عمان: قبل خمسين عامًا، ترك صبحي عوض وأهله مدينة أريحا إثر مواجهات بين الجيشين الاردني والاسرائيلي، وهو يعيش اليوم في مخيم في الاردن مع أبنائه السبعة و15 حفيدًا لا يعرفون شيئاً عن فلسطين سوى من خلال قصص يرويها لهم الرجل العجوز.

ومنذ حرب يونيو 1967، يعيش صبحي مثل 300 الف لاجىء فلسطيني آخرين في مخيم الوحدات شرق عمان، على الذكريات. ويقول الرجل (72 عامًا) لوكالة فرانس برس "حياتنا كانت سعيدة جدًا رغم بساطتها".

ويقول الرجل الذي كسا الشيب شعره، "الحنين الى ذلك الماضي الجميل يقتلني، وما أذكره يؤلمني بشدة".

ويتجاوز عدد اللاجئين الفلسطينيين في الاردن 2,2 مليون لاجئ، بحسب الأمم المتحدة. ويشكل الاردنيون من أصل فلسطيني نحو نصف عدد سكان المملكة التي كانت الضفة الغربية تخضع لإدارتها قبل حرب يونيو 1967.

بعد نصف قرن، تحول مخيم الوحدات الذي يبعد نحو 45 كيلومترًا عن منزل عائلته، الذي تركه مع افراد عائلته "راكضين"، الى مقر صبحي الدائم، لكنه مقرّ علقت فيه شعارات تذكّر دائما بأنّ مخيمات اللجوء "محطة انتظار قبل العودة"، وتشبه الشعارات المرفوعة في مخيمات اللجوء في سوريا ولبنان والاردن والاراضي الفلسطينية المحتلة.

ويعد حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إحدى النقاط الرئيسية المثيرة للخلاف في مفاوضات السلام الفلسطينية-الاسرائيلية.

بالنسبة الى اسرائيل، فإن الامر غير وارد بينما تصر السلطة الفلسطينية على بحثه في حال استئناف مفاوضات السلام المتعثرة.

بالنسبة الى اللاجئين الفلسطينيين، يختصر شعار "نحن لن ننسى" المكتوب على جدران كل المنازل تقريبًا في مخيم الدهيشة في بيت لحم، كل الاحلام.

ويقول الناشط في المخيم لؤي الحاج لوكالة فرانس برس إن تعداد اللاجئين يقارب نحو ثمانية ملايين، وهم "يعيشون بين العقل والقلب، العقل في المخيم، لاننا نعيش هنا يوميًا، والقلب مع أرضنا".

 "لن تخسروا سوى القيد والخيمة" 

في أزقة المخيم الضيقة المليئة بالمباني العشوائية التي ترتفع أكثر يومًا بعد يوم، يزداد اليأس في أوساط الشباب خصوصًا. ويستذكر بعضهم قول زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جورج حبش "ثوروا، فلن تخسروا سوى القيد والخيمة".

هنا، في البيوت الصغيرة والمتلاصقة، السياسة موجودة في كل مكان، ولكنها تبدو منزهة عن الانقسامات التي تنخر الاراضي الفلسطينية المحتلة.

ويقول الحاج "في المخيمات، التضامن بين الناس أكثر قوة والاحزاب السياسية فيها تتخذ قرارات موحدة"، موضحًا ان "الاعتقالات السياسية ممنوعة" في المخيمات التي اصبحت مدناً داخل المدن، والتي تعتبر بعيدة عن سيطرة الشرطة الفلسطينية.

على سبيل المثال، يشهد مخيم بلاطة قرب مدينة نابلس في شمال الضفة الغربية، تصاعدًا في اعمال العنف عندما تحاول قوات الامن الفلسطينية القيام بسلسلة مداهمات للقبض على أشخاص تشتبه بأنهم مجرمون داخل المخيم، ما يجرّ اشتباكات مسلحة.

ويقول محللون إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يعتبر المخيم قاعدة دعم لخصمه السياسي محمد دحلان، الذي يعيش حاليًا في منفاه الاختياري في الامارات.

ويسود جو من عدم الثقة في السلطة الفلسطينية في أوساط الشباب في المخيمات.

ويرى شبان أن السلطة الفلسطينية التي تقوم بالمفاوضات مع اسرائيل، قد تقدم في يوم من الايام على توقيع مذكرة موت "لحق العودة".

ويتساءلون حول كيفية الخضوع لهذا الكيان الذي يطالب بدولة لا تسعى الى إعادة الاراضي، التي يطالب بها اللاجئون.

 "الكبار يموتون، الصغار لا ينسون"

وفي انتظار العودة، يصر عبد القادر اللحام (96 عامًا) على تكذيب أقوال القادة الاسرائيليين، الذين لطالما كرروا عبارة "الكبار يموتون والصغار لا ينسون".

ويقول لوكالة فرانس برس إن أحد احفاده حصل مؤخرًا على تصريح دخول لزيارة بلدته الاصلية، مضيفاً "أخبرته أين يقع البيت وشجرة التين التي قمت بزراعتها".

ويأسف اللحام لفقدان الشبان لحب العمل في الارض، ومعها الرغبة في العودة الى القرى المهجرة. ويقول إن اسرائيل، عبر احتلالها الاراضي الفلسطينية "قامت بتوظيف الشبان، وإعطائهم في بعض الاحيان 200 الى 300 شيكل يوميًا"، مبينًا انه في هذه الظروف المادية الجيدة نسبيًا "من سيتعب بزراعة الخضار".

ويشير الرجل الى منزله في المخيم متحسرًا "هذا ليس ملكي، بل كله ملك للوكالة"، في اشارة الى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (انروا) المسؤولة عن ادارة مخيمات اللاجئين.

وفي مسعى منه للحفاظ على الذاكرة، أطلق الشاب الفلسطيني محمد نصار مشروع "باص 47"، في اشارة الى العام الذي سبق قيام الدولة العبرية، والى حافلة قديمة كانت تقوم برحلات بين القدس -صنعاء أو حيفا- وبيروت، "دون المرور بحاجز واحد".

وهذه الحافلات كانت منتشرة في الماضي لأخذ الفلسطينيين الى السينما في عمان أو إحضار حجاج مسيحيين من دمشق الى القدس.

ويقول نصار إن آخر خط لهذه الحافلات كان في عام 1967، "مع مسافرين حملوا حقائبهم وتركوا بلادهم الى بلاد أخرى ليست لهم".

ويضيف: "هذه الحافلة والفلسطينيون ينتظرون العودة في الاتجاه المعاكس".