريجًا وفق نظم وتشريعات اقتصادية جديدة تطبق على الجميع من دون استثناء.&

لا يرقى

ذكرت أن الخطاب الإعلامي السعودي لا يرقى إلى مستوى التحديات. لماذا؟

اعتقد أن الخطاب الاعلامي السعودي يفتقر إلى المختصين في كيفية صوغه، كل من واكب هذا الخطاب يعتقد أنه فشل في نقل الصورة الحقيقية عن المملكة، هو خطاب يتسم بالمباشرة ويفتقر إلى مفاهيم الدعاية التي تشكل أساس أي خطاب إعلامي استخدم عبر التاريخ. الاسباب كثيرة أبرزها عدم اهتمام الدولة بخلق اعلاميين سعوديين قادرين على قيادة دفة هذا الخطاب، معظم من يعمل في مجال الصحافة لدينا يختارها مهنة ثانوية يمارسها بعد عمله الحكومي نظرًا إلى قلة العائد المادي من ورائها. لا تأهيل حقيقيًا للاعلامي السعودي، والتجارب الناجحة تجارب فردية شقت طريقها بصعوبة لكنها تصطدم بجدار الاقصاء عادة كونها لاتتمازج مع المناخ السائد في الكواليس.&

ما الفرق بين الإعلام الغربي والإعلام العربي؟

الشفافية والصدقية والسقف العالي للحرية عوامل تشكل فارقًا اساسيًا بين إعلامنا واعلامهم، وهذا لا ينفي عن الاعلام الغربي بعض الهفوات والاخطاء، لكنها لا تقارن بالأخطاء الكارثية التي تقترف في فضاء اعلامنا العربي، قالها غازي القصيبي في كتابه «أميركا والسعودية.. حملة إعلامية أم مواجهة سياسية؟»: «إن العلاقة بين السياسي والصحافي في الغرب علاقة بين ندين متكافئين»، هذا يكفي لفهم طبيعة العلاقة بين السياسة والصحافة لدينا والنتيجة التي وصلنا اليها جراء تلك العلاقة المرتبكة.

ترحال

الجبيل فعمّان فالكويت فباريس. ما أثر هذا التنقل في شخصية ايمان الحمود؟

هي رحلة طويلة بين أربع مدن ساحرة ساهمت في تشكيل شخصيتي، ولي مع كل مدينة منها حكاية، سردت أجزاء منها في كتاب «باريس كما يراها العرب» الذي شاركت فيه إلى جانب نخبة من المثقفين، لكن لا يزال في جعبتي الكثير من الحكايا والقصص التي أتمنى أن أرويها يوماً، وقد يكون ذلك في باكورة أعمالي الادبية المقبلة.

كان لأحمد الربعي أثر كبير فيك. ماذا تقولين في ذلك؟

الدكتور أحمد الربعي رحمه الله كان من الشخصيات التي عاشت في زمان غير زمانها. نظر إلى المستقبل بعين ثاقبة والكثير من الأمور التي حذر منها مسبقًا حدثت اليوم وأبصرناها واقعًا على الارض. لمست عنده الكثير من الآراء الجدلية التي كانت تغضب العامة، وكان البعض ينتقدني لأنني اخترت العمل معه، حتى أن أحدهم قال لي يوماً إن الراتب الذي أتقاضاه جراء عملي في مكتبه «حرام»، لكنني تعلمت منه الكثير. ولو عاد بي الزمن فسأختار العمل معه مجددًا، والتعلم منه أكثر.&