تجاوزت نسبة المغاربة الذين يعتقدون أن رئيس حكومتهم الحالي، سعد الدين العثماني، سيكمل ولايته الحكومية إلى نهايتها (خمس سنوات)، الـ 60 في المائة، على الرغم من تصريحات أخيرة أدلى بها في معرض لقاءات داخلية مع منتسبي حزبه "العدالة والتنمية".

إيلاف من الرباط: اشتكى العثماني من وجود قوى لم يسمها، تعرقل الإصلاحات التي يطمح إلى إنجازها، في غضون ولايته، أو مواصلة تلك التي بدأها، ولم يكملها سلفه، عبد الإله ابن كيران، والذي كان يكثر من انتقاد من كائنات مقاومة له، أطلق عليها نعت "التماسيح والعفاريت " وحمّلها مسؤولية إفشال مشاريع الإصلاح التي كان فريقه الحكومي ينوي تنفيذها؛ وفق ما صدر منه من تصريحات وتظلمات كررها على مدى ولايته الزاخرة بالأزمات الصغيرة والكبيرة، الخفية والمعلنة؛ زاد من حدتها عدم انسجام الأحزاب المشكلة لحكومته، بلغت أوج أزمتها إبان فشله (ابن كيران) في تشكيل تحالف منسجم، بعدما تبوأ حزبه المرتبة الأولى في الاستحقاقات التشريعية لشهر أكتوبر 2016، ما ترتب عنه إبعاده من تشكيل فريق حكومي وإسناد المهمة إلى العثماني، باعتباره القيادي الثاني مرتبة في الحزب (رئيس المجلس الوطني) وبالنظر إلى وضعه السابق كأول أمين عام لحزب العدالة والتنمية، عقب تنازل السياسي المغربي الراحل، عبد الكريم الخطيب، عن قيادة سفينة الإسلاميين المغاربة المعتدلين، بسبب تقدمه في السن.

سألت "إيلاف المغرب" في سياق استطلاعاتها المنتظمة التي تحاول من خلالها نسبيًا، قياس أحوال الطقس السياسي في المغرب؛ متصفحي الموقع عن توقعاتهم بخصوص مستقبل حكومة العثماني، على ضوء عدم الانسجام الواضح بين مكوناتها، وخاصة بعد عملية "الزلزال السياسي" الذي أطاح بمجموعة من الوزراء من الحكومة السابقة والحالية على خلفية تقصيرهم في أداء المسؤوليات التي ألقيت على عاتقهم بخصوص مشاريع التنمية التي أطلقها العاهل المغربي الملك محمد السادس في بعض جهات المغرب، وتحديدا في منطقة الريف في شمال البلاد.

وما زال شبح ذلك الزلزال السياسي المخيف جاثمًا على صدور الوزراء، كأفراد وعلى الحكومة مجتمعة؛ فإن تقاعست أو أظهرت علامات التردد والارتخاء في معالجة الملفات الصعبة، فإنها تعرف المصير الذي ينتظر المقصرين من أعضائها، من دون تبرئة رئيسها من المسؤولية؛ خاصة وأن الرأي العام المغربي، ربما أبدى إشارات ترحيب بالقرار الملكي، حيث اعتبره تفعيلًا لمقتضى دستوري، يربط المسؤولية بالمحاسبة.

ليس خافيًا على أحد، أن الحكومة المغربية الحالية، لا تسير بالسرعة المطلوبة، وهو شعور يتقاسمه كثير من الفئات المجتمعية وخاصة المتضررة من بطء السياسات الحكومية في المجال الاقتصادي ، وبالتالي اعتبر توقيع أحزاب الغا لبية على ميثاق الحكومة في المدة الأخيرة دليلًا على تباين المواقف واختلاف التوجهات؛ لذلك صيغ الميثاق بعبارات فضفاضة.

ويرجع كثيرون الفتور الحكومي إلى تنازع مصادر القرار داخل التشكيلة التي يقودها العثماني الذي جيئ به على مضض، بين زعيم الحزب السابق، إبن كيران، الذي يعتقد أن المنصب سلب منه، وأن المغاربة صوّتوا لمصلحته وعلى البرنامج الحزبي الذي دافع عنه باستماتة خلال المعركة الانتخابية الضارية؛ بل إن رئيس الحكومة السابق، المستفز لبعض القوى السياسية، طالما أعتبر أن حصول حزبه على المرتبة الأولى في الاستحقاق التشريعي، كان بمثابة تجديد للثقة في قيادته، على الرغم من أنه اتخذ إجراءات وتدابير سياسية جريئة غير مسبوقة في سجل الحكومات المغربية المتعاقبة، تضررت من انعكاساتها الكتلة الناخبة التي صوّتت لمصلحة العدالة والتنمية.

الملاحظ في نتيجة استطلاع "إيلاف المغرب" أن حوالى سبعين في المائة يعتقدون أن الولاية الحكومية ستوفي زمنها القانوني؛ بينما يعتبر باقي المساهمين في الاستطلاع أن فريق العثماني مهدد بالتغيير الكامل أو الجزئي في المدى المتوسط.

ولم يضع أي مستطلع صوته في خانة "لا ادري" كتعبير عن الحياد. فكيف تفسر النتيجة وأية قراءة ممكنة لها؟

أول ما يجب التذكير به في هذا الصدد، أن العاهل المغربي، ومنذ تربعه على كرسي الملك حريص على ضمان استقرار المؤسسات الدستورية. ففي ظل الدستور السابق، أكمل عبد الرحمن اليوسفي، الولاية التي بدأها في ظل حكم الملك الراحل الحسن الثاني، كما استفاد خلفه إدريس جطو من الامتياز نفسه.

أما الوزير الأول الثالث في العهد الجديد عباس الفاسي، فلولا رياح الربيع العربي التي عصفت به لأكمل سنواته الخمس على رأس الحكومة التي انتظرها طويلا. ما استوجب إقالته ليس بسبب الرضا أو عدمه من أداء فريقه، وإنما التعجيل بتطبيق الإصلاحات المؤسساتية الكبرى التي أعلنها الملك محمد الخامس، تجاوبًا مع مطالب التغيير الديمقراطي التي رفعها المحتجون في الشوارع والساحات، خلال حراك" الربيع العربي".

ما يدل على الإيمان بهذا التوجه من قبل عاهل المغرب، أن التغيير الجزئي الأخير الذي ادخل على الحكومة الحالية حافظ على هندستها، وأسندت المناصب الشاغرة بموجب الزلزال المذكور، في الطبعة المعدلة إلى الأحزاب نفسها التي اضطلعت بها من قبل.

ومن الواضح أن الملك محمد السادس جنّب بلاده فصولا جديدة من الاحتباس السياسي الذي هيمن على البلاد خلال مشاورات إبن كيران، المضنية، والتي لم تفض إلى نتيجة، فأهدر المغرب بسبب ذلك وقتا سياسيا ثمينا اقترب من السنة.

كيف يمكن للعثماني إذن الاستفادة من الأجواء السياسية التي خلقها إبعاد سلفه، ابن كيران، عن المشهد الحكومي أولا، وتنحيه الاضطراري من زعامة الحزب ثانيا، بمبرر أنه لا يحق له تولي الأمانة العامة لثلاث مرات متتالية؟.

لا ينكر متتبعو الشأن السياسي المغربي أن العثماني، وهو طبيب نفسي، يختلف في الطبع والمزاج والتكوين، عن رئيسه السابق. فالأول ميال إلى الهدوء الظاهر وتدبير الخلافات بضجيج اقل. صحيح، كما يقال، إن قدرته على التحمل ليست أكبر من ابن كيران، الفارق بينهما أن العثماني يضمر أكثر من سلفه، لذلك يصفه شركاؤه الحزبيون بأنه لطيف المعشر، دمث الخلق، يمكن التفاهم معه بسهولة بخصوص أصعب القضايا. هل هي مجاملة صادقة أم مديح أريد به نقدًا؟.

بطبيعة الحال، لا يمر التنويه الإيجابي لصالح العثماني، من حلفائه المفترضين وهم خصوم إبن كيران السابقين، من دون أن يثير مزيجا من ردود الفعل المتفاوتة، تتراوح بين السخرية والشفقة وكذا التعاطف، داخل حزبه، وأيضا بين فئات عريضة في أوساط الرأي العام المغربي. هؤلاء، وفي تفاوت في ما بينهم، يعتقدون أن العثماني، ليس رجل الساعة والظرفية السياسية الصعبة التي يجتازها المغرب، وهي المتسمة بتحديات في الداخل والخارج.

العثماني، في اعتقاد أولئك يفتقد قوة التأييد الشعبي الكفيلة بمواجهة القضايا المستعصية، لأنها تفوق طاقة أي مسؤول في مثل وضعه؛ يضاف إلى ذلك أن تيارا ضاغطا في حزبه تساوره الشكوك في أن العثماني بقبوله المنصب من دون شرط، أوجد حلا لمشكل الحكم وألقى بحزبه في غياهب أزمة تنظيمية عميقة قد تهدد الكيان ذاته؛ وهو ما بدأت تجلياته في مؤشرات عدة ضمنها نتائج إعادة الانتخابات التشريعية الجزئية في الدوائر الشاغرة، بفعل حكم المحكمة الدستورية؛ فقد انخفضت نسبة المشاركة في الاقتراع إلى نسبة مخلة (خمسة في المائة) وتراجعت نسبة المؤيدين لمرشحي "العدالة والتنمية".

فكيف ينقذ العثماني نفسه ويخرجها من ورطات عدة: أولها تشويش ابن كيران عليه باللمز والإيحاء، يصل في بعض الأحيان وفي غفلة من اللسان إلى اعتباره "ناكثا للعهد"، وفي أوقات أخرى يطلب مساندته، ففي ذلك مصلحة للبلاد أولا وللحزب في المقام الثاني.

المشكل الثاني الذي يقف في سبيل العثماني، يتمثل في معارضة داخلية تتنامى في الحزب، تقف بمحاذاة موقف ابن كيران. المعتدلون ينصحون أمينهم العام بعدم الاستسلام أكثر، تحت أية طائلة لقوى حزبية متغولة ومتغلغلة في مفاصل السلطة. أما الإشكال الثالث، فيمكن إيجازه في غياب التأييد الشعبي للحكومة الحالية، لدرجة أنها توصف من طرف أحزاب مشاركة فيها، بحكومة تصريف أعمال.

ومن المؤكد أن الجو السياسي العام في المغرب يخيّم عليه هدوء يخفي في طياته نذر عواصف ورجات، قد تخلخل المشهد السياسي برمته؛ من دون استبعاد سيناريو آخر أي بقاء الحال على حاله إلى غاية الاستحقاقات المقبلة لتدخل بعدها البلاد في تجريب طور سياسي مغاير، تحول السحب الحالية دون رؤيته بكامل الوضوح.

الثابت أن ملك البلاد يرفض بطبعه الاستكانة إلى الأوضاع الجامدة، ويقاوم الكسل السياسي. ومثلما أحدث ثورة في البلاد عام 2011، فليس مستغربا أن يكرر مثلها بصورة أخرى، من دون ضغط من "20 فبراير"، بل من وحي رغبته المتأصلة في التغيير والإصغاء المتجاوب مع التطلعات العميقة للمغاربة.