لم يكن مفاجئا انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق الشامل لتسوية قضية البرنامج النووي الإيراني، الذي تم التوصل إليه عبر مفاوضات مضنية انتهت فى مايو/ أيار 2015. فنبذ الاتفاق يشكل ايفاء بوعد انتخابي وضعه ترامب فى مقدمة قائمة من إنجازات سلفه باراك اوباما التي يعتزم إلغاءها.
قبيل قرار ترامب، ثارت تساؤلات على نطاق واسع داخل الولايات المتحدة وفى عواصم الشركاء الأوروبيين الموقعين على الاتفاق، في المجموعة المعروفة باسم (5+1) وحتى داخل إيران، فحواها: ما هي عيوب الاتفاق؟
طرحنا السؤال على توماس كانتريمان المساعد السابق لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون الأمن الدولي والحد من التسلح، والذي شغل منصبه منذ 2011 وحتى2017، حيث اشترك فى وضع السياسات التي قادت إلى إنجاز الاتفاق.
يقطع كانتريمان ببراءة الاتفاق من أي عيب سوى ميلاده فى كنف إدارة أوباما لـ"يترعرع فى عهد رئيس مغرم"، على حد قوله، بإلغاء أي إنجاز حققه سلفه، وبالتالي مات الاتفاق.
لكن ترامب ساق مبررات لإلغاء الاتفاق، وهي أنه لا يحول دون تطوير إيران قدرات نووية بعد عام 2025، وخلوه من بنود تلجم نفوذ إيران فى سورية واليمن ولبنان، وتضع حدا لبرنامج الصواريخ الباليستية.
هذه المخاوف اقترحت فرنسا وألمانيا تضمينها فى اتفاق يلحق بالاتفاق القائم، وهو ما أعرب عنه زعيما البلدين، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، اللذين زارا واشنطن بهدف إثناء ترامب عن الانسحاب من الاتفاق.
غير أن ترامب لم يقتنع بمقترحات حلفائه الأوربيين، وقرر إخراج الولايات المتحدة من الاتفاق مع ترك الباب مفتوحا أمام مفاوضات جديدة للتوصل إلى اتفاق يرضيه، كما قال، ويرضي كذلك إسرائيل الحليف المهم للولايات المتحدة.
المثير للانتباه أن قرار ترامب خلق حالة من خيبة الأمل وسط عدد كبير من المسؤولين الأمريكيين داخل البيت الأبيض، ووزارتي الخارجية والدفاع، وأجهزة المخابرات.
ففي الوقت الذي يرى كثير من المسؤولين الأمريكيين أن الاتفاق ليس مثاليا، إلا أنهم يعتبرونه بمثابة قاعدة جيدة ينبغي التمسك بها ومن ثم معالجة نقاط القصور.
كما يخشى هؤلاء المسؤولون من أن تؤدي خطوة ترامب إلى عزل الولايات المتحدة من قبل شركائها الأوروبيين الذين ظلوا يدعمون سياسات واشنطن فى التعامل مع العديد من القضايا الدولية الشائكة.
وهذا ما أشار إليه جون ألترمان المسؤول السابق فى فريق التخطيط والمساعد السابق أيضا لمساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، والذي يشغل حاليا منصب مدير الشرق الأوسط فى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية فى واشنطن.
ويرى ألترمان أن الاتفاق أعطى الولايات المتحدة فرصة غير مسبوقة وإجماعا دوليا منقطع النظير لاحتواء وإنهاء البرنامج النووي الإيراني.
ويضيف أن قرار ترامب لن يخدم مصالح الولايات المتحدة، بل سيدفع شركاءها الأوروبيين للدخول فى اتفاق مع إيران، وهو ما سيفتح الباب واسعا لتعزيز مصالح دول أخرى مثل روسيا والصين، ناهيك عن إيران نفسها.
وفي الوقت الذي يتمنى ألترمان تمكن إدارة ترامب من التوصل إلى اتفاق مع إيران، إلا أنه يقول "لست متأكدا من إمكانية حدوث ذلك، فبعد أن كنا نمتلك اتفاقا قويا قد نعود فى نهاية الأمر بلا اتفاق".
ويعزي ألترمان ذلك الاحتمال إلى صعوبة إقناع الأطراف الأخرى الموقعة على الاتفاق - روسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا - في التوسط بين الولايات المتحدة وإيران من أجل إبرام اتفاق جديد يلغي الآخر الذي يتمسكون به بشدة.
التعليقات