باريس: ساهمت حرب حزيران/يونيو 1967 في أفول نجم القومية العربية وشجعت الحركات والمنظمات الفلسطينية على تجاوز وصاية الأنظمة العربية، لكن من نتائجها أيضا بروز الاسلاميين كقوة جديدة نافذة في المنطقة، بحسب ما يقول مؤرخون.

- هل ادت هذه الحرب الى زوال القومية العربية؟

يقول استاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد فواز جرجس ان "هزيمة العرب في حرب حزيران/يونيو 1967 التي تلتها وفاة جمال عبد الناصر عام 1970، شكلت الضربة القاضية التي أنهت القومية العربية".

وأضاف "لسنوات، عاش العرب في ظل أحلام المجد الثقافي والقوة والوحدة"، ولكن هزيمتهم في غضون ساعات قليلة على يد الدولة العبرية الناشئة، أدى "الى انهيار الاسطورة المؤسسة للقومية العربية وإحراج الوصي عليها" الزعيم المصري عبد الناصر، الامر الذي ادى الى "تبديد الوعد بمستقبل مشرق".

وبحسب جرجس الذي ألّف العديد من الكتب حول العالم العربي، انه بعد الهزيمة التي لحقت بالعرب، فإن الانظمة القومية العربية - مثل مصر التي حملت راية القومية العربية، وسوريا بقيادة حزب البعث الذي دعا الى الوحدة العربية، والعراق الذي حكمه فرع منافس من حزب البعث، "تحولت تدريجيا الى دول بوليسية" واستغلت القومية العربية لتبرير سلطتها.

- ما آثار ذلك على الحركة الوطنية الفلسطينية؟

يقول المؤرخ والصحافي دومينيك فيدال الذي ألّف العديد من الكتب حول الصراع العربي-الاسرائيلي "اعتمد الفلسطينيون لوقت طويل على +إخوتهم+ العرب من أجل تحرير وطنهم".

وبحسب فيدال، فإن "هذا الوهم تبدّد مع الهزيمة الساحقة التي لحقت بالجيوش العربية في حزيران/يونيو 1967. وعلى العكس، قام بتعزيز مشاركة الفدائيين في الكفاح المسلح الذي قامت حركة فتح بقيادة ياسر عرفات بإطلاقه في عام 1965".

واحتلت اسرائيل الضفة الغربية التي كانت خاضعة لسيطرة المملكة الاردنية، وقطاع غزة الذي كان يرزح تحت السيادة المصرية.

وجعلت الحركات الفلسطينية من الاردن قاعدة لعملياتها. وبحسب فيدال، فإن الانتصار الذي حققه الفلسطينيون على الجيش الاسرائيلي في معركة الكرامة في الاردن في 20 آذار/مارس 1968، "يرمز الى مسار جديد".

وبدأ الفلسطينيون رويدا رويدا التخلص من وصاية الانظمة العربية، ليقوموا في عام 1969 بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي أنشأتها في الاصل جامعة الدول العربية. ودخل الفدائيون الفلسطينيون في صراع مع المملكة الاردنية واضطروا لمغادرتها بعد معارك أيلول/سبتمبر 1970. جعلوا بعدها من لبنان قاعدتهم الرئيسية قبل ان تطردهم اسرائيل منه في عام 1982.

عند اندلاع الانتفاضة الاولى في عام 1987، عاد فلسطينيو الارض المحتلة الى الواجهة الى حين توقيع اتفاقات اوسلو للحكم الذاتي مع اسرائيل عام 1993.

- هل يمكن اعتبار هذا التاريخ بمثابة بدء صعود التيار والحركات الاسلامية؟

يتفق المؤرخان ان هذا أمر صحيح الى حد ما. ويقول فواز جرجس ان "تغييرا في موازين القوى" في العالم العربي حصل مع "أفول نجم القومية العربية التي جسدها عبد الناصر والتي رافقها صعود قوة المملكة العربية السعودية والبترودولار".

وبعد هزيمة عبد الناصر على يد اسرائيل، هُزم أيضا في اليمن - او ما عرف ب "فيتنام مصر" - حيث أرسل قواته لقتال مؤيدي الملكية المدعومين من الرياض.

في الداخل، حارب عبد الناصر بشراسة حركة الاخوان المسلمين واعتقل الالاف منهم وأقدم على إعدام المفكر سيد قطب، الزعيم الاخواني الذي ألهمت أفكاره العديد من الجهاديين.

بعد وفاة عبد الناصر، سعى خلفه أنور السادات الى تشجيع الاسلاميين من أجل كسب شرعية، وسعى الى تحالفات مع مسؤولي دول الخليج والمملكة العربية السعودية شجعت عبر استخدام البترو-دولار الحركة الاسلامية. وانتهى الامر باغتيال السادات على يد الاسلاميين.

ويشدد فيدال على ان صعود الاسلاميين "ليس مرده فقط فشل الانظمة التقدمية"، بل "أيضا فشل أولى الاصلاحات النيوليبرالية اولا في مصر ثم في المنطقة (...). وترافق هذا المنعطف الاقتصادي مع تحول في التحالفات ضد الاتحاد السوفياتي لمصلحة الولايات المتحدة، وفي حالة مصر، توفيع اتفاق سلام مع اسرائيل".

وتابع "استغل المتطرفون هذا الفشل المزدوج من اليسار واليمين لترسيخ قاعدتهم".