على متن حاملة الطائرة الاميركية هاري ترومان: تحت سماء ملبدة تنذر بعواصف رعدية في مكان ما في البحر المتوسط يعلو الضجيج على حاملة الطائرات الأميركية هاري إس. ترومان عند انطلاق المقاتلات منها في مهمات على بعد آلاف الكيلومترات.

وفيما كانت صواعق البرق تلمع في البعيد، كانت السفينة العاملة بالطاقة النووية والبالغ وزنها 95 الف طن وتحمل اسم الرئيس ال33 للولايات المتحدة، تشن حرباً في سوريا.

وقال الادميرال جين بلاك قائد حاملة الطائرات والقطع المرافقة لها "من دواعي السرور مشاهدة ثمرة تدريبات استمرت سنة". ويرصد الادميرال من جسر السفينة انطلاق السرب المقاتل المهيب من على متنها لتنفيذ مهمات.

تترك مقاتلات إف-18 سوبر هورنت وراءها ذيلا من النار والدخان اثناء انطلاقها نحو أهداف سرية بسرعة تفصل بين الواحدة والاخرى منها طائرة للتزود بالوقود وطائرات رادار إي-2.دي هوك-آي.

فمنذ إبحارها من نورفولك بولاية فرجينيا في نيسان/ابريل تقوم هاري ترومان بتقديم الدعم للهجمات على أهداف لتنظيم الدولة الاسلامية في سوريا في اطار عملية العزم الكامن، وهو دور لعبته آخر مرة في 2016.

وتقول البحرية الاميركية إن سفنا بهذا الحجم يتم تصميمها "لإبراز التواجد والقوة الرادعة الأميركية قبالة أي سواحل".

ويقول بلاك "إنها أكبر (مجموعة ضاربة) تبحر من الساحل الشرقي منذ مدة طويلة".

وتضم قطع حاملة الطائرات حاليا سفينة طرادا وأربع مدمرات. وترصد على بعد سفينة حربية روسية. وتواجد المجموعة الضاربة يمثل رسالة ضمنية لموسكو ايضا.

وأضاف الادميرال "إنها قوة فاعلة كبيرة، تضم بعض أحدث القدرات التي يمكن للبحرية ان تنشرها في البحر".

يبلغ طول السفينة هاري ترومان 335 مترا أي بارتفاع مبنى امباير ستيت تقريبا. وتنشط على ظهرها فرق يرتدي أفرادها قمصانا براقة الالوان مخصصة بحسب دور كل منها في نظام يجب أن يعمل بانضباط ودقة بالنظر للمخاطر المحيطة به.

ففرق اللون البنفسجي مسؤولة عن تزويد الطائرات بالوقود، فيما اللون الاحمر لتحميل القنابل والصواريخ. أما الفرق التي ترتدي اللون الاخضر فإنها تقوم باعمال الصيانة. والقمصان الصفر لتوجيه الطائرات أثناء إقلاعها وعودتها.

وبجهودهم المشتركة يمكنهم اطلاق طائرتين كل 40 ثانية في ساعات النهار أو كل 60 ثانية ليلا.

ويقول الادميرال "نخطط لنشر بحري لمدة سبعة أشهر ... يمكن أن نعود إلى الديار في شهر ويمكن أن نمدد الفترة لسنة".

- رؤية العالم -
وفي بدن هذه السفينة يعيش أكثر من 5 آلاف و500 شخص، وكثير منهم ينتشرون لأول مرة في الخارج.

وقالت كيتلين شوماخر (25 عاما) والدة ثلاثة ابناء من كليفلاند وتعمل في صيانة وتوضيب المظلات "أنا من اسرة ذات دخل متواضع. رغبت في رؤية العالم ... التعرف إلى أشخاص جدد والحصول على تعليم مجاني، الأساس".

وقال ديواين هوبر وهو طيار من هانتينغتون بولاية ميريلاند عمره 26 عاما "إنها أكثر الاشياء التي شاركت فيها إثارة ... خبرة مذهلة".

تدرب هوبر لأداء هذه المهمة لثلاث سنوات. وعاد للتو من أول مهمة طيران له فوق سوريا -- لا تفاصيل مرتقبة -- ومع ذلك يجد الهبوط على ظهر هذه سفينة في عرض البحر مهيبا.

ويقول إن عملية الهبوط "دائما مخيفة، وخصوصا في الليل، لكنك تريد العودة إلى موقعك وبيتك".

وهذا بيته حتما. فللأشهر القادمة سيكون هذا العملاق الذي يحمل 60 طائرة أقرب مكان لمن هم على متنها.

وتقول نيومي غودوين المسؤولة عن قاعة الطعام "إن الانتشار خارج الوطن يستلزم منا أن نكون متكاتفين. نعتمد بشكل كبير على بعضنا البعض".

وتضيف مؤكدة "أصبحنا أسرة حقيقية. هذا ما يفعله نشر السفينة، إنه يبني ذكريات وصداقات دائمة".

وبعد مناوبة يومية يمكن ان تستمر 12 ساعة، يروح البحارة عن أنفسهم بمشاهدة الافلام وألعاب الفيديو والحفاظ على اللياقة البدنية.

فمعدات الرياضة تنتشر على السفينة وحتى على منصة الابحار. ويقول أحد أفراد الطاقم مازحاً إن عدد السلالم على السفينة وحده يجعلها "سلما متخصصا عائما".

- 17 ألف وجبة يوميا -
وللحفاظ على المعنويات تنظم ايضا سهرات غناء كارايوكي وصفوف رياضة وبناء احجار الليغو وعرض ترومان -- وهو برنامج تلفزيوني اسبوعي أعده البحارة يجمع الكوميديا والاخبار المهمة.

وهناك الطعام. فإن كان الجيش يعرف بحصوله على تغذية جيدة مستمرة فإن ذلك ينطبق على البحارة ايضا.

ويقول براندي رويال (26 عاما) الطباخ من دنفر "نود أن نكافئ هؤلاء الرجال بقدر ما أمكننا" ويستمر في تقطيع شرائح اللحم لوضعها على طاولة السلطة.

تقدم على حاملة الطائرات أربع وجبات يوميا في سبعة مطابخ، أي نحو 17 ألف وجبة في المجموع.

يتطلب ذلك أكثر من 725 كيلوغراماً من الدجاج و160 غالوناً من الحليب و30 علبة من حبوب الافطار ونحو 160 كيلو من الخس، بحسب غودوين المسؤولة عن قاعات الطعام.

واذا تصادف عيد ميلاد أحدهم يمكنه توقع إعداد وجبة مميزة له خلال ذلك الشهر.

وتشرح غودوين "شراشف طاولات وأكواب نبيذ وموسيقى ممتعة ووجبة خاصة مثل الكركدن أو ضلوع اللحم". وتقول "الطعام جزء من كل شيء في الحياة".

والجميع هنا يحرص على التكتم، فالشفاه المفتوحة تغرق السفن. إذ ما كاد الطيار هوبر أن يجيب على سؤال بشأن أكبر مخاوفه في الجو، حتى تصدى الفريق الإعلامي لنهيه عن ذلك.

كما منع الفريق طرح سؤال حول الطائرات بدون طيار والضحايا المدنيين في عمليات القصف على سوريا.

ويتدخل المسؤول الاعلامي قائلا "لا أعتقد أن هذا من اختصاصه".