د. نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أميه للبحوث والدراسات الاستراتيجية
تقوم هذه الدراسة على أساس فهم كيفية تناول صورة دول في الكتب المدرسية الإيرانية، حيثُ لا بدّ من الوقوف عن كثب لمعرفة ما يقوله الإيرانيون عن هذه الدول، وكيف يرسمون ملامح هذه الصورة، وكيف يؤثر ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر في عملية التنشئة لدى الإيراني . خصوصاً أنّ الطلابَ الايرانيين يكتسبون القيم والتصورات والمعتقدات السياسيّة من خلال ما يتعرضون له من تنشئة، وما يتلقونه من أفكار وقيم من خلال المناهج المدرسيّة، التي من شأنها أن تؤثر في سلوكهم ووعيهم وفعلهم السياسيّ بالقضايا المختلفة؛ خصوصاً تجاه دول مجلس التعاون الخليجي حكومات وشعوب وتاريخ وجغرافيا ….
نشيرُ أولاً إلى أن النصوص المتعلقة بدول مجلس التعاون الخليجي متناثرة ومبعثرة، مما دفعنا إلى إعادة تجميعها لكي نشكل منها مجموعة (محل دراسة )، هذا التجميع له طابعٌ مهمٌ، ويعطي النصوص ترابطاً يقربه من واقع نظرة الإيرانيين لصورة هذه الدول، لقد تمّ تناول هذه المجموعة أولاً من الناحية الموضوعية ؛ أي من حيث تصنيف المواضيع التي تتناولها هذه النصوص تبعاً لأهميتها، وتبعا للمساحة التي تشغلها، وكيفية توزيعها بين مختلف الكتب المدرسية الإيرانية، ثم القيام بتحليل النص، والسياق الذي وردت فيه هذه النصوص من حيث كيفية معالجتها، والنقاط والمحاور التي كانت محل اهتمام هذه الكتب، والجوانب التي تم إهمالها وإغفالها، ودوافع ذلك .
لا شكّ أن هذه الدِّراسة تستمدُّ أهميتها من أهمية الموضوع الذي تتناوله، وهو الكشف عن درجة توافر الملامح الصريحة والضمنيّة لصورة دول مجلس التعاون الخليجي المضمنة في الكتب المدرسية في المرحلة المراحل الثلاث الابتدائية، الإعدادية، الثانوية في إيران، فهي تأتي في مواجهة السياسة التربويّة الإيرانية تجاه هذه الكتلة البشرية والسياسية. لذا وجدنا ضرورة الاطلاع على نماذج الكتب المدرسيّة الإيرانية، بهدف إدراك الاتجاه الذي يتم غرسه في عقول الناشئة الإيرانيين ووجدانهم.
وتنبعُ أهمية هذه الدراسة عن صورة دول مجلس التعاون في الكتب المدرسية الإيرانية من خلال ضرورة معرفة أوجه اهتمام الإيرانيين بدراسة وتحليل صورة هذه الدول من خلال المنهج التعليمي، وذلك بغية التعرف بدقة ووضوح على المداخل والأساليب والأدوات التي يتناولونها بها؛ لأن ذلك كله مما يؤثر في فهم الدارسين للعالم العربي، فلا بدّ من الوقوف عن كثب لمعرفة ما يقوله الإيرانيون، وكيف يرسمون ملامح هذه الصورة، وفي النهاية كيف يؤثر ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر في عملية التنشئة لدى الإيراني .
كذلك فإن أهمية هذه الدراسة تتجلى من خلالّ تحليل النص الحاوي لمضمون الكتب المدرسية، والذي سيكشف عن دور هذه الكتب في التعرف على صورة الدول الأخرى التي تشترك مع إيران بجبرية جغرافية ، ودورها في تدعيم وترسيخ قيم معينة.
تهدف هذه الدراسة إلى الكشف عن درجة توافر الملامح الصريحة والضمنيّة لمكونات صورة دول مجلس التعاون الخليجي في المراحل الثلاث الابتدائية، الإعدادية، الثانوية في إيران، والكشف عن مستوى التتابع والاستمرارية والتكامل للمكونات المتضمنة فيها، باستخدام أسلوب تحليل النص والمحتوى، مما يفيد في التعرف إلى الملامح التي تمّ التركيز عليها، وتلك التي ضمنت بدرجة (سلبية، إيجابية) متدنية، أو لم تضمن .
ستعتمد هذه الدراسة بشكل أساس على مجموعة من المصادر الأصيلة، وقد تمثلت في الكتب الدراسية المعتمدة في المدارس الإيرانية للمراحل : الابتدائية، الإعدادية، والثانوية، حيثُ تمت قراءة هذه الكتب، و من ثم ترجمة النصوص التي تتعلق بموضوع الدراسة الواردة في هذه المصادر من اللغة الفارسية إلى العربية.
تم استخدام أسلوب تحليل المحتوى لجميع الكتب المدرسية الإيرانية، حيثُ كان الاعتماد بشكل أساسي على منهج تحليل المحتوى بصفة خاصة، وهي منهجية تقوم على أساس تناول النصوص الخاصة بموضوع الدراسة، وتحليل هذه النصوص ودلالاتها، واتخذت الجملة والفقرة كوحدات للتحليل لاستخراج الصورة المتضمنة في الكتب المذكورة، وبالتالي فإن هذه الكتب تبني ثقافة الجيل الذي حكم، ويحكم إيران حالياً .
لقد تحدّد حجم الكتب المدرسية محل البحث في ضوء اعتبارات وضرورات عديدة. فضّلت أولاً الاعتماد على كتب المرحلة الابتدائية والمرحلة الإعدادية والثانوية في مختلف المواد، ليس فقط لضمان شمولية البحث، ولكن لأن هذه الكتب لها أهمية في تكوين صور، وتثبيت الأحكام في أذهان تلاميذ لا يزالون في مرحلة مبكرة من عمرهم يسهل فيها التأثير فيهم .
ارتأينا من خلال هذه الدراسة المختصرة، توسيع نطاق العينات لتشمل مختلف الكتب، وبهذه المحاولة سنحاول تناول النصوص كما جاءت في كل من كتب الابتدائي، الإعدادي، والثانوي، وقد أتاح لنا ذلك استخلاص النواحي الثابتة والمتغيرة فيها . ويمكن وضع افتراض يتعلق بالمقارنة بين الصفوف : ابتدائي، إعدادي، وثانوي . بما أن تناول كتب الابتدائي محدود للمسائل المتعلقة بدول مجلس التعاون الخليجي محدود، ويميل التبسيط، نجد أن هذا الموضوع يتسع شيئاً فشيئاً في كتب المرحلة الإعدادية، والثانوية .
لقد بحثنا عن صورة دول مجلس التعاون في المجموعة من خلال تحليل النص. وكان الهدف من هذا التحليل هو استخلاص المواضيع التي تتناولها الكتب عند تعرّضها لهذه الدول، ثم تبويبها ومقارنتها ببعضها البعض، وإبراز كيفية تقديمها. إننا نطلق على هذا المستوى للصورة اسم المستوى المعدّ أو المبلور، ونقصد به ما أعده أو بلوره مؤلفو الكتب المدرسية، وعرضوه .ويوجد مستوى آخر في صورة العرب، وهو المستوى العميق الذي لا يتبدّى عند مجرد القراءة المتواصلة والتحليل البياني، ولكن يتعيّن للتوصل إلية تفكيك كل من النصوص ومرفقاتها لاكتشاف الطريقة التي تم بواسطتها إنتاج الصورة . حيثُ تتميز النصوص محل الدراسة بعدة خصائص :
-الأولى : أنها تتعلق بنصوص تربوية، بمعنى أنها لا تكتفي بتقديم المعلومة، ولكنها تسعى إلى التثقيف، وبناء القيم، وتكوين المواقف والانطباعات والأحكام .
– أما الخاصية الأخرى : فناتج من موضوع هذه الدراسة ” دول مجلس التعاون الخليجي ” فالخلاف يدور حول هذا الموضوع بشكل كبير في إيران، بسبب طبيعة العلاقة التاريخية التي نشأت بين الثقافتين والحضارتين وحتى المذهبين. لذلك فلقد افترضنا بصفة مبدئية أن الخطاب المدرسي حول هذه الدول، لن يخلو من الانفعال، الانحياز، وحتى التشويه، وأن لا تغلب عليه روح الحياد .
مستويات تحليل الدراسة:
في ضوء تحديد هذين الأسلوبين في تحليل الصورة والخطاب، نعرض بشكل مقتضب للتقنيات التي استخدمت في التحليل :
عند تحليل المستوى المبلور للخطاب الذي يتضمن النصوص، الصور، العناوين . استخدمت قواعد التحليل الموضوعي المعروفة والبسيطة، وهي تقوم على استخلاص المواضيع الأصلية، والفرعية التي تم تناولها مع تصنيفها
التحليل الكمي لتقدير الحجم التي يشغلها الموضوع قيد الدراسة ” دول مجلس التعاون ” (من حيث عدد النصوص )، وتحليل كيفية ترتيبها .
الصورة النمطية لدول مجلس التعاون الخليجي في الكتب المدرسية الإيرانية.
أما بالنسبة إلى المستوى الكامن في صورة دول مجلس التعاون ، فلقد تناولناه بتحليل المواد التي استخدمتها الكتب، والأسلوب الذي اتبعوه لإنتاج هذه الصورة .
تتكون المواد التي يتم تحليلها من المفردات المتعلقة بموضوع دراستنا : وهي المصطلحات ذات المدلول العربي أو الإسلامي التي تتردد في معظم الكتب المدرسية في المواضيع المشار إليها ، مثل ” الخليج الفارسي ” ” رود أروند : شط العرب ” ” الجزر الإيرانية : الجزر الإماراتية الثلاث ” العراق ” ” البحرين ” ” السعودية ” مقرونة بالأسماء التي تصفها .
لقد خضعت كلها لتحليل مفرداتي ، أمكن بواسطته استخلاص الحقل السياقي لكل منها، مع تصنيفها في فئات دلالية تقوم على ما لها من صفات وأفعال، ومن بينها من مشتركات ومتضادات، مما سمح لنا بتحديد وضعها بالنسبة إلى مفردات أخرى، وبتحديد حقل فعلها .
في الختام سوف نستخلص حجم الصورة المقولبة التي تنسب لدول مجلس التعاون الخليجي بالمقارنة مع الفاعلين الإيرانيين، والشخصيات الإيرانية، ونقصد بها القوالب؛ وهي تشمل الأحكام والصفات والتقديرات العامة ذات الدلالات الايجابية أو السلبية.
لعل الدارس لطبيعة المجتمع الإيراني، يلاحظ تلك الملائمة والتوافق القوي بين أهداف التربية والتعليم الإيرانية من جهة وأهداف الثورة الإيرانية وحاجاتها من جهة أخرى ، فلقد كانت التربية والتعليم الإيرانية بخلفيتها القومية والمذهبية، وبفلسفتها المستمدة من تعاليم البعد القومي والمذهبي، هي الوسيلة الأولى والأهم التي استخدمت لتحقيق أهداف الإيرانيين في انتصار الثورة الإيرانية وبقائها.
أهداف التربية والتعليم الإيرانية من التشويه المنظم لصورة دول مجلس التعاون الخليجي :
الأهداف المعلنة التي نستنتجها، والتي يسعى إلى تحقيقها جهاز التربية والتعليم في إيران :
أولاً: توحيد رؤية المجتمع إيراني تحت راية (ولي الفقيه) وقيادته، واعتبار دول الخليج ملكية تاريخية إيرانية ينبغي عودتها للوطن الأم .
ثانيا: أهمية بناء إيران دولة عصرية تملك أسباب القوة المادية والروحية، الأمر الذي يمكنها من تحقيق رسالة الثورة، في مقابل مشيخات بدوية لا تملك سوى النفط والثروات والتخلف .
ثالثاً: الحفاظ على التاريخ الفارسي، وتعميقه لدى الطلاب في المدارس من خلال الكتب المدرسية، والتذكير أن كل ما يقع داخل الخليج ” الفارسي ” ملكية شرعية إيرانية ..
رابعاً: دعم مركزية إيران وريادتها بين شيعة الشتات، والالتزام نحوها باعتبارها دولة الشيعة في دول مجلس التعاون الخليجي، قبلتهم الروحية والمذهبية والسياسية.
خامساً : تعميق الوعي الثوري قومياً ومذهبياً، ودور رسالة الثورة في بناء مجال حيوي عمقه العراق، ودول مجلس التعاون الخليجي.
سادساً : توافق مذهبي – قومي استعلائي في صياغة توجهات إيران تجاه دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تحاول الكتب المدرسية الإيرانية خلق نمط معين من الإدراك والتفكير تجاه دول مجلس التعاون الخليجي، من حيث أن هذا الموقف يتربّى ويترعرع عليه كل إيراني منذ الصغر ويكبر معه، ليتكرس بتأثير من الواقع السياسي ـ الاجتماعي الإيراني، لقد تأطرت تشابيه دول مجلس التعاون الخليجي وشعوبها من خلال رسم ملامح الصورة التي نستنج منها الصفات التالية:
“مشيخات بدوية، التخلف، أرض الجاهلية ووأد البنات، الوقوف ضد الدعوة النبوية.
فدول مجلس التعاون الخليجي وشعوبه في نظر هؤلاء الطلبة كارهون لإيران متآمرون من خلال استضافة هذه الدول للقواعد الأميركية، فضلاً عن أنه ينمي في نفوسهم مشاعر القلق والتوتر والخوف الدائم من المجهول.
سابعاً – ترسيخ جذور الطلاب الإيرانيين في ماضي الشعب الفارسي، وتراثهم التاريخي؛ وذلك لخلق أجيال إيرانية تؤمن بالمعتقدات التوسعية، وأن هناك شعب آري كان في الماضي البعيد يعيش في وطنه «أرض إيران الكبرى »، وأن الروابــط التاريخيـــة والمذهبية بين الإيرانيين « أرض الإمبراطورية الفارسي » هي روابط أزلية / أبدية.
ثامناً- التعلق بالأرض ” مركزية إيران “ : ويرتبط هذا الهدف مع ضرورة التوسع والتمدد الطبيعي، و تكوين مجتمع موحد فيه الشتات الشيعي، ويلتصق به، على اعتبار أن إيران هي أم قرى العالم الإسلامي ومركزه الروحي والحضاري.
أما الأهداف غير المعلنة للتربية والتعليم الإيرانية بخصوص النظرة لدول مجلس التعاون الخليجي :
1- الإيمان المطلق بحق الثورة الإسلامية بإعادة إحياء إمبراطوريتها، من خلال التكرار والتأكيد بالحديث عن الحق القومي والمذهبي في إقامة دولة العدل ” إمبراطورية المهدي".
2- تحقيق التضامن والتواصل الشيعي بين داخل إيران وخارجها مع شيعة الشتات، ولا سيما في دول مجلس التعاون الخليجي، لضمان استمرار الدعم المادي لإيران ” سهم الخمس المفروض على الشيعة ” خاصة من شيعة المهجر.
3- تكوين الاستعداد لدى الأجيال الإيرانية للتوسع والاحتلال والعنف، وكراهية الآخر؛ وذلك بحجة إنقاذ البشرية من الظلال والظلم.
4- تأكيد الشعور بالقلق والتوتر لتحقيق استمرارية الإحساس بالمؤامرة والاستهداف، عند الأجيال الإيرانية المتعاقبة، لضمان عدم ولاء هذه الأجيال في أي مجتمع آخر غير إيران.
5- إظهار التفوق الفارسي الحضاري عبر العصور لتكوين الإحساس بالتمايز والتفوق، والشعور بالاستعلاء عند الأجيال الإيرانية الجديدة على دول مجلس التعاون وشعوبها ، والتي توسمها بالتخلف.
6-تشويه وتقزيم صورة دول مجلس التعاون الخليجي وشعوبها، في نظر الطالب الإيراني مقابل التأكيد على صورة التفوق الإيراني، صاحب الحضارة التي احتلت العالم.
7- تربية وتنشئة أجيال إيرانية متعصبة جداً لقوميتها وشيعيتها، ومؤمنة بكل ممارساتها إيماناً مطلقاً، من خلال:
أ- إيران والتمركز حول الولاء للقومية، والمذهب الشيعي بخصوصيته الفارسية، وأهمية التوسع والضمّ.
ب-تكريس أسطورة التفوق التاريخي، وأسطورة الشعب المعتنق بالإسلام الحقيقي الذي لديه رسالة سامية عظيمة، وتكريس أسطورة” الشعب المنقذ ” الذي سينقذ البشرية، ومن ضمنها شعوب دول مجلس التعاون الخليجي.
ج- التذكير دوماً بالاضطهاد كعنصر سيكولوجي لا بدّ منه من خلال الكتب المدرسية لتجسيد صورة (الهلوكوست) ضدّ الشيعة عموماً ودور دول مجلس التعاون الخليجي في دعم صدام حسين.
د- الارتباط التاريخي العضوي بين إيران، ورسالتها للتوسع والهيمنة من خلال التوسل بالبعد المذهبي، وتكوين نزعة عسكرية من خلال التنشئة التربوية، تمهيدا للاستعداد للحرب والقتال، والتعبئة ضد دول مجلس التعاون الخليجي ،والتحريض عليها .
ه- تزوير وتغيير حقائق التاريخ بما ينسجم مع التطلعات للثورة الإسلامية.
ولا تخفي مؤسسات صنع القرار عدم ارتياحها من عملية اندماج شيعة الشتات في مجتمعات دول الخليج العربي هذه، والتشكيك بها، ولمواجهة عملية الاندماج تعمل الكتب المدرسية الإيرانية من خلال العملية التربوية على تحقيق هدفين:
أولاً : الحفاظ على هوية شيعة الخليج، ومحاولة إدماجها مع إيران.
ثانياً : تأكيد مركزية إيران في البعث الشيعي الخليجي.
كما تركز على الاضطهاد والمذابح التي تعرض لها شيعة الشتات في دول الخليج ” مذابح وقتل في البحرين ، المنطقة الشرقية، وحياة عدم الأمن التي يعيشونها، وهكذا تنغرس لدى الشيعي الإيراني ما يسمى بعقدة «الهولوكوست» أي الإبادة.
إن كل ذلك جعل الثورة الإسلامية في موقع الاحتمال الحتمي للحرب وحولها من دولة مؤسسات إلى ثكنة عسكرية، واستغلت هي ذلك لتغرس في نفوس أبنائها أن ليس هناك مفرّ من القتال والحرب المقدسة بكل القوى وكافة السبل تحقيقاً للوعد الإلهي، واعتبار دول مجلس التعاون الخليجي أحد المحطات المهمة التي ينبغي تدميرها واستنزاف قدراتها؛ لأنها حرب مقدسة بين الحق والباطل ، وبين المهدي وجنوده والكفار بهالة من القداسة جعلتها عند مراجع التقليد العظام في مرتبة اليقين الذي لا يجوز التشكيك به .
من هنا تسعى الثورة الإيرانية من خلال الكتب المدرسية لخلق جيل إيراني شيعي متعصّب، مشارك للأوساط الثورية الأخرى في تنفيذ المشروع الإلهي، وترجمة الأفكار الغيبية إلى واقع، من خلال البوابة الخليجية.
إنّها تنمّي شخصية الطالب وتعبئة على العدوان، والعمل على التمسّك بترجمة الرسالة التي ورّثهم إيّاها الإله شخصياً، وذلك من خلال الكتب المدرسية.
فالفكر التربوي في إيران يعتبر أكثر المصادر إفصاحاً عن بنية العقل الإيراني، وأصدقها في بيان مخططاته، وتحديد أهدافه وأبعاده، وكشف ركائزه ومحاوره، وهو يعد أحد الأسس الرئيسية التي ارتكزت عليها الثورة الإسلامية، في بناء أجيالها الناشئة وتشكيل شخصياتهم، خاصة تجاه دول مجلس التعاون الخليجي وشعوبها.
أسس الفلسفة التعليمية الإيرانية يجب أن تقوم على المحاور التالية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي :
1- بيان مهمة النظام التعليمي والتربوي في تشويه صورة هذه الدول
2- تحديد التحديات المهمة والمحورية التي تواجه إيران من خلال تصوير دول مجلس التعاون الخليجي كأحد مصادر التهديد بالنسبة لإيران
3- تحديد وصياغة إستراتيجية تربوية ذات أبعاد سياسية وعسكرية ومذهبية وقومية لمواجهة إيران.
4-تنظيم الاستراتيجيات والسياسات الخاصة بالنظام التعليمي والتربوي في إيران لكيفية تعزيز عملية مواجهة دول مجلس التعاون الخليجي .
صورة دول مجلس التعاون الخليجي في الكتب المدرسية الإيرانية:
باستعراض هذه الكتب من الناحية الكمية، أمكن قياس مدى الأهمية المعطاة لمادة صورة دول مجلس التعاون الخليجي في الكتب المدرسية الإيرانية، فخضعت المجموعة الكاملة للنصوص التي وردت فيها هذه الصورة لتحليل موادها ووقائعها، وأمكن استخلاص المعاني الرئيسية والشخصيات وأدوارها ” المهام والصفات ” التي ساهمت في تشكيل هذه الصورة .
التحليل المفرداتي:
أولاً : مكان مادة صورة دول مجلس التعاون في الكتب المدرسية الإيرانية
1- الدلالة اللفظية، الاصطلاحية، التاريخية لشعوب دول مجلس التعاون ووصف حكوماتهم بشكل عام :
ركزت الكتب المدرسية على المعنى الاصطلاحي لساكني دول مجلس التعاون في الكتب المدرسية الإيرانية؛ ممثلة “البدو، الرعاة، التخلف، مشيخات بدوية، حكومات متآمرة على إيران وثورتها وشعبها، مقابل قوة إيران تقدمها وريادتها .
صورة الخليج ” الفارسي” والجزر الاماراتية الثلاث، وشط العرب في الكتب المدرسية الإيرانية : الدلالة اللفظية ، الاصطلاحية.
تكشف صورة الخليج ونعته ”الفارسي” في الكتب المدرسية الإيرانية الوجه الحقيقي لإيران الثورة، وهذا يضعنا أمام مسئولية كشف هذه الصورة، وبيان الدوافع الحقيقية للسياسة الإيرانية في المنطقة، ومن الضروري أن تتم ترجمة هذه الدراسات للغات أخرى لتعرية صورة إيران أمام الشعوب غير الناطقة باللغة العربية في العالم من مع إيران وسياستها.
يمكن القول أن من أهم أهداف كتب الجغرافيا، طمس اسم الخليج العربي، والتركيز فقط على مفهوم الفارسي .حيثُ تحرص كتب الجغرافيا المدرسية إلى تعظيم جغرافية فارسية منطقة الخليج، وإسناد أسماء المواقع الطبيعية الإيرانية إلى الأسماء الجغرافية إلى تسمياتها القديمة تمجيداً لتاريخهم القديم، والتركيز على الخارطة الجغرافية للحضارة الفارسية؛ ومنحه صفة المسلمات، مستوحين الأسماء مما ورد في التاريخ السحيق؛ لإثبات فارسية المكان والزمان .
في حين تبحث المناهج التعليمية الجغرافية الإيرانية بحثاً حثيثاً عن أطر إقليمية بديلة عن الإطار العربي بعد حسم فارسيته؛ حيث تبدأ كتب الجغرافيا في تأسيس ذهنية على اعتبار إيران دولة شرق أوسطية، وأن منطقة الشرق الأوسط من أغنى مناطق العالم بالنفط والغاز، وأن سبب تكالب الدول الغربية خاصة أمريكا على منطقة الخليج ” الفارسي” هو استهداف الثورة الاسلامية والنفط، وأن الدول العربية الخليجية ” النفطية “، باتت مصدر التهديد نتيجة جلبها للقواعد العسكرية الغربية ؛ والتي تشكل خطرا كبيرا على إيران، وأمنها، وتخلص دروس الجغرافيا المدرسية، إلى نتيجة أن أحد أسباب تأسيس إسرائيل في المنطقة يعود لسبب الحفاظ على مصالح الغرب والطاقة فقط، وليس لأسباب استعمارية دينية مرتبطة بفلسطين.
نستطيع القول إن جغرافية العالم العربي لا تدخل ضمن برنامج تعليم الجغرافيا في الكتب المدرسية الإيرانية، من هنا تكاد تكون الخريطة السياسية الجامعة للعالم العربي مغيبة عن كتب الجغرافيا المدرسية، بل جاء العالم العربي ضمن خرائط لمناطق فرعية للشرق الأوسط والخليج “الفارسي”، حتى أننا لم ننتزع اعترافاً بتسمية العالم العربي بالوطن العربي.
إن إصرار الحكومة الإيرانية على تسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي، لدليل واضح على النظرية التوسعية التي عاشت بها إيران في الماضي وتعيشها اليوم، والذي يسعى من خلال الشرح والتكرار إلى تعزيز فكرة الحدود الإمبراطورية لدى الطالب الإيراني، والاعتزاز بحدود دولة إيران تاريخياً، والتركيز على تناول حقوق إيران التاريخية في المناطق المجاورة لها مراراً وتكراراً.
أما الجزر الإماراتية المحتلة، فهي أراض إيرانية إلى الأبد، حيث يأتي ذكرها من خلال تناول أسماء الأماكن الجغرافية التي تقع ضمن السيادة الإيرانية .. جزر، أنهار، خليج، شط باعتبارها مناطق فارسية، فالنص المتعلق ببعض المفردات الجغرافية ، يريد ترسيخ أن الأمر يتعلق ” بأماكن إيرانية ” أبدية مثل : الخليج الفارسي، رود أروند ” شط العرب ” الجزر الإيرانية ” طنب الكبرى، الصغرى، جزيرة أبو موسى “، وعمل رحلات لطلاب المدارس، بل وقام الرئيس السابق نجاد بزيارتها للتأكيد على ملكيتها، وتتناول الكتب المدرسية أهميتها العسكرية والإستراتيجية بالنسبة لإيران، وتدريس هذه الأفكار في مختلف المناهج.
3- صورة السعودية في الكتب المدرسية الإيرانية :الدلالة اللفظية ،الاصطلاحية :
رسخت الكتب المدرسية في عقل الطالب، فكرة تخلف السعودية وأنها مصدر الجاهلية الأولى من خلال إظهار تآمرها على الدعوة النبوية، أما جاهلية السعودية الثانية، فهي تتمثل بظهور الدعوة السلفية التي تتهمها الكتب المدرسية الإيرانية، بأنها مصدر العنف والارهاب، وتكريس لصورة الاسلام غير الحقيقي، من خلال الاحتكام للسيف لحل مشاكلها، عبادة الأصنام، وأد البنات، معاقرة الخمر والميسر، وقطع الطرق …. ومحاولة إظهار أن هؤلاء البدو السعوديين لم ولن يملكوا أياً من مقومات الحضارة، مع الاكثار من كلمة أعراب، بما تحويه من دلالات بديلاً عن كلمة عرب . ….
حيث عُكست هذه الصورة عن وعي متعصب مهجوس بكراهية السعودية أكثر من غيرها من الدول، والحط من شأنهم، مع التركيز على إبراز أقبح الصفات لهم .
إنها محاولة من النص للربط بين الماضي والحاضر، ليذكر القارئ أن “المسلمين في السعودية” هم أصحاب الجاهلية الأولى التي قاومت الدعوة. ولا يظهر اسم السعودية باعتبارها الدولة التي انطلق منها الدين الإسلامي، ويستعاض عن ذلك بذكر مدينة مكة، والمدينة ” مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ على الرغم من أن اسم السعودية قد ظهر حديثاً؛ حيث كان يطلق عليها الحجاز سابقاً.
النتيجة أن منهجية الكتب المدرسية تتجه إلى تناول صورة ” عربستان ” والسعودية باعتبارهم جزءًا مشوهاً من التاريخ ، وتعتمد إزاء الجوانب الأخرى من التاريخ العربي على أسلوب التجهيل من جهة، وتشويه الحقائق من جهة أخرى، وأن تاريخ هذه الدولة مليء بالفتن والخلافات بكل أنواعها، كانوا سبباً في مظلومية الشيعة في السعودية، وتقابل ذلك عملية تضخيم لنسبة الشيعة في السعودية، حيث تجدُّ، وتجهد في سبيل الحفاظ على هذه الصورة، والتركيز على نضالاتهم ضد العدوان السعودي
3-صورة البحرين في الكتب المدرسية الإيرانية: الدلالة اللفظية، الاصطلاحية:
تظهر الروح التوسعية في الكتب المدرسية الإيرانية تجاه البحرين؛ حيث يظهر ذلك من خلال عدة من موضوعات، من أبرزها، تكرار تناول الكتب المدرسية لموضوع البحرين، في كثير من المواقع وملكيتها لإيران، وأن المطالب الإيرانية بالبحرين بشكل خاص، لها سند تاريخي وقانوني يدعمهما. واعتبار الكتب المدرسية الإيرانية أن استثناء البحرين من الوعد الذي قطعه شاه إيران بالتنازل عنها، عن طريق الاعتراف بها “كانت بمثابة كارثة كبرى” بالنسبة لإيران.
وهنا تحاول الكتب المدرسية التأكيد للطالب الإيراني، أن لإيران حقوقاً تاريخية يجب استعادتها، من خلال ضرورة عودة البحرين للوطن الأم ” إيران ” .
5- صورة العراق في الكتب المدرسية الإيرانية :الدلالة اللفظية، الاصطلاحية:
تظهر الروح التوسعية في الكتب المدرسية الإيرانية تجاه العراق؛ حيث يظهر ذلك من خلال عدة من موضوعات، من أبرزها، تكرار تناول الكتب المدرسية لموضوع العراق، في كثير من المواقع وملكيتها لإيران، وأن عودتها إلى الملكية الإيرانية هو حق تاريخي مكتسب، لها سند تاريخي وقانوني يدعمهما. واعتبار الكتب المدرسية الإيرانية أن العراق أرض إيرانية غير قابلة للشك.
وهنا تحاول الكتب المدرسية التأكيد للطالب الإيراني، أن لإيران حقوقاً تاريخية غير قابلة للمساومة يجب استعادتها، من خلال ضرورة عودة العراق أيضاً لحضن الوطن الأم ” إيران ”.
نتائج الدراسة:
استطعنا من خلال ما سبق فهم كيفية تناول صورة دول مجلس التعاون الخليجي في الكتب المدرسية الإيرانية، حيث تم الوقوف عن كثب لمعرفة ما يقوله الإيرانيون عن العرب، وكيف يرسمون ملامح هذه الصورة، حيث أظهرت الكتب المدرسية الإيرانية؛ من دون شكّ أن معالجة الكتب المدرسية الإيرانية لصورة هذه الدول العربية الخليجية ما هي في الواقع إلا نوعٌ من التشويه والتزوير المنظَّم، وهي مليئةً بالعيوب والنقائص والتشويه البعيد عن الموضوعية والتعقل والحكمة والموضوعية؛ بحيث يتقبلها الطالب الإيراني، وتصبح عقيدةً لديه، لا يمكن إزالتها أو تغيرها في المستقبل . والسبب في ذلك يرجع لطريقة تأليف الكتب، فالأهم أن يقدموا مادة تتوافق مع شروط الثورة الإيرانية، والمذهب الشيعي، وبصورة تتضمن تزوير التاريخ، والتشويه، في مضمون الكتب المدرسية ومحتواها . لا شك أن الكتب المدرسية الإيرانية قد أسهمت في ايجاد حالة من التعبئة النفسية ضد دول مجلس التعاون الخليجي وحكوماتها وشعوبها، وأدت إلى خلق بيئة صراعية ، قائمة على تعزيز الكراهية والتحريض ضدها، بدلاً من تعليمهم قيم الحوار، والمصالحة، والتسامح والتعاون والمصالح المشتركة . كذلك لم تسهم الكتب المدرسية الإيرانية بأي شكل من الأشكال في تحسين صورة الإنسان العربي الخليجي في الثقافة الإيرانية، أو حتى غرس مفاهيم للتقريب بين الإيرانيين والعرب.
كذلك توصلنا من خلال الدراسة إلى فهم أعمق لكيفية تأثير هذه المناهج بطريق مباشر أو غير مباشر في عملية التنشئة لدى الإيراني. بحيث بدأ أن الصراع الإيراني – العربي الخليجي ليس صراعاً عسكرياً ولا أمنياً، وسياسياً فحسب؛ بل هو صراعٌ تربويٌ أيضاً، حيث يجب تنبيه أجيال الدارسين لتلك الحقيقة الشاملة، ويجب التعامل مع هذا الخطر بشكل جدي وعلمي، وإدراك أبعاد هذا الصراع ومراميه. لا بدّ كذلك من الاعتراف بالأثر السلبي لهذه المناهج على علاقات إيران بالدول العربية الخليجية، وأنها نتاج الثورة الثقافية، التي أفرزتها الثورة الإسلامية في إيران، لهذا يجب تنبيه مراكز صنع القرار السياسي، العسكري، التربوي في دول مجلس التعاون الخليجي لهذه الحقيقة، وعمل استراتيجيات فاعلة لمواجهتها.
التعليقات