إيلاف من بيروت: في الربع الثالث من العام الماضي، خسر داعش عاصمة دولة الخلافة في الرقة السورية، وأعلن العراق انتصاره على هذا التنظيم الإرهابي بعد طرده خارج المدن العراقية.&

وكان التنظيم سيطر في عام 2014 على مساحات واسعة من الأراضي العراقية والسورية، ويجزم مسؤولون عسكريون أميركيون أن التنظيم انتهى، لكن يبدو أنه ظهر مجددًا في وسط العراق، منفذًا هجمات وصفتها صحيفة واشنطن بوست بأنها "تذكر بتكتيكات ميزت التمردات في الأعوام التي سبقت عام 2014"، على الرغم من إنفاق الولايات المتحدة مليارات الدولارات، تحت شعار تعزيز أمن العراق ومؤسساته المدنية وبنيته التحتية.

اليوم، تسأل "إيلاف" في استفتائها الأسبوعي: "برأيك، هل انتهى داعش؟". شارك في الاستفتاء 547 قارئًا، أجاب منهم 134 أي نحو 25 في المئة فقط بـ "نعم"، بينما كان رأي الأغلبية العظمى من المشاركين في الاستفتاء، نحو 75 في المئة: "كلا، داعش ما انتهى بعد".

الليل لداعش

يقول مايكل نايتس، الخبير في شؤون العراق بمعهد واشنطن، إن تنظيم الدولة لم يختفِ، كل ما فعله عناصره هو استبدالهم السيطرة على الأراضي بحرب العصابات، وذلك في تقرير نشره موقع "أتلانتيك". فداعش، وفقًا لنايتس، لا يهتم بخسارة المدن العراقية الرئيسية التي كان يسيطر عليها، ويراهن على مد أمد الصراع، "فهم لا ينظرون إلى الأمر على أنه نهاية عملياتهم العسكرية، بل هو مرحلة جديدة من الحرب".

وبحسب التقرير، تشهد المحافظات الثلاث ذات الأغلبية السنية، التي سيطر عليها داعش سابقًا، وهي ديالى وصلاح الدين والأنبار، عودة الهجمات القوية التي يشنها أفراد التنظيم. يقول نايتس: "أحد المؤشرات القوية إلى استعادة داعش في العراق هو شيوخ القرى الذين يقتلهم المسلحون، ففي الأشهر الستة الماضية، قُتل ثلاثة منهم في كل أسبوع، وفي شهر واحد شهدت 14 قرية مقتل شيوخها برصاص داعش من دون أن تتمكن قوات الأمن من فعل أي شيء حيال ذلك، وهذا يضعف ثقة الأهالي في قوات الأمن، فلا يتعاونون معها بدافع الخوف، ولا يعارضون التنظيم ولا يبلغون عنه. وفي نهاية الأمر، يصير التنظيم بنظر الجميع أقوى قوة في المنطقة".

يضيف نايتس: "يمكن القول إن العراق محرر من داعش في النهار، لكن لا يمكن قول ذلك في الليل حين يتحكم التنظيم بالكثير من الأراضي، ومن يسأل مسؤولي المخابرات العراقية في بغداد يخبرونه أن مقاتلي داعش يتمتعون بحرية مناورة كاملة ليلًا في مناطق كثيرة".

جغرافيا جديدة

كلام نايتس في هذا الإطار تكتيكي. ثمة كلام استراتيجي في النقطة نفسها. يقول الكاتب الأردني سميح المعايطة إن داعش خسر الموصل والرقة وأماكن أخرى، لكنه ما زال يعمل أو يحاول أن يتكيف، مع ظروفه الجديدة وخسائره الجغرافية والبشرية.

وبحسب لقاء أجرته معه "سكاي نيوز"، يرى المعايطة أن بنية عصابة داعش تضم أجهزة عدة، "منها جهاز خاص بالعمل الخارجي، وهو جهاز لم يتأثر كثيرًا بما جرى في سوريا&والعراق، وهو الجهاز الذي كان ناشطًا في العمل في دول أوروبية وعربية، وقام بعمليات عديدة في هذه الدول"، مؤكدًا أن داعش سيعمل على أن يقول أنه ما زال موجودًا.

يضيف المعايطة: "رأينا العمليات الإرهابية التي قام بها داعش في سيناء مؤخرًا وقتل خلالها مئات المصلين، وسيعمل داعش على الاعتماد على قواعده الناشطة في سيناء وليبيا وخلاياه النائمة، وذئابه المنفردة، من أجل القيام بعمليات إرهابية في أفريقيا وأوروبا ودول أخرى، حتى يقول أنه خسر الجغرافيا لكنه لم يفنَ. وحتى في ساحتي سوريا&والعراق، فداعش يحاول البحث عن جغرافيا جديدة في الصحراء ومناطق البادية، أو بعض الحواضن الاجتماعية التي يختفي داخلها عناصره حتى تحين لحظة العودة".

يختم المعايطة: "مهم جدًا ما جرى لداعش في سوريا&والعراق، لكن المعركة ضد هذه العصابة لم تنته، وما زال هناك الكثير من الخطر المقبل مما تبقى منه، أو من الأشكال والساحات التي ما زال داعش يعمل فيها".

قبل أوانه

ثمة رؤية أخرى إلى الأمر برمته. فالكاتب السعودي ناصر الحزيمي يرى أن داعش مفتعل من أساسه، وعودته مفتعلة أصلًا. يكتب في جريدة "الرياض" قائلًا إنه بما أن داعش سقط عسكريًا قبل أوانه المقرر، فلا بد أن يعاد شيء من القوة له أي (داعش)، "فداعش والحرب على داعش هو ما صنع الحشد الشعبي وكرّس النفوذ الصفوي، ودمر القوة السنية في الرمادي والموصل، فهذه المناطق هي التكتل السني الذي يقع حاجزًا جغرافيًا بين النفوذ الصفوي في العراق، والحراك الصفوي في الشام. ولكي تكون الطريق سالكة بانسياب، لا بد من أن يزال كل عائق بين العراق والشام".

يضيف: "نعلم أن داعش كان يستفيد من موارد تهريب البترول والآثار، وكان ذلك يتم بمباركة بشار الأسد وتنسيقه، وجميعنا يعلم أن الموصل كان من الممكن استعادتها بأقل الضرر. إن ما لحق بالموصل من ضرر وتدمير لجميع البنى لا يدل أبدًا على أن القوات التي كانت تحارب داعش كما قيل هدفها تدمير داعش فقط! وإنما كان الهدف من وراء ذلك تدمير بنية حضارية وإنسانية، وتغيير طبيعة المنطقة، وهذا ما حدث في الرمادي، فالناس هناك يختطفون ويختفون من غير أن يكون هنالك سبب غير السبب الطائفي".

يختم الحزيمي: "ضخم الإعلام ونفخ في حقيقة هذه الفئات المتطرفة، وأعني هنا داعش، حتى أن بعض التقارير العالمية ادعت أن داعش يملك القدرة على التصنيع العسكري المضاهي للصناعة العسكرية التركية، وجميع هذه الأشياء الخاصة بداعش وتضخيمها كانت لأسباب تتفاوت بين الطائفية ونوايا انتهاك حقوق الإنسان".

اهزموا الإقصاء

ينظر&الكاتب المغربي محمد أكديد إلى هذه المسألة من باب استشراء التطرف وتفشي الإرهاب. برأيه، في مقالة نشرها موقع هسبريس، للتطرف مداخل قد لا يفطن إليها الإنسان العامي ولا حتى المتعلم إن لم يكن من أهل الإختصاص، "فقد نسقط في فخ التطرف عندما نضع اجتهادات بشرية لتنظيم وتدبير مجال معين في السياسة أو الإقتصاد كالاشتراكية أو الرأسمالية أو العلمانية في مقابل أديان ومذاهب - ومنها الإسلام - جاءت قبل أن تدخل البشرية عصر الأنوار والفتوحات الفكرية والعلمية والتقنية. أو عندما ينساق الإنسان وراء فتاوى تبدع أو تحرم كل ما استجد من مبادرات أو إبداعات إنسانية تؤثث لمشهد الحضارة المعاصرة التي هي نتاج لكل البشر".

يضيف: "من مداخل التطرف والإقصاء تلك الأحكام الجاهزة التي ابتلي بها المسلمون ضد كل من خالفهم في الدين أو المذهب دون تحقيق في مصادر القوم وأصول عقائدهم وشعائرهم، أو ضد بعض المباحث الفكرية كالفلسفة التي ورغم الجهود المبذولة في تعريفها وتدريسها ما زالت ترتبط لدى الكثير من العوام وحتى المتعلمين أحيانًا بالإلحاد والهرطقة ومعاداة الدين".

بناء عليه، يرى أن هزيمة داعش وغيره من الجماعات التكفيرية المتطرفة "لا يمكن أن تكون نهائية إلا بهزيمة كل أشكال ومظاهر التطرف والإقصاء التي يغذيها اليوم وبقوة الفكر الديني المحافظ، خصوصًا ذلك الذي يرتبط اليوم بالأطروحة السلفية التي تستعمل كل الوسائل والموارد البشرية والمادية الممكنة لبسط نفوذها وهيمنتها على المشهد الديني في العالم الإسلامي".


أعدت "إيلاف" مادة هذا التقرير من تقارير ومقالات عدة، منشورة على الروابط الآتية:

https://www.theatlantic.com/international/archive/2018/08/iraq-isis/569047/
https://www.hespress.com/writers/356220.html
https://bit.ly/2oR6QuH
http://www.alriyadh.com/1622821
&