البحوث مستمرة لفك ألغاز ألزهايمر عند البشر، وقد خطا علماء بريطانيون خطوة كبيرة في هذا المجال بكشفهم الصلة الوثيقة بين تشابك شعيرات بروتين "تاو" في الدماغ والإصابة بهذا المرض.

إيلاف من دبي: للمرة الأولى منذ بدأت البحوث الرامية إلى فك ألغاز مرض ألزهايمر، أو الخرف، رسم علماء بريطانيون البناء الذري لشعيرات بروتين "تاو" التي تتشابك داخل أدمغة المصابين بهذا المرض، في كشف يعبّد الطريق إلى تطوير عقاقير جديدة تحدّ من تفاقم المرض.

فقد استخدم هؤلاء العلماء، المنتسبون إلى مجلس البحوث الطبية للبيولوجيا الجزيئية في بريطانيا، تقنية فحص الإلكترون المجهري بالتبريد المتطورة ليرسموا الخريطة التفصيلية لشعيرات بروتين "تاو" المستخلصة من دماغ مريض توفي بمرض ألزهايمر، وذلك بحسب الدراسة التي نشرتها دورية "نايتشر" العلمية.

تشابكت فحصل المرض

بحسب هؤلاء العلماء، يرتبط المرض بنوعين من البروتينات المختلة، اللذين يضران بالدماغ، ويشكل بروتين "تاو" شعيرات داخل الخلايا العصبية، بينما تشكل البروتينات النشوية شعيرات خارج هذه الخلايا. يساعد بروتين "تاو" خلايا المخ السليم على العمل بشكل طبيعي، بينما تتشابك شعيرات بروتين "تاو" في خلايا المخ المصاب بألزهايمر.

ونسب تقرير نشرته بي بي سي إلى سورس شيريز، المشارك في الإشراف على البحث، قوله إن معرفة أجزاء بروتين "تاو" المسؤولة عن تشكيل الشعيرات يساعد حتمًا في تطوير أدوية تحد من تفاقم ألزهايمر، "ونظرًا إلى استخدام كثير من شركات الأدوية أجزاء مختلفة من هذا البروتين لاختبار الأثر المحتمل للأدوية في تشكيل الشعيرات، فهذا الاكتشاف يزيد دقة الاختبارات المعمول بها اليوم".

وقال جيمس بيكيت، رئيس قسم البحوث في جمعية ألزهايمر سوسايتي الخيرية البريطانية: "ربما تفتح هذه الدراسة الباب لنلج عصرًا جديدًا في إنتاج الأدوية التي توقف تطور ألزهايمر، لكن الأمر يستغرق 10 أعوام إلى 15 عامًا لتطوير عقاقير ناجعة".

الجاني الحقيقي

في مارس 2015، أجرى باحثون أميركيون مختصون في مرض ألزهايمر في جامعة هارفارد أول فحص على أشخاص في المراحل الأولى من المرض، باحثين عن بروتين "تاو" الذي يؤدي تراكمه إلى تسمم الألياف العصبية، وذلك في إطار أول تجربة سريرية هدفها تحديد من هم في مراحل المرض الأولى ومعالجتهم قبل فقدانهم ذاكرتهم. ووجد هؤلاء الباحثون في حينه أن المرضى المشاركين في الدراسة يعانون تراكمات من بروتين "بيتا أمايلويد" المرتبط أيضًا بالإصابة بألزهايمر.

ونقلت التقارير الصحفية عن رايسا سبيرلنغ، الباحثة في مستشفى ماساتشوستس العام في بوسطن، والتي تشرف على الدراسة التي شملت نحو ألف مريض، قولها إن بروتين "تاو" موجود بصورة طبيعية وبكميات ضئيلة عند الأصحاء فوق 70 عامًا، لكنه يكون في العادة موجودًا في منطقة الفص الصدغي الأوسط من المخ.

لكن بروتين "بيتا أمايلويد" يؤدي إلى انتشار بروتين "تاو" في مناطق مخّية أخرى، ما يؤدي الى موت الخلايا وتدهور الوظائف الإدراكية في الإنسان.

ووصف كيث جونسون، مدير مركز التصوير الجزيئي للأعصاب بمستشفى ماساتشوستس العام، والذي يشرف على القسم الخاص بالتصوير في الدراسة، بروتين "تاو" بـ "الجاني الحقيقي على المخ البشري".

مركبات علاجية

لكن، في فبراير الماضي، نشرت مجلة "ستينس ترانسلايشونال ميديسين" الأميركية دراسة تُشير إلى أن استهداف بروتين "تاو" في علاج ألزهايمر نتجت عنه نتائج متباينة، منها فشل المركب المضاد لبروتين "تاو" في التخلص من المرض في مراحله المتقدمة.

وتوصلت الدراسة إلى أن مركبات أوليغو نوكلوتيد المعاكسة (antisense oligonucleotides) ومختصرها (ASO) لا تقلل من مراحل تشكل بروتين "تاو" فحسب، بل تمنع تشكله نهائيًا.

وهذه المركبات جزيئات شبيهة بجزئيات الحمض النووي، معدلة ومصممة لمنع تشكل بروتين معين، ما يظهر أملًا في علاج سلسلة من الحالات المرتبطة بالدماغ أو الجهاز العصبي، بينها عدد من اضطرابات الدماغ.

ووجد الباحثون أن مركبات (ASO) تمنع حصول المشكلات الإدراكية في فأرة تجارب تعتبر عينة أو أنموذجًا لاضطرابات الدماغ التي يسببها بروتين "تاو"، ولا يقتصر تأثيرها على ذلك فحسب بل يتضمن تاثيرها أيضًا في حالات اضطرابات الدماغ النادرة كالشلل التدريجي.

وأظهرت هذه الدراسة أيضاً أن العلاج بهذه المركبات تقلل من فرص حصول التهاب الدماغ الذي يعتقد أنه من مسببات ألزهايمر، وتمنع موت الأعصاب، وتقلل من تكدس بروتين "تاو" في الدماغ.

وأثبت الباحثون أن العلاج بالمركبات التي تستهدف بروتين "تاو" يقلل من تجمع هذا البروتين في الدماغ عند القردة أيضًا.