قال وزير الثقافة اللبناني غطاس خوري لـ"إيلاف" إن فريقه السياسي قرر ربط النزاع الإقليمي مع حزب الله عندما دخل في التسوية السياسية التي أنتجت رئيسًا للجمهورية وحكومة، ورأى أن الصراع على القانون الإنتخابي مسألة صحية، ورحّب بالمناطق الآمنة التي يريد دونالد ترامب إقامتها في سوريا.

إيلاف من بيروت: هو من المقربين جدًا من رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري، لا يرى في استلامه حقيبة وزارة الثقافة تحجيمًا لدوره، بل يرى أنها من أهم الوزارات التي تستطيع إقامة التواصل بين اللبنانيين.&

يطمح إلى إعادة نشاط مسرح قصر البيكادللي، المعلم الفني الرمز في الذاكرة اللبنانية، وينظر إلى الصراع حول القانون الانتخابي بين القيادات اللبنانية بوصفه مؤشرًا إيجابيًا وصحيًا، لكنه ينوه بتحييد لبنان عن الصراعات في المنطقة بموجب التسوية المتفق عليها مع الرئيس ميشال عون.&

يشيد بالأجهزة الأمنية اللبنانية التي تقي لبنان شر الإرهاب، ويرى في إقامة مناطق آمنة حلًا ملائمًا لأزمة اللاجئين السوريين إلى لبنان. إنه غطاس خوري، وزير الثقافة اللبناني، الذي خص "إيلاف " بالحوار الآتي:
&
النائب غطاس خوري مفاوض في الملفات السياسية اللبنانية الصعبة. هناك رأي يقول إنه تم تقزيمه في حقيبة الثقافة، كيف تعلق على ذلك؟

بالعكس تمامًا، أنا اعتبر أن كل الوزارات مهمة، فالوزير هو الذي يصنع الأهمية لوزارته، وبالنسبة إلى الاتصالات السياسية والعمل السياسي، لا أزال في الموقع نفسه الذي كنت فيه، وأقوم بالنشاط نفسه، لكن ثمة وزارات اعتبرت خدماتية، وكان هناك نوع من الهجمة عليها لأسباب انتخابية ولتقديم خدمات إلى الناخبين.&

لا مشكلة في ذلك، فقد اضطر رئيس الحكومة سعد الحريري إلى السير في توزيع معيّن للحقائب كي تبصر الحكومة النور، وكان همّنا الأساسي حينها أن تكون هناك حكومة في البلد، وهذا أهم من الأشخاص ومن الوزارات نفسها. اليوم، استطعنا نقل البلد من فوضى عارمة ومن انعدام الأفق والأمل إلى بلد فيه رئيس جمهورية ورئيس حكومة وحكومة تنزل إلى المجلس النيابي، ومجلس نيابي يعمل، وكل ذلك كان ضروريًا لإعادة إحياء البلد، وإلا كنا ذاهبين إلى أزمة غير معلومة العواقب.&

مراسلة "إيلاف" لدى إجرائها مقابلة صحافية مع خوري

هذا هو إنجازنا. فإذا أعطيت أنا وزارة الثقافة أو أعطي غيري وزارة أخرى، كل ذلك أمر تفصيلي، وإلى جانب ذلك اعتبر أن وزارة الثقافة من أهم الوزارات، تستطيع إقامة تواصل بين جميع اللبنانيين، وأن تجمعهم، وهي لا تحافظ فقط على إرثنا الثقافي والحضاري والفني والأدبي، بل هي وسيلة لإدخال اللبنانيين في حيز ومساحة مشتركة، وهذه المساحة المشتركة نريد تنميتها.&

من ثم، أصبحت الثقافة اليوم في كل دول العالم الحافز الاقتصادي الأول، فإيطاليا وإسبانيا ودول كبرى أخرى، إذا استثنينا الآثار والثقافة منها، الحركة السياحية لديها تكاد تكون معدومة، لذلك نعمل الآن على أساس أن وزارة الثقافة ستساهم في حركة النهوض الثقافي والنهوض الاقتصادي في البلد، وأنا أعمل على أساس أن دورها ريادي، وأنها حقيبة سيادية.
&
المهم استعادة الثقة
&في ظل هذا الظرف السياسي والاقتصادي وما يعانيه اللبنانيون حاليًا، إلى أي مدى سيستطيع لبنان أن يستعيد دورًا تألق به في السابق على الصعيد الثقافي، ليس فقط على المستوى الداخلي، وإنما على صعيد الجمع بين ثقاقات الدول المجاورة؟

في الحقيقة هناك فريقان في البلد: فريق متشائم، وفريق متفائل. أنا أنتمي إلى الفريق المتفائل، فالفريق المتشائم كان يقول: "لن تستطيعوا فعل شيء، لا تسوية ولا انتخاب رئيس، وإذا عيّنتم رئيسًا لن تستطيعوا تأليف حكومة، وإذا تألفت لن تأخذ الثقة، وإلى ما هنالك، فهذا الفريق لا يرى إلا الامور السلبية، في وقت يحتاج البلد فيه نفحة تفاؤل وإيمان وثقة بعضنا ببعض.&

سمّينا الحكومة "حكومة استعادة الثقة"، لأن الثقة مفقودة بين اللبنانيين، وبين لبنان والمجتمع العربي والدولي، فاستعادة الثقة هي الأساس. وإذا أردت العمل في وزارة الثقافة على أنني عابر لبضعة أشهر، وسأنظر في القضايا التي تتدبر فقط، فلن أفعل شيئًا.&

انطلقت من منطلق مختلف، ووضعنا خطة للنهوض الثقافي على مدى خمس سنوات، من إعداد إحدى المؤسسات الدولية، وسوف تناقش في مبنى الأونيسكو في الخامس والعشرين من فبراير، لأنني لا أريد إنزالها إنزالًا على المثقفين في لبنان.&

ستكون هناك صفحة لوزارة الثقافة على الانترنت كي يطرح كل مثقف الموضوع الذي يهتم به في الموسيقى أو الآثار أو المسرح أو غيره، ومن ثم، نخرج بخطة وطنية سنعرضها لاحقًا على مجلس الوزراء ونقرّها، وعندها تكون لدينا خطة خمسية للنهوض الثقافي في لبنان، تتضمن بناء "كونسرفاتوار" وطني ومسرح وأوبرا، كما هناك استعادة لمسرح البيكادللي، الذي أطلقناه لإيجاد مساحات مشتركة بيننا وبين العالم العربي في الأدب والفن والثقافة، ومهما كانت الفترة التي سأتولاها في الوزارة، سيأتي غيري من الوزراء من بعدي ويكمل فيها، وأنا أعتقد أنها سوف تساهم في عودة بيروت مدينة للثقافة، عربيًا وعالميًا.

البيكادللي راجع
كانت خطوتك لافتة في استعادة حضور مسرح قصر البيكادللي، لما يشكله من رمز مضيء في ذاكرة اللبنانيين.

أهمية مسرح البيكادللي تكمن في أنه موجود في ذاكرة اللبنانيين، كان يستقطب أهم الفنانين العرب والعالميين وأهم الفرق العربية والعالمية. هذا المسرح كان لؤلؤة المسارح في بيروت، وقد أعدنا إحياءه&وافتتاحه، ونريد إعادة استقطاب كل الطاقات وكل الإبداع الفني الموجود في العالم العربي والعالم، إذ لا يعقل ألا يكون هناك مسرح في بيروت، وأنا أخذت على عاتقي أنني سوف أفعل المستحيل كي نُعيد إطلاق مسرح البيكادللي.
&
متى ينتهي العمل في هذا المسرح؟
نحن الآن في طور الاتفاق مع الهيئة، مالكة هذا المسرح، وسوف نطلق عملية الترميم في وقت قريب، فور توافر التكاليف المادية، لأننا في الوقت نفسه سنطلق حملة للتبرعات من أجل إعادة بنائه. وعسى أن يرى اللبنانيون كيف سيصبح قصر البيكادللي إذا وضعنا التمويل اللازم، لأن مسرحًا كمسرح البيكادللي حرام أن يموت، ولن نسمح بأن يموت.
&
هل صحيح أن السيدة فيروز ستكون أول من يعتليه؟
نأمل ذلك. لكن في النهاية هذا يعود إلى السيدة فيروز وإلى كل الفنانين الذين يرغبون في المشاركة، إنما لن يقف أي شيء في طريقنا بعد الآن، حتى يعود مسرح البيكادللي إن شاء الله.
&
ماذا على أجندتك غير البيكادللي؟
هناك حديقة بيروت قرب مبنى "النهار"، العمل قائم فيها، بتمويل الصندوق الكويتي للتنمية، وهناك إطلاق مسارح المركز الفني. ولدينا كذلك مجموعة من المواقع الأثرية التي نريد إعادة ترميمها، وهناك المدن الأساسية في لبنان التي تحتاج عناية، من طرابلس إلى صور وصيدا ومناطق أخرى، وطبعًا قصرا بيت الدين ودير القمر سيكونان محط عناية أيضًا، ومغاور قانا الجليل، التي أتى إليها السيد المسيح، وندرس إمكان إدراجها في اليونيسكو، وهناك تل عرقة في أقصى الشمال..

صراع انتخابي صحي
كيف تنظر إلى الصراع في لبنان حول قانون الانتخاب، وكل فريق يريد صيغة القانون على قياسه؟

لنعترف بأن هذا الصراع ليس جزءًا من الثقافة العربية، بل جزء من الثقافة العالمية. في الدول العربية ينزل عادة قانون الانتخاب إنزالًا، لكن أينما وجدت الديمقراطية والانتخابات فهناك معارك على قانون الانتخاب، وهذا برأيي مؤشر إيجابي. فمثلًا، عندما انتخب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، كان هناك مليونان ونصف مليون من المواطنين الأميركيين الذين انتخبوا هيلاري كلينتون، أكثر من عدد ناخبيه في التصويت الشعبي، لكنه هو من أتى رئيسًا، لأن قانون الانتخاب مركب، بشكل أن يعطي الثقل لكل ولاية صغيرة، على الرغم من أنه ليس فيها تصويت كاف، وذلك كي لا تطغى الولايات الكبرى، ولإعطاء قيمة إلى هذا الصوت الصغير في مكان ما في ولاية صغيرة.&

اليوم، نحن في لبنان نواجه الأمر نفسه. هناك اعتراض من الطائفة الدرزية الكريمة، لكن هذه الطائفة هي طائفة مؤسسة في لبنان، لا نستطيع أن نسير معها على العدد، بل يجب أن نسير وفق قيمتها المعنوية. لذلك، المعارك حول قانون الانتخاب شيء صحي وأساسي في لبنان. لنأخذ مصر مثلًا، هناك أحد عشر مليون قبطي بلا تمثيل في المجلس النيابي، لذلك يجب أن يكون هناك اقتباس لهذا الدور الذي يلعبه قانون الانتخاب لناحية كيف يمكن أن يعطي هذه الأقليات حقها في التمثيل، ففي المبدأ، يفضل أن تكون قوانين الانتخاب محل نقاش، لأنها في النهاية ستعكس جوهر القوى السياسية ومشكلاتها وصراعاتها في البلد، ولا بد أن نصل إلى توافق في مكان ما في لبنان، يطلق قانونًا انتخابيًا يُراعي هواجس القوى كلها، ويمثل اللبنانيين بشكل صحيح.
&
لكن كل فريق يجاهر بالديمقراطية واللاطائفية، وفي الواقع يتصرف العكس. كيف تنظر إلى مستقبل لبنان في هذه الحال؟

لبنان واقع في منطقة الصراعات المذهبية والطائفية فيها على أشد ما يكون. ففي العراق واليمن وسوريا هناك صراع مذهبي قائم. المنطقة حولنا ملتهبة، وأن نرد النار عن لبنان هو الهدف الأساسي الذي تتفق عليه كل القوى السياسية، وفي ظل هذا الوضع علينا أن نخفف الأضرار، فالانطلاق اليوم إلى قانون انتخابي مجهول العواقب قد يلغي بعض الفئات في لبنان، وسيخلق أزمة يصبح معها الاحتكام إلى العنف واردًا.&

لا نريد المخاطرة. يجب أن نصبر على بعضنا البعض، وأن نمرر هذه العاصفة الهوجاء القائمة في العالم العربي، وأن لا نخاف من ضغط نفاد المهل القانونية، فعندما يصدر القانون، هو يعطي المهل لإجراء الانتخابات، وإذا كان هناك من تمديد تقني للمجلس النيابي الحالي، فلا مشكلة.
&
ربط نزاع
انفتح عهد الرئيس ميشال عون على العالم العربي من بوابة السعودية وقطر. كيف يستطيع عون برأيك أن يوازن بين تحسين علاقات لبنان بدول الخليج وتحالفه مع حزب الله؟

عندما أجرينا التسوية مع الجنرال ميشال عون، قررنا أن نضع الصراع الإقليمي والدولي جانبًا، وأن نربط النزاع في هذا الموضوع. وربط النزاع هذا قائم على قناعة من قبل كل القوى السياسية، أن ثمة أزمة إقليمية يشكل حزب الله جزءًا منها، ولا أحد من اللاعبين المحليين قادر على حلها، ونحن كنا واضحين أمام كل الدول التي حاولت زجّنا في هذا الصراع بأننا غير مستعدين لنقل النزاع إلى بلدنا، كي نحل هذه الأمور، لذلك هذا الأمر مطروح جانبًا إلى أن يحل الصراع القائم في المنطقة، ومن هذا الباب تم التوافق في البلد على انتخاب رئيس جمهورية وتأليف حكومة، ونحن سائرون على أساس أن يبحث هذا الموضوع في الاستراتيجية الدفاعية على طاولة حوار أو في مجلس الوزراء في وقت لاحق، هناك طلبات من المجتمع الدولي والعربي ظاهرها جيد، وباطنها سيئ، ونحن علينا كلبنانيين أن نضع مصلحة بلدنا قبل أي شيء آخر.&

وللصراحة، الذي يعيب علينا هذا الأمر، ويقول لنا أنتم تراجعتم أمام حزب الله، نقول له لم تعش الحرب الأهلية التي عشناها، ولسنا في وارد، ولا لدينا النية على الإطلاق للعودة إليها، ومن هنا فالرئيس عون سائر بما تم الاتفاق عليه وبتوافق الجميع، والزيارات الخارجية التي قام وسيقوم بها خاضعة لعملية التوازن القائمة في البلد.
&
لبنان نجا من تفجير انتحاري في الحمرا كان يمكن أن يشكل كارثة. هل تعتقد أن خطر التفجيرات عاد ليحوم من جديد فوق البلد؟

الواضح أن هناك ضغطًا كبيرًا على تنظيم داعش في العراق وسوريا، وهذا ربما يفتح مجالًا لأن يمارس نوعًا من التنفيس الإرهابي في مكان آخر، لكن لدينا ثقة كبيرة بأجهزتنا الأمنية وبالجيش اللبناني، إنما في الوقت نفسه لا نخفي أن لدينا هواجس في إمكانية العودة إلى دائرة الخطر، لكن طبعًا يجب أن نعتمد على تضامننا الداخلي وعلى أجهزتنا الأمنية، التي نشد دائمًا على يدها، ونطلب منها السهر الدائم على أن لا يحقق هؤلاء الإرهابيون أي خرق في الحزام الأمني الذي تفرضه.
&
مع المناطق الآمنة
هل ترى أن ظاهرة الإرهاب في طريقها إلى الانحسار؟
أرى أن هناك نوعًا من التوافق الدولي على انحسار دور داعش، لكن ليس هناك من شيء اسمه القضاء على هذا التنظيم من دون تسوية سياسية في سوريا، فالعنف الذي يمارسه النظام يخلق في المقابل ظواهر داعش وغيرها، هناك ضرورة لتسوية سياسية لتهدئة الوضع، في لبنان لم تنحسر كل هذه الأمور إلا عندما تم إجراء تسوية سياسية، والتي انتهت باتفاق الطائف.
&
هل ترى أن مفاوضات أستانة يمكن أن تشكل مدخلًا جديًا للتسوية السورية؟
المؤسف في محادثات أستانة الغياب العربي الكلي. لا توجد أية دولة عربية ممثلة، وأرى أنه من الصعوبة أن ننتج حلًا من دون الدول العربية في سوريا. نأمل أن يكون هناك نوع من الاستدراك للأمر، وأن يكون هناك شمول للمحادثات في المستقبل.
&
هل تعتقد أن طرح ترامب للمناطق الآمنة قابل للتطبيق؟
نحن مع المناطق الآمنة إذا وجدت، ولا أعتقد أن أحدًا سيقف ضدها، فهي بالنسبة إلينا كلبنانيين تحل أزمة اللاجئين السوريين، لكن حتى هذا الموضوع أراه صعبًا في ظل عدم وجود تسوية سياسية شاملة. فالمناطق الآمنة تستلزم اتفاقًا دوليًا، وإذا كان هناك من دخول لتركيا في الموضوع، وثمة موافقة إيرانية، والنظام يهدّأ بهذا الأمر، عندها يمكن أن يكون هذا الطرح واقعيًا.
&
إلى أين سيأخذ ترامب العالم في ظل ردود الفعل الشاجبة لطروحاته المختلفة؟
لنكن واضحين. ترامب يسدد فواتيره الانتخابية. هناك زخم انتخابي أتى به، وهو يحاول أن يقول لهذا الزخم الانتخابي إنه سيكمل، وقراءته حاليًا صعبة جدًا. فالرؤساء في أميركا كانوا دائمَا يقولون، هناك مئة يوم، فبعد تلك المئة يوم يظهر كيف ستتجه الإدارة الأميركية الجديدة، وبرأيي الحكم على هذه الإدارة الآن في غير محله. لننتظر ونرَ، إذ إن وزير الخارجية ووزير الدفاع يتحدثان بطريقة مختلفة، ولا توافق كاملًا مع ترامب.


&