يطمئن جان مسيحه، أحد أبرز مستشاري مرشحة اليمين الفرنسي المتطرّف للرئاسة، المسلمين في بلده، ويقول في حوار مع "إيلاف" إن مشكلة مرشحته مع الإرهاب وليست مع الدين الإسلامي، مبديًا في ذات الوقت ثقته في فوزها، مشددًا على أن حزبها هو الوريث الشرعي للديغولية.


إيلاف من باريس: يعتبر جان مسيحه من مستشاري مارين لوبان، زعيمة الجبهة الوطنية، الأكثر تأثيرًا، فهو المتحدث بإسم دائرة المستشارين ذوي الشهادات العليا المحيطين بها.

اسمه الأصلي هو حسام بطرس مسيحه، ولد في مصر عام 1970 من والدين قبطيين، سرعان ما ترك القاهرة واستقر في مدينة مولوز الفرنسية حيث عمل والده ديبلوماسيًا، حاز على الجنسية الفرنسية في سن العشرين.
شغل مناصب حساسة في وزارة الدفاع الفرنسية وعمل ملحقًا اقتصاديًا في سفارة فرنسا ببيروت.

التحق بالدائرة الضيفة المحيطة بمارين لوبان عام 2014، فقد أُعجبت بعشقه لفرنسا.

مسيحه من خريجي المدرسة الوطنية للإدارة التي تخرج كبار موظفي الدولة ويحمل شهادة دكتوراه في الإقتصاد، وساهم في وضع برنامج لوبان الإنتخابي. يحلو له التعريف عن نفسه بأنه "عربي من الخارج وفرنسي في الداخل".

"إيلاف" التقته على هامش الحملة الإنتخابية وكان لنا معه هذا اللقاء:

الأحزاب لا تملك اصوات ناخبيها

تواصل مرشحة الجبهة الوطنية، اليمين المتطرف، حملتها للدورة الثانية من الإنتخابات الرئاسية، في محاولة لإستمالة ناخبي الأحزاب التي فشل مرشحوها، ما هي استراتيجية لوبان لإستمالة ناخبين جدد؟

ليس هناك أي مرشح إن كان في الإنتخابات الرئاسية او التشريعية يستطيع أن يقول إن أصوات الناخبين ملكه، وخاصة في فرنسا لأن هناك شيئًا انكسر بين الشعب والطبقة الحاكمة، و نحن لاحظنا انه في العقدين الماضيين لم تعطِ الإرشادات التي املتها قيادات الأحزاب على ناخبيها الهدف المرجو، مثلا حين نادت جميع الأحزاب بالتصويت بـ نعم في الإستفتاء حول الدستور الأوروبي عام 2005، فإنّ "لا" هي التي فازت وبنسبة 55 بالمئة.

وفي الدورة الأولى من الإنتخابات الرئاسية هذا العام حذر الجميع من مغبة انتخاب مارين لوبان وفازت وتأهلت الى الدورة الثانية.

أنا واثق أنّ الفرنسيين سيعطون اصواتهم لمارين لوبان مرة أخرى، لأن الشعب الفرنسي يملك ضميرًا سياسيًا وهو يشعر ان هناك شيئًا جوهريًا تغيّر في المجتمع اتجاه الهوية الفرنسية والصحة الإقتصادية للبلاد، ونحن اصبحنا في الساحة والإختيار هو تاريخي وأساسي بين مشروعين: بين العولمة القديمة الليبرالية الرأسمالية التي انتهت العام الماضي، والمشروع الثاني الذي يؤمن بهوية الوطن وحدوده وبالسلطة السياسية التي تمتلك المقدرة للسيطرة على الأرض وعالم الإقتصاد والمال.

إقتصاد فرنسا

لكن هذا ما يحذر منه الخبراء الإقتصاديون الذين يتوقعون خسارة فرنسا ما يزيد عن 153 مليار يورو إذا خرجت فرنسا من منطقة اليورو والإتحاد الأوروبي؟

أود ان أذكر ان الخبراء الذين يحذرون اليوم من خروج فرنسا من الإتحاد الأوروبي هم من توقعوا عام 1999 أنّ العملة الأوروبية الموحدة اليورو ستحقق اهدافًا بارعة وستؤدي الى تراجع البطالة التي تخطت هذا العام 10 بالمئة من اجمالي اليد العاملة وكانوا يقولون إن اليورو سيجعل من اقتصاد فرنسا وباقي دول منطقة اليورو جنة اقتصادية، وها نحن اليوم مضى على وجودنا في منطقة اليورو 15 سنة ولم تتحقق أي اهداف، ومن هنا اتساءل: اية مصداقية يتمتع بها الخبراء الماليون كي يأتوا ويحذروا من تداعيات اقتصادية في حال الخروج من منطقة اليورو؟

انا أرى ان المجتمع الفرنسي يتعرض لحالة من التخويف، لأن هناك مصالح مادية ونقدية تشمل البنوك والأسواق المالية، وهم لا ينظرون لمصلحة الشعب بل لمصالحهم الخاصة التي انتعشت وعرفت ازدهارًا بعد انشاء منطقة اليورو وليس رجال السياسة مندوبي الأسواق المالية والبنوك، وبالتالي فإن مصلحة الدولة يجب ان تقوم تجاه مصلحة الشعب.

كيف ستجذب الجبهة الوطنية فئة المترددين؟

نحن امام اختيار جوهري، وكما قالت مارين لوبان نحن امام خيارين: اما حياة فرنسا أو موتها، ونحن نقول لكل الناخبين على مختلف انتماءاتهم إنه ليس هناك بلد في العالم لا يمتلك حدودًا وليس هناك بلد في العالم ليست لديه عملة، ونرى ان هناك ضرورة بأن تكون فرنسا مثل باقي الدول وليس هناك بلد في العالم يستقبل جميع اللاجئين عند حدوده ويتبع سياسة مالية ونقدية ضد مصلحة اقتصاده فقط لأنه داخل منطقة اليورو.

نحن نقول إن هناك مشروعين: أحدهما يرى انه يجب الذهاب اكثر بسياسة إلغاء الحدود والعملة الوطنية لكي نبدأ بجني الثمار وهذا ما يقوله ايمانيول ماركون، اما نحن فنحذر من ان السياسة التي اتبعت طوال 15 سنة ولم تأتِ بنتيجة فهي فاشلة.

مثلا في فرنسا هناك ستة ملايين فرنسي عاطل عن العمل، تسعة ملايين فقير، أي 15 بالمئة من المجتمع الفرنسي يعيش تحت خط الفقر. هنا نتساءل: ما الذي يدفعنا في حالتنا الإقتصادية المنهارة ان نستقبل بين مئتين واربعمئة مهاجر كل عام، وهو ما لا تقوم به أي دولة في العالم لأن منطق الدول يقوم على استقبال لاجئين حين تتوافق اعدادهم مع متطلباتها إن كانت مصلحة اقتصادية او نسلية، وهو ما ليس عليه وضع فرنسا اليوم، ومن هنا نحن ندعو الى استخدام العقل واتباع السياسة الفعالة التي تضمن مصلحة فرنسا اولا.

جبهة اليوم ليست جبهة الأمس

ما الذي يضمن أن نتائج الدورة الثانية للرئاسة لن تكون كسيناريو عام 2002 حين تأهل مؤسس الجبهة الوطنية جان ماري لوبان للدورة الثانية في وجه الرئيس الأسبق جاك شيراك الذي فاز في السباق الرئاسي حتى دون خوض حملة انتخابية حقيقية؟

لا يمكن اجراء مقارنة نظرًا للفارق الزمني حيث مرت خمس عشرة سنة، ولم تعد الجبهة الوطنية، حزب مارين لوبان، على ما كانت عليه في عهد والدها جان ماري لوبان، وتم تغيير الحزب في داخله حيث نرى ان ثمانين بالمئة من قاعدة الحزب السياسية جديدة، ولم يمر على وجودها سوى خمس سنوات، ولذلك نرى ان الحزب أي الجبهة الوطنية تغيّر كثيرًا وإن ما زال يحمل نفس الإسم، لكنه أشبه بحزب جديد.

ورثة ديغول

هل تغيرت سياسة الحزب؟ نرى انها ما زالت على حالها معادية للإسلام والمهاجرين ؟

في العقود الثلاثة الماضية، اتجهت الساحة السياسية الفرنسية إلى اليمين، وباتت الجبهة الوطنية مشابهة لما كان عليه حزب الرئيس اليميني الأسبق جاك شيراك "التجمع من اجل الجمهورية" عام 1979.

وإذا ما تابعتم تصريحات لوبان في لقاءاتها وتنقلاتها، فهي تستذكر دائمًا مؤسس الجمهورية الخامسة الجنرال شارل ديغول وهو ما لم يقم به مؤسس الجبهة الوطنية جان ماري لوبان الذي كان يعتبر ديغول عدوه اللدود، ولكن في يومنا تتبع الجبهة الوطنية استراتيجية سياسية ديغولية، لأن الجنرال شارل ديغول كان يؤكد دائمًا على ضرورة المحافظة على سيادة فرنسا وكان يرفض أي مشروع فيدرالي اوروبي واصبحت الجبهة الوطنية الحزب الديغولي الحقيقي الموجود على الساحة الفرنسية لأن حزب "الجمهوريين"، خانوا كل ما ما قام به ديغول حيث اعاد ساركوزي فرنسا الى القيادة المركزية لحلف شمالي الأطلسي وديغول لطالما رفض أي نوع من فيدرالية اوروبية وهو ما قام به ساركوزي حين مرر القانون في البرلمان بعد ان رفضه الشعب في الإستفتاء عام 2005.

من هنا، قامت كل قيادات حزب "الجمهوريين" باتباع سياسة متناقضة مع ما أرساه شارل ديغول، وأؤكد ان الجبهة الوطنية هي وريثة السياسة الديغولية.

يشكل المسلمون فئة داخل المجتمع الفرنسي ودعا اتحاد المنظمات الإسلامية مسلمي فرنسا للتصويت للمرشح الوسطي ايمانويل ماكورن لقطع الطريق أمام مارين لوبان ردًا على انتقاداتها لهم؟

إتحاد المنظمات الإسلامية يضم جمعية الإخوان المسلمين، التي صُنفت ارهابية في عدة دول عربية كمصر والإمارات والسعودية.

ومن هنا تود مارين لوبان ان تلغي جمعية الإخوان المسلمين، وهذا لا يعني انه لن يكون هناك تمثيل للمسلمين في فرنسا، لأن هناك مسلمين كثراً يرفضون رفضًا تامًا الإرهاب وهم متأقلمون مع السياسة الفرنسية.

نودّ ان نعطي المواطن الفرنسي حقوقه كمواطن لأن الوطنية والجنسية هما الوسيلة الوحيدة لمسح كل الفروق بين المواطنين، وهذه سياسة فرنسا منذ قرنين.
ونحن نريد مكافحة الإرهاب وليس الإسلام، ومن يقول عكس ذلك يرتكب جريمة كبيرة للإسلام.

الملف السوري

كيف ستكون سياسة لوبان ازاء الدول العربية خاصة الأزمة في سوريا؟

إن الأزمة في سوريا حساسة وصعبة ويعاني العالم اليوم من مشكلة في العلاقات الدولية حين احتكرت اميركا سياسة الغرب وقسمت الدول الى فئتين، بين من تود ان تتعامل معهم ومن تود ان تبتعد عنهم، وهذه سذاجة سياسية.

إنه لشيء مؤكد أن بشار الأسد ليس ديمقراطيًا ولا يحترم حقوق الإنسان، ولكن الإختيار اليوم هل نريد بشار او تنظيم داعش؟

عندما نطرح السؤال بهذه الطريقة سيكون الرد معروفاً، أي انه سيكون هناك تعامل مع الأسد وعلى الشعب السوري وحده أن يقرر مصيره.

نحن واقعيون ونريد اتباع سياسة واقعية والإبتعاد عن كل السياسات التي اتُبعت وفشلت.

نريد أن نعيد بعض التوازن للعلاقات الدولية منها مع قطر والسعودية وأعطي مثلاً: قام الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بتوقيع اتقافية ضريبية مع قطر تسمح للمستثمر القطري ان يستثمر في فرنسا دون دفع ضرائب ونجد أن هناك بندًا في القانون الدولي يفتح المجال أمام معاملة بالمثل، ونحن نطالب بأن تكون العلاقات متوازنة.

سنستمر في علاقاتنا مع قطر والسعودية، ولكن سنعمل على بناء علاقات وفق مبادىء القانون الدولي لكي تكون متوازنة.