الرباط: يبدو أن الانتخابات الجزئية التي شهدتها الدائرتان الانتخابيتان تطوان (شمال البلاد) وسطات (جنوب شرقي الرباط)، أمس الخميس، على الرغم من عدم تأثير نتائجها في الخريطة السياسية للبلاد، إلا أنها حملت إشارات دالة ورسائل خاصة للأحزاب التي خاضتها وراهنت على الفوز فيها.

فوز بطعم الهزيمة

ففي دائرة تطوان، التي تعد أحد المعاقل الانتخابية لحزب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية، نجح مرشح الحزب محمد إدعمار، الذي يشغل في الآن ذاته رئاسة المجلس الجماعي (عمدة المدينة) في استعادة مقعده في مجلس النواب، متفوقا على منافسته فاطمة الومغاري مرشحة فيدرالية اليسار الديمقراطي.

محمد إدعمار مرشح حزب العدالة والتنمية الفائز في الانتخابات الجزئية في تطوان 

غير أن فوز "العدالة والتنمية" في تطوان كان بطعم الهزيمة، ذلك انه لولا أصوات سكان الجماعات القروية التابعة لمدينة تطوان، لما أفلح إدعمار في استعادة مقعده النيابي، وذلك في مفارقة غريبة من نوعها، بعد أن حققت مرشحة فيدرالية اليسار الديمقراطي تقدما عليه في المدار الحضري.

وفي قراءته نتائج الانتخابات الجزئية في تطوان، قال محمد العمراني بوخبزة، المحلل السياسي والأستاذ الجامعي في كلية الحقوق في طنجة، إن النتائج المعلنة تعبر عن "تحول كبير على مستوى نوايا التصويت لدى الكتلة الناخبة"، مسجلا أن حزب العدالة والتنمية حقق "اختراقا انتخابيا للمجال القروي في هذه الدائرة، والذي بدأ مع الانتخابات الجماعية لسنة 2015، ونجاحه في ترؤس جماعات في مناطق كانت حكرا على ما يسمى (الأحزاب التقليدية )خاصة حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية في مراحل معينة".

محمد العمراني بوخبزة

وأرجع بوخبزة، في تصريح ل"إيلاف المغرب"، سبب هذا التحول في نوايا التصويت بالنسبة إلى الكتلة الناخبة لحزب العدالة والتنمية إلى "الدور الذي لعبه الحزب الذي يشتغل بطريقة مختلفة عن الأحزاب الأخرى، واعتماده بشكل كبير على كاريزمية الزعيم عبد الإله ابن كيران، الذي نزل بثقله في الانتخابات الجماعية الأخيرة".

تصويت عقابي 

وعد المتحدث ذاته التراجع الواضح في عدد أصوات حزب العدالة والتنمية داخل المدار الحضري للدائرة الانتخابية تطوان، وتفوق فيدرالية اليسار الديمقراطي عليه "أمرا معقولا ومقبولا"، مؤكدا أن "أسلوب مرشح حزب العدالة والتنمية محمد إدعمار، بصفته رئيسا للمجلس البلدي، في تسيير شؤون الجماعة جعلت المجال الحضري يميل إلى فدرالية اليسار الديمقراطي".

محمد غيات مرشح حزب الأصالة والمعاصرة الفائز في الانتخابات الجزئية بسطات

وأضاف المحلل السياسي قائلا: "أعتبر هذه النتيجة تصويتا عقابيا لمرشح (العدالة والتنمية) وليس تصويتا لمرشحة فيدرالية اليسار الديمقراطي"، لافتا الى أن الفيدرالية استغلت بشكل جيد "حالة الانقسام والانشطار التي يعانيها حزب العدالة والتنمية بعد انسحاب رموز الحزب في المدينة من صفوفه خاصة الأمين بوخبزة"، مؤكدا أن هذا الأمر ساهم في التأثير في نتيجة الحزب.

وفاء "الأصالة والمعاصرة" لنهجه الانتخابي 

وفي الانتخابات الجزئية التي شهدتها الدائرة الانتخابية لمدينة سطات، نجح مرشح حزب الأصالة والمعاصرة في إحراز المقعد البرلماني الذي نافسه عليه مرشحا حزبي الإستقلال والعدالة والتنمية، مانحا حزبه مقعدا جديدا في مجلس النواب عن الدائرة الانتخابية ذاتها.

وألحق محمد غيات مرشح "الأصالة والمعاصرة" الهزيمة بمرشح حزب الاستقلال، عبد الله أبو فارس، الذي كانت المحكمة الدستورية قد قضت بإلغاء انتخابه، بسبب توظيفه صورة للملك محمد السادس في حوار له مع جريدة حزبه خلال الانتخابات التشريعية للسابع من أكتوبر الماضي.

عبد الإله ابن كيران أمين عام حزب العدالة والتنمية في مهرجان خطابي سابق

مرشح حزب الأصالة والمعاصرة، نال ثقة 24 ألف صوت في الدائرة الانتخابية لمدينة سطات، محققا فوزا كبيرا على منافسيه، مرشح حزب الاستقلال الذي حل في المركز الثاني بعشرة آلاف صوت، فيما مني مرشح حزب العدالة والتنمية بهزيمة قاسية، بعدما كان الحزب يرغب في تعزيز حضوره في الدائرة التي تصدر نتائجها في انتخابات 7 أكتوبر الماضي.

ويرى عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ في كلية الحقوق في جامعة الحسن الثاني بسطات، ان الثابت في الممارسة الانتخابية في المغرب هو أن نسبة المشاركة في الانتخابات الجزئية تكون ضعيفة، مبرزا أنها "لم تتجاوز 20 بالمائة في العموم". 

وأضاف اليونسي في تصريح ل"إيلاف المغرب" أن المناطق القروية سجلت نسبة مشاركة مرتفعة في الانتخابات الجزئية بسطات قاربت 50 بالمائة، معتبرا أن هذا المعطى "يؤكد فوز مرشح حزب الأصالة والمعاصرة المعروف بحضوره القوي في العالم القروي"، كما سجل بأن الحزب الفائز ظل "وفيا لنهجه الانتخابي في مراهنته على الأعيان في العالم القروي والذين ما زالوا موجودين، ويشتغلون بشكل قوي".

تآكل القاعدة الانتخابية 

وبخصوص النتائج المخيبة التي حققها حزب العدالة والتنمية في الدائرة المذكورة، قال اليونسي إن تراجع نسبة المشاركة في المجال الحضري "أثرت في نتيجة حزب العدالة والتنمية التي كانت ضعيفة"، لكنه في الآن ذاته، اعتبر أن ما يقع داخل حزب العدالة والتنمية من صراع وانقسام منذ إعفاء أمين عام الحزب عبد الإله ابن كيران، من تشكيل الحكومة، "أثر بشكل كبير في علاقة الحزب بالكتابة الناخبة الوفية له في الحواضر الموجودة بالإقليم".

عبد الحفيظ اليونسي 

وذهب اليونسي في قراءته نتائج الانتخابات الجزئية، إلى أن هناك "بداية تآكل القاعدة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية في المدن"، مؤكدا أن هذا المؤشر "يدق ناقوس الخطر بالنسبة إلى هذا الحزب في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة".

وزاد اليونسي موضحا أن "الناس تنظر إلى ما يقع في الساحة السياسية خصوصا في العلاقة مع عبد الإله ابن كيران، كشخصية سياسية كاريزمية"، مشددا على أن الكثير من المواطنين كانوا "يصوتون لصالح ابن كيران وليس لحزب العدالة والتنمية"، وذلك في إشارة منه إلى أن نتائج الحزب ستتأثر بشكل واضح في مرحلة ما بعد ابن كيران.