سيول: يرى محللون أن انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الاتفاق النووي الإيراني يشكل ضربة لمصداقية الولايات المتحدة في التفاوض، الأمر الذي ينذر بتعقيد الجهود الرامية للتوصل إلى اتفاق مع بيونغ يانغ بشأن برنامج أسلحتها النووية الأكثر تطورا.
ومن المتوقع أن يعقد ترمب القمة المنتظرة وغير المسبوقة، مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، خلال الأسابيع المقبلة، للتفاوض بشأن مصير برامج بيونغ يانغ العسكرية ، بعدما أجرت العام الماضي أقوى اختبار نووي لها واثبتت قدرتها العسكرية عبر أطلاق صواريخ قادرة على بلوغ الأراضي الأميركية.
ورغم تأكيد الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي الإيراني، والوكالة الدولية للطاقة الذرية امتثال ايران لالتزاماتها فيه، إلا أن الرئيس الأميركي، أعلن أمس الثلاثاء انسحاب واشنطن من الاتفاق المبرم في 2015 مع طهران، منتقدا إياه ووصفه بأنه "كارثي" و"مخجل" بحق الولايات المتحدة.
من جهته قال أنتوني بلينكن نائب وزير الخارجية في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما إن تحرك البيت الأبيض "يجعل التوصل إلى اتفاق مع كوريا الشمالية أكثر صعوبة".
وسأل على حسابه في عبر "تويتر" : "ما الذي سيجعل كيم ... يصدق أي تعهدات يقدمها دونالد ترمب في وقت يمزق الأخير بشكل تعسفي اتفاقا يلتزم به الطرف الآخر؟"
بدوره أكد وزير الخارجية الفرنسي الأسبق لوران فابيوس على ذلك بقوله الاربعاء إن قرار ترمب يعد "ضربة للأمن الدولي" محذرا عبر إذاعة "آر تي ال" من أن "مصداقية جميع الاتفاقيات الدولية باتت على المحك".
وأوضح أنه في وقت "نسعى إلى نزع أسلحة كوريا الشمالية النووية"، يقدم القرار الأميركي "حجة صلبة" لبيونغ يانغ لتقول "كيف نوقع مع دولة لم تحترم اتفاقا دوليا تم التصديق عليه واحترامه" من قبل الطرف المعني، أي إيران.
وقال استاذ العلوم السياسية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا فيبين نارانغ "اليوم تذكير صارخ للجميع في انحاء العالم: الاتفاقات قابلة للتراجع عنها ولها تواريخ انتهاء الصلاحية، في حين يمكن أن توفر الأسلحة النووية ضمانة مدى الحياة".
معمر القذافي وصدام حسين.. نماذج
ولا تزال الكوريتان عمليا في حالة حرب عقب انتهاء الحرب الكورية (1950-53) باتفاق لوقف إطلاق النار بدلا من معاهدة سلام فيما تقول بيونغ يانغ منذ فترة طويلة إنها تحتاج إلى الأسلحة النووية للدفاع عن نفسها من أي اجتياح أميركي محتمل.
وتحث أميركا على الاقتداء بدول بادرة بالتخلي عن برامجها النووية، حيث قال مستشار ترمب للأمن القومي جون بولتون منذ أسبوعين، أننا: "نفكر في النموذج الليبي" لنزع الاسلحة النووية لكوريا الشمالية.
ففي مطلع الألفية، وافق الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي على التخلي عن برنامج بلاده لتطوير أسلحة نووية، لكن فصائل معارضة نجحت لاحقا بدعم عسكري غربي في الإطاحة به خلال نزاع أفضى الى مقتله.
ودفاعا عن تمسكها بـ"الحاجة لامتلك سلاح نووي"، لطالما أشارت بيونغ يانغ إلى مصيري كل من القذافي وصدام حسين في العراق الذي أطاح اجتياح قادته واشنطن بنظامه قبل أن يعدم شنقا،
ورأى المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) جون برينان إن "جنون" ترمب "قوض ثقة العالم بالتزامات الولايات المتحدة وأقصى أقرب حلفائنا وعزز قوة الصقور الايرانيين وأعطى كوريا الشمالية سببا إضافيا للمحافظة على أسلحتها النووية".
لكن البعض عبر عن وجهات نظر متفاوتة بعض الشيء، إذ أوضح الاستاذ في جامعة "يونسي" جون ديلوري أن بيونغ يانغ قلقة بشأن مدى استدامة الاتفاق وترى التغييرات التي تفرضها الديموقراطية الأميركية "نقطة ضعف بنيوية تهدد أي اتفاق يبرمه أي رئيس في البيت الأبيض"، مضيفا أنه "لن يقلقهم انسحاب ترمب من أي اتفاق (يتم التوصل له) بقدر ما سيقلقهم خليفته".
ضمانة أمنية
ويرجح كذلك أن تقلق الطبيعة أحادية الجانب لتحرك ترامب المسؤولين في سيول.
وانسحب ترمب رغم المناشدات الشخصية المتكررة من قادة أوروبيين، حيث وضع جانبا أكثر من عقد ونصف من الدبلوماسية الحذرة التي اتبعتها بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وايران وروسيا والإدارات الأميركية السابقة.
وحظي رئيس كوريا الجنوبية مون جاي-ان بإشادة واسعة لاستغلاله فرصة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية ليرعى محادثات بين ترمب وكيم بعدما انخرطا في سجال مفتوح قبل شهور فقط وهددا بشن حرب كانت ستكون مدمرة بلا شك بالنسبة للشطر الجنوبي.
لكن مصيرالذي آل إليه الاتفاق الايراني يشير إلى أن ترمب قد يتجاهل كذلك مستقبلاً مناشدات سيول، الحليفة التي تربطها معاهدات بواشنطن.
وأشار محللون إلى زيارات كيم المتكررة إلى الصين كدليل على أن بيونغ يانغ تبحث عن دعم الدولة التي تحميها دبلوماسيا منذ مدة طويلة وتتعاون معها تجاريا وتوفر لها المساعدات.
وفي هذا السياق التقى كيم هذا الأسبوع بالرئيس الصيني شي جينبينغ للمرة الثانية في غضون أكثر من شهر بقليل بعدما تجنب زيارته منذ ورث السلطة عن والده قبل ست سنوات في وقت تدهورت علاقتهما.
واعتبر كوه يو-هوان من جامعة "دونغوك" في حديث لوكالة فرانس برس، إن "كوريا الشمالية مدركة تماما مخاطر انسحاب الولايات المتحدة من أي اتفاق كلما تغيرت حكومتها".
وأوضح أنه "من باب الاحتياط من وقوع احتمال كهذا، التقى كيم دونغ أون وشي جينبينغ مرتين للحصول على ضمانة أمنية أقوى من الصين قبل دخوله في اتفاق مع الولايات المتحدة"، مضيفا أن بيونغ يانغ طالبت بضمانات أوسع.
وعن ما ذكرته وكالة الأنباء الصينية الرسمية "شينخوا" إن كيم قال لتشي إن على "الأطراف المعنية ... إلغاء سياساتها العدائية وإزالة أي تهديدات أمنية بحق كوريا الشمالية"، قال كوه لفرانس برس إن "هذا يعني أن كوريا الشمالية تسعى للحصول على التزام عالمي باتفاق مع الولايات المتحدة لمنع واشنطن من التراجع عنه بشكل أحادي الجانب".
التعليقات