نصر المجالي: أثار قرار الرئيس السوداني عمر البشير منح جزيرة "سواكن" لتركيا لإدارتها وإقامة مشاريع فيها، مخاوف محلية وإقليمية نظرا للبعد الاستراتيجي للجزيرة التي كانت قبل قرون عاصمة للدولة العثمانية في منطقة الحبشة.
ولعل أبرز الانتقادات العلنية جاء من زعيم حزب الأمة السوداني الصادق المهدي الذي هاجم سياسات حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، وطالت انتقاداته "تخصيص" جزيرة سواكن السودانية للاستثمارات التركية.
ورأى الصادق المهدي في بيان حول زيارة أردوغان إلى السودان، أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا "دعم الحركة الإخوانية العابرة للحدود كما هو موقفه الحالي خطأ استراتيجي، يوهمها أنها مقبولة دون إجراء المراجعات اللازمة".
التجربة الإخوانية
وأشار زعيم حزب الأمة إلى أن "التجربة الإخوانية في السودان أولا، ثم في مصر ثانيا، وقعت في أخطاء أفدحها في السودان ما يتطلب مراجعة لنهجها، ولكن في الحالين لم تجر مراجعة".
ووصف الصادق المهدي النظام القائم في بلاده بأنه إخواني وانقلابي، جاء ذلك من خلال قوله: "من الخطأ أن يتبنى صاحب التجربة المراجعة (حزب العدالة والتنمية) المواقف الإخوانية التي لم تحقق المراجعة المطلوبة لاسيما في السودان، حيث كانت التجربة انقلابية، وفوقية، محصنة بالإكراه".
وفي إشارة على ما يبدو إلى الأزمة التي نشبت مؤخرا بين تركيا ودولة الإمارات، عد زعيم حزب الأمة السوداني تبني "قيادة تركيا الحديثة الدفاع عن التجربة العثمانية"، أحد أخطأ النظام القائم في تركيا.
صفقة شخصية
وبشأن جزيرة سواكن، رأى الصادق المهدي أن ما جرى بشأنها بمثابة "صفقة شخصية"، موضحا أن "الحديث عن تخصيص سواكن للاستثمار التركي لا يمكن أن يتم بعفوية ... ويجري التعامل مع الموضوع كأنها صفقة شخصية (في إشارة ضمنية إلى البشير وأردوغان)، الصحيح أن يصدر قانون لتطوير سواكن، وأن تحدد الدولة ما سوف تقوم به في إطار هذا التطوير، وأن ينص على ترحيب بالاهتمام التركي بهذا التطوير حسب متطلبات القانون، وأن يكون مشروع التطوير متاحا للآخرين الذين يجذبهم المشروع..".
اعادة تأهيل
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن السودان وافق على أن تتولى تركيا إعادة تأهيل جريرة سواكن وإدارتها، لفترة لم يتم تحديدها.
وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن أردوغان قال أمام ملتقى اقتصادي جمع رجال أعمال سودانيين وأتراك :"طلبنا تخصيص جزيرة سواكن لوقت معين، لنعيد إنشاءها وإعادتها إلى أصلها القديم، والرئيس البشير قال: نعم"، مضيفا أن "هناك ملحقا لن أتحدث عنه الآن".
وكان الرئيس التركي زار رفقة نظيره السوداني عمر البشير جزيرة سواكن على البحر الأحمر، حيث تنفذ وكالة التعاون والتنسيق التركية "تيكا" مشروعا لترميم الآثار العثمانية، وتفقد الزعيمان خلال هذه الجولة، مبنى الجمارك ومسجدي الحنفي والشافعي التاريخيين.ويوجد في جزيرة سواكن، ميناء هو الأقدم في السودان، ويستخدم في الغالب لنقل المسافرين والبضائع إلى ميناء جدة في السعودية، وهذا الميناء يأتي في المرتبة الثانية بعد بور سودان ويقع إلى الشمال منه بمسافة 60 كيلو مترا.
وقد أعلن أردوغان في هذا الشأن أن "الأتراك الذين يريدون الذهاب للعمرة سيأتون إلى سواكن، ومنها يذهبون إلى العمرة في سياحة مبرمجة"، مشيرا في الوقت ذاته إلى توقيع اتفاقية للصناعات العسكرية من دون أن يقدم تفاصيل بشأنها.
دور قطر
ويبدو أن تطوير "سواكن" والاستفادة منها جعل عدد من الدول، تسعى لاستغلالها، خاصة وأن موقعها استراتيجي بصورة كبيرة على البحر الأحمر. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، كشفت تقارير صحفية عديدة عن أن قطر تقدمت بطلب إلى الحكومة السودانية لإدارة "سواكن".
ووعدت الدوحة بإنشاء ميناء جديد بها وتجعله منافس لبورت سودان، وكافة الموانئ على البحر الأحمر. لكن الحكومة السودانية لم توافق على الطلب القطري ومنحت حق الإدارة أخيرا إلى الحكومة التركية، والرئيس رجب طيب أردوغان، لتعود الجزيرة إلى الحكم العثماني مجددا.
موقع استراتجي
يشار إلى أن جزيرة "سواكن" تمتلك موقعا استراتيجيا هاما، فهي تقع على الساحل الغربي للبحر الأحمر، شرقي السودان، وتعد جزيرة محمية، حيث أنها تقع وسط مدينة سواكن، وبها طريق واضح من سواكن إلى جدة.
وتعد سواكن "جزيرة مرجانية"، انهارت منازلها وعمرانها، وتحولت إلى أطلال وحجارة تحكي ثراء تاريخ غابر ودارس.
تاريخ وأساطير
وارتبط دوما تاريخ "سواكن" بالأساطير والخرافات، حيث أشارت وكالة الأنباء السودانية "سونا" إلى أن ربط كثيرون بين سر التسمية يرجعه البعض إلى كلمة "سجون"، حيث كانت سجنا لكل من "الإنس والجن" في عهد النبي سليمان وبلقيس ملكة "سبأ".
ولكن البعض أشار إلى أن التسمية ترجع إلى "سوا - جن"، حيث أنهم رأوا أن مبانيها الضخمة لا يمكن أن يبنيها إلا الجن. كما كان يتداول الكثيرين أحاديث عن أساطير عديدة مرتبطة بالجزيرة، حول الحيوانات الخاصة بها وامتلاكها قدرات خارقة.
عاصمة عثمانية
يذكر أن "سواكن" كانت عاصمة للدولة العثمانية في الحبشة منذ عام 1517، بعدما غزاها السلطان سليم الأول، ثم انضمت في وقت لاحق إلى ولاية "الحجاز"، خاصة وأن الطريق البحري إلى جدة، كان هو طريق الحج الرئيس لمعظم القارة الأفريقية.
ثم تم ضم الجزيرة إلى مصر، خلال فترة حكم محمد علي، بمقابل مادي وجزية، ثم تم ضمها فيما بعد إلى الخديو إسماعيل في مصر بمقابل مادي يمنحه للسلطنة العثمانية، ولكن تم إهمال الجزيرة خلال الاحتلال البريطاني، في إثر فشل الثورة المهدية عام 1899، بزعم أن مينائها لا يصلح للسفن الكبيرة.
التعليقات