أكد العاهل المغربي الملك محمد السادس أن المغرب سيكون "في طليعة الدول التي ستساهم، بكل عزم وقوة، في خدمة مصالح القارة الأفريقية، وتعزيز وحدة وترابط شعوبها، ولكن من دون التخلي عن الدفاع عن مصالحه العليا، وفي مقدمها حوزة الوطن ووحدته الترابية".
إيلاف من الرباط: في رسالة وجّهها العاهل المغربي إلى المشاركين في منتدى كرانس مونتانا العالمي حول أفريقيا والتعاون جنوب- جنوب، والذي افتتح أشغاله أمس الجمعة في مدينة الداخلة في أقصى الجنوب المغربي بمشاركة 1000 شخصية من 150 دولة، بينهم رؤساء دول وحكومات ووزراء وقادة سياسيون واقتصاديون، قال الملك محمد السادس "إن المغرب يؤمن بقدرة أفريقيا على رفع التحديات التي تواجهها، وعلى النهوض بالتنمية البشرية والمستدامة لشعوبها، لما تتوافر عليه من موارد طبيعية، ومن كفاءات بشرية هائلة". غير أن تحقيق النهضة الأفريقية المنشودة، يقول العاهل المغربي "يبقى رهينًا بمدى ثقتنا في نفسنا، وبالاعتماد على مؤهلاتنا وقدراتنا الذاتية، واستغلالها على أحسن وجه، في إطار تعاون جنوب - جنوب مربح، وشراكة استراتيجية وتضامنية بين دول الجنوب".
مكانة دولية
أضاف العاهل المغربي "إننا لواثقون من كسب هذه الرهانات. فأفريقيا اليوم، يحكمها جيل جديد من القادة البراغماتيين، المتحررين من العقد الأيديولوجية، التي عفا عنها الزمن. هؤلاء القادة الذين يعملون، بكل غيرة وطنية ومسؤولية عالية، من أجل استقرار بلدانهم، وضمان انفتاحها السياسي، وتنميتها الاقتصادية، وتقدمها الاجتماعي. وإنه ليسعدنا أن نضع يدنا في أيدي هؤلاء القادة، الغيورين على وحدة وتقدم أفريقيا، قارة المستقبل، وعلى مصالح شعوبها، وأن نعمل معا معهم، من أجل تعزيز دورها المتزايد، والمكانة المهمة التي أصبحت تحظى بها في العلاقات الدولية".
وقال العاهل المغربي: "إن توجّهنا الأفريقي الصادق نابع من إيماننا العميق بقدرة أفريقيا على رفع التحديات التي تواجهها. كما يجسد حرصنا على المساهمة إلى جانب إخواننا في النهوض بقارتنا"، مشيرًا إلى أن "جهة الصحراء المغربية، ومدينة الداخلة خصوصًا، تحظى بمكانة متميزة ضمن هذا التوجه، للقيام بدورها التاريخي، كصلة وصل بين المغرب بعمقه الأفريقي".&
أضاف قائلًا: "لذا، ما فتئنا نعمل من خلال النموذج التنموي الخاص بأقاليمنا الجنوبية، والمشاريع التي أطلقناها، على تأهيلها وتمكينها من كل المقومات الأساسية، من بنيات تحتية، ومؤسسات منتخبة، ومن مرافق اجتماعية وثقافية، والارتقاء بها إلى أقطاب اقتصادية مندمجة، تشكل فضاء للتواصل الإنساني، ومحورًا للمبادلات الاقتصادية مع الدول الأفريقية".
تعاون مثمر
وشدد العاهل المغربي على ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأفريقية القائم على أسس التضامن والتآزر من أجل النهوض بالقارة السمراء وتحقيق الرفاهية والتقدم لسكانها. وقال "إن التعاون جنوب - جنوب الذي يستند إلى ثقافة التقاسم والتضامن، هو الآلية التي تمكن بلداننا من تبادل مباشر وفوري لخبراتنا، وتطوير متجانس لتجاربنا الميدانية، واستغلال أمثل لتكاملاتنا، وتوسيع أسواقنا الوطنية، وفتح الفرص لاستثمار ناجع ومفيد، وتحقيق تنمية بشرية فعالة، في إطار السيادة الوطنية والاحترام المتبادل، على قدم المساواة بيننا".
وأشار الملك محمد السادس إلى الدور الذي يضطلع به المغرب في هذا الصدد، مشيرًا إلى أن المغرب قد قام "على هذا الأساس، وعلى مر الأعوام، بتطوير نموذج متعدد الأبعاد، لا يقتصر على الاقتصاد، بمختلف مكوناته، سواء منها المتعلقة بالإنتاج الزراعي والصناعي والطاقي، أو بقطاع الخدمات، بما فيها البنكية، والتأمينات، والنقل، واللوجستيك؛ بل يتعداها إلى مجالات متنوعة ومتكاملة، الاجتماعية منها والثقافية والأمنية والدينية. وفي هذا السياق، فإن المملكة المغربية تولي أهمية خاصة للعنصر البشري، سواء من خلال التكوين والتأهيل، أو عبر إنجاز برامج التنمية البشرية والمستدامة، التي لها تأثير مباشر في تحسين ظروف عيش المواطن الأفريقي".
حفظ الأمن
وأكد الملك محمد السادس حرص المغرب على توطيد الأمن والاستقرار، في مختلف مناطق القارة الأفريقية، مشيرًا إلى "مساهمته في عمليات حفظ السلام تحت لواء الأمم المتحدة، وفي مبادرات الوساطة التي يقوم بها من أجل حل النزاعات بالطرق السلمية، إضافة إلى التعاون الأمني في محاربة الجماعات الإرهابية، وكذا وضع التجربة المغربية في المجال الديني رهن إشارة الدول الأفريقية، والقائمة على نشر الإسلام الوسطي المعتدل، والتصدي لفكر التطرف والانغلاق".
وأشاد العاهل المغربي باختيار منتدى كرانس مونتانا لمدينة الداخلة في أقصى الجنوب المغربي لاحتضان دوراته حول أفريقيا والتعاون جنوب- جنوب، للسنة الثالثة على التوالي، مشيرًا إلى أن توصيات دوراته السابقة كانت لها أصداء ونتائج.&
وقال: "منذ التئام منتداكم في السنة الماضية، حرص المغرب على تجسيد مقاربته تجاه أشقائه في القارة، والمتمثلة في العمل على تعزيز التعاون، بشكل متواز، على ثلاثة مستويات: الثنائي المحض والجهوي والقاري. وفي هذا الصدد، وعلى المستوى الثنائي، فقد قمت بجولات عدة شملت كل ربوع أفريقيا، مكّنت من فتح آفاق جديدة وواعدة مع دول كانت علاقاتنا معها ضعيفة أو منعدمة، بما يحقق النفع المشترك لشعوبنا. أما على المستوى القاري، وعلى هامش مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (كوب 22) المنعقد في مدينة مراكش؛ فقد دعونا إلى عقد "قمة العمل الأفريقية"، لمواجهة إشكالات التحديات المناخية التي تواجه أفريقيا، ومن أجل بلوغ تنمية مستدامة تحمي مواردنا الطبيعية. وفي نطاق التفويض الذي أناطتني به القمة، فإني أواكب عن كثب، كل المبادرات العملية التي من شأنها أن تشكل نواة لعملنا الجماعي في هذا الميدان".
مشروعات طموحة
وخص العاهل المغربي بالذكر العديد من المشاريع الجهوية الطموحة التي أطلقت في هذا السياق، "وخصوصًا بحيرة تشاد، والنهوض بحوض نهر الكونغو، ورعاية خصوصيات الدول الجزرية؛ أو المبادرات البناءة المخصصة لموضوعات قطاعية استراتيجية، كتحقيق الأمن الغذائي في أفريقيا، وحل إشكالية الطاقة".
وبخصوص الطاقة، وأمام الحاجيات الطاقية المتزايدة للقارة الأفريقية، قال العاهل المغربي: "لا مناص لدولنا من إنجاح انتقالها الطاقي، والاستثمار في الطاقات المتجددة، لاسيما في ظل الإمكانات الهائلة التي تزخر بها في مجال الطاقات الشمسية والريحية والمائية، للاستجابة لحاجياتها، وسد النقص الذي تعاني منه، ومن ثم النهوض بالتنمية، وتوطيد السلم والاستقرار في أفريقيا"، مشيرًا إلى أن المغرب يعد "نموذجًا في مجال الانتقال الطاقي. فرغم أنه لا يتوافر على مصادر الطاقة الأحفورية، إلا أنه تمكن، في وقت قياسي، من جعل المجال الطاقي محورًا للتعاون جنوب–جنوب، خاصة مع العديد من الدول الأفريقية الشقيقة".
عودة المغرب
وأوضح العاهل المغربي أن الحدث الأبرز لهذه السنة على صعيد القارة الأفريقية "هو العودة التاريخية للمغرب إلى مكانه الطبيعي والشرعي، داخل مؤسسة الاتحاد الأفريقي، كاختيار لا رجعة فيه، على طريق التضامن والسلم والوحدة التي يجب أن تجمع الشعوب الأفريقية". كما أشار على المستوى الإقليمي إلى "طلب المغرب بالإنضمام &إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، التي تجمعنا بها روابط إنسانية وحضارية وروحية عريقة، وعلاقات متميزة من التعاون المثمر والتضامن الفعال".
في هذا السياق، تحدث العاهل المغربي عن المشروع الهيكلي لأنبوب الغاز، الذي سيربط نيجيريا بالمغرب، مشيرًا إلى أنه يعتبر "نموذجًا للتعاون الجهوي، حيث سيستفيد منه أحد عشر بلدًا أفريقيًا". وأضاف قائلًا "إن الأمر يتعلق بمشروع هيكلي، لا يقتصر فقط على نقل الغاز بين بلدين شقيقين، وإنما سيشكل مصدرًا أساسيًا للطاقة لدول المنطقة، وسيساهم في الرفع من التنافسية الاقتصادية، وتحفيز التطور الصناعي فيها. كما سيمكن من إقامة هيكلة فعالة للسوق الكهربائية، وسيكون له تأثير كبير في تحقيق التكامل والاندماج الإقليمي".
من جانبه، نوه جون بول كارترون، رئيس مؤسسة "كرانس مونتانا"، في كلمته الافتتاحية للمنتدى بالدور المهيكل الذي يلعبه المغرب في إرساء أسس التعاون جنوب - جنوب وبناء صرح أفريقية متضامنة ومتعاونة.
وتناوب على الكلمة خلال الجلسة الافتتاحية العديد من الشخصيات التي لعبت دورًا في التعاون جنوب - جنوب وإرساء قيم التضامن وخدمة الإنسانية، من بينهم القس الأميركي جيسي جاكسون، الذي وجّه من خلال المنتدى رسالة سلام إلى العالم، وفيليب دوست بلازي، وزير خارجية فرنسا السابق، الذي دعا إلى سنّ رسم بنسبة 0.1 في المائة على المعاملات المالية، وتوجيه محصوله إلى تنمية أفريقيا، وبلدوين لونسدال، رئيس جمهورية فانواتو، وأبوبكر أولوبوكو سراكي، رئيس برلمان مالي، وفريديكا توكي سورياكوموا، وزيرة الشباب والمرأة وشؤون الأسرة في جزر السالمون، والشيخة حصة السالم الصباح، رئيسة الإتحاد العربي لسيدات الأعمال، ومصطفى سيسي لو، رئيس برلمان المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا.
التعليقات