إيلاف من دبي: أشادت أكاديمية أميركية حائزة على جائزة ماك آرثر للعبقرية في العام 2013، بمنظومة الإمارات التعليمية، مشيرة إلى أن النظام المتبع في الدولة لا يتوافر في العديد من البلدان.
وأكدت الأكاديمية الأميركية الدكتورة أنجيلا داكورث أستاذة علم النفس في جامعة بنسلفانيا، أن دولة الإمارات نجحت في إيجاد بيئة محفزة لذوي الأفكار المتميزة عبر جمعها بين الاختصاصين والمبتكرين تحت سقف واحد والتي ساهمت بدعم من قيادتها في تمهيد الطريق لبناء طلبة المعرفة.
وأشارت إلى أن الإمارات هي الدولة الأولى والوحيدة التي تحرص على تهيئة طلبة المدارس لحصولهم على سمات الفضول والعزيمة على الإنتاج والعمل، نظراً لما لديها من تقاليد ووحدة.
منظومة التعليم والاستقلالية
وأشادت داكورث بالفرص والإمكانات المتاحة لتطوير منظومة التعليم في الإمارات، مشيرة إلى أن المظلة الموحدة للمناهج والأنظمة التعليمية في الدولة يمكن أن تشكل عاملاً حاسماً في تسريع وتيرة تطوير التعليم وتعميم التجارب الإيجابية، مؤكدة أن مثل هذا النظام لا يتوافر في العديد من الدول، لافتة إلى أن القائمين على المنظومات التعليمية في العديد من دول العالم يعانون صعوبة نفاذ التعليمات والأنظمة والقرارات الجديدة بالنظر إلى الاستقلالية المبالغ فيها لكل مؤسسة تعليمية وبالتالي فإن ذلك يؤدي إلى إبطاء عمليات التطوير المرحلية والطويلة المدى.
مفاهيم حديثة
وشددت خلال المحاضرة التي شهدها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، واستضافها مجلس البطين مساء أمس بعنوان "العزيمة الصادقة: الإلهام الحقيقي في علم النجاح"، على أن دولة الإمارات قادرة على التعامل مع المفاهيم العلمية الحديثة، خصوصا تلك المرتبطة بتداخل الاختصاصات والجمع بينها، مشيرة إلى أن ذلك يبدو قريبا من النمط الذي يدار به القطاع في الإمارات، موضحة أنه من المهم المواصلة في تبني هذا الفكر، فهو مستقبل العالم.
مشاريع بعيدة المدى
وتابعت داكورث أن تبني المشاريع بعيدة المدى يعد أمراً مهماً إذا ما استطاع القائمون على متابعة تلك الخطط من المحافظة على الثبات والبعد عن التشتيت الذي يمكن أن تحدثه التحديات الطارئة، موضحة أن السبيل إلى ذلك لابد أن يكون عبر الجمع بين المثابرة والشغف، إضافة إلى الارتباط الوجداني بالمهام والمسؤوليات بمعنى أن يحب كل فرد من أفراد المنظومة ما يعمل.
وحول تأثير المهارات الفردية أو ما يعرف بالمواهب في تحديد مستويات النجاح بين الأشخاص، أكدت أن علينا في البداية أن نعي أهمية تطوير ما يعرف بالفضول لدى الأطفال، مشيرة إلى أن الفضول هو أساس النجاح وتعلم الأشياء الجديدة.
منوهة بأن الفضول هو بوابة المعرفة الأولى وأن الاهتمامات المبكرة تعد انعكاسات طبيعية لما سيكون عليه الأبناء في المستقبل، محذرة من محاربة فضول الأطفال أو تقنين ذلك الفضول أو تجاهله.
الناجحون في الحياة
وحاولت داكورث الإجابة عن سؤال مهم هو: من هم الناجحون في الحياة؟ انطلاقاً من خبراتها وبحوثها في هذا المجال والتي عرفت فيها "العزيمة" بالميل إلى تحقيق أهداف طويلة المدى مع المثابرة والشغف.
وتحدثت عن عدد من المفاهيم التي ترى أنها كفيلة بتحقيق النجاح في مختلف المجالات، ومنها العزيمة والثبات والمثابرة التي تعد من أهم المفاهيم التي يؤدي تبنيها وفق وعي تام إلى تحقيق إنجازات عظيمة على المستوى الفردي والمؤسسي.
مفاتيح النجاح أربعة
وحددت أربعة معايير اعتبرتها مفاتيح النجاح، وهي الشغف وتحديد الأهداف والمثابرة ثم النمو الفعلي والعقلي، منوهة بأن تلك المفاهيم مشتركة بين الإناث والذكور، وأكدت أهمية وضع أهداف أو وظائف محددة للأطفال منذ سن السادسة مع ضرورة إفساح المجال أمام الأطفال للاختيار والتفضيل.
وقالت "أجريت دراسات على الأشخاص ذوي الأداء العالي في بيئات عمل عالية التوتر لفهم تأثير العزيمة على إمكانية التنبؤ بالأداء، وعكفت على تحليل الأداء في العديد من السياقات المتنوعة لمعرفة العلاقة المتبادلة بين العزيمة والإنجاز.. واستطعت من خلال تلك الأبحاث والدراسات أن أخرج بتفسير لسبب اختلاف الأشخاص ذوي العزيمة عن غيرهم مستنتجة أن العزيمة يمكن غرسها وتنميتها لدى كل إنسان في أي مكان وزمان في حياتنا".
ضبط النفس
وأشارت إلى أن التحلي بسمات شخصية مثل ضبط النفس ربما ينبئ بمدى نجاح الأطفال في المدرسة وخارجها كما تظهر الأدلة العلمية بأن قوة الشخصية لا تقل أهمية عن معدل الذكاء والحالة الاجتماعية والاقتصادية في تحقيق الإنجاز والنجاح.
وضربت مثلا في هذا الشأن بنتائج دراسة أجريت في سنة 2011 على أكثر من 200 برنامج مدرسي والتي أكدت أن تعليم المهارات الاجتماعية والعاطفية يمكن أن يحسن السلوك ويرفع من مستوى التحصيل الدراسي ما يعني أن المدرسة بيئة مهمة لتنمية الشخصية، وبناء على ذلك تعتقد داكورث أيضاً أنه يمكن تعليم أو غرس سمة العزيمة.
وذكرت أن الشخصية كيان مركب يضم العديد من نقاط القوة والتي يمكن تصنيفها في ثلاثة أبعاد هي نقاط القوة الشخصية في التفاعل مع المجتمع المحيط مثل إظهار الامتنان وبناء علاقات متناغمة مع الآخرين، ونقاط القوة الشخصية الداخلية مثل العزيمة وضبط النفس والتي تمكن الإنسان من الإنجاز، ونقاط القوة الفكرية ومنه الفضول والذي يمكن الإنسان من عيش حياة فكرية خصبة.
وركزت اهتمامها على تنمية خصال العطاء والعمل والتفكير لدى الطلبة، مبينة أن هناك نقاط قوة عاطفية وقوة إرادة وقوة عقل، وأنه خلال هذه الرؤية عملت مع المعلمين لتمكنهم من بناء شخصيات طلبتهم بطريقة متوازنة.
حقائق علمية
وأكدت داكورث أن هناك طلبا هائلا بين المعلمين على الاستفادة من البحوث العلمية حول الشخصية بشكل عملي في الفصول الدراسية اليومية، لذا فهي تعمل مع العلماء والخبراء التربويين لاكتشاف طرق أكثر فاعلية لغرس السمات الشخصية من خلال الملاحظات التي تعطى للطلبة وتأليف كتب إرشادية تترجم الأبحاث العلمية حول تنمية الشخصية إلى ممارسة عملية في الفصول الدراسية اليومية.
وشددت على أهمية أن تقدّم هذه الكتب الإرشادية الحقائق العلمية الأساسية والاستراتيجيات التي تجعل ممارسة نقاط القوة أسهل وأكثر جدوى وتنظم فرص ممارسة الاستراتيجيات مع الملاحظات الراجعة، داعية المعلمين للانضمام إلى مجتمع ممارسة يمكنهم من طرح الأسئلة والإجابة عنها والاستفادة بأنفسهم قبل مساعدة طلابهم.
التبادل الرقمي
وأكدت أستاذة علم النفس في جامعة بنسلفانيا سعيها لتسهيل التبادل الرقمي للبحوث العلمية حول تطوير الشخصية، متوقعة أن تسهم الكتب الإرشادية ومنصة التبادل الرقمي في توفير الوقت وتكاليف إجراء البحوث على الشخصية في المدارس بما لا يقل عن 10 أضعاف.
أطفال الإمارات
من جهتها وجهت حصة بنت عيسى بوحميد وزيرة تنمية المجتمع الإماراتية سؤالا لداكورث، بشأن سبل تطبيق بحوث ودراسات العزيمة على طلبة دولة الإمارات.
وأجابت داكورث قائلة "إذا أردتم تهيئة أطفال الإمارات يجب طرح سؤالين مهمين هما ماذا يمتلكون من الفضول وماذا نقدم لتهيئتهم للفضول؟.. ما رأيته في دولة الإمارات خلال زيارتي هذه يجعلني أقول إن هذا البلد الوحيد الذي يهيئ طلبة المدارس للفضول والعزيمة، وأرى بوضوح أن الإمارات لديها فرص لنشر العزيمة بين أبنائها أفضل من دول كثيرة ومنها الولايات المتحدة الأميركية، نظرا لما لديها من تقاليد ووحدة، ومن ثم إذا قررت الإمارات أن يكون الذكاء الاجتماعي أولوية، سيكون لديها الفرصة الكاملة للنجاح".
الشغف والمثابرة
وتجدر الإشارة إلى أن الدكتورة أنجيلا داكورث حازت على جائزة ماك آرثر للعبقرية في العام 2013 وهي أحد مؤسسي مختبر الشخصية، فيما صنف كتابها الأول "العزيمة.. قوة الشغف والمثابرة" أحد أكثر الكتب مبيعا في الولايات المتحدة الأميركية.
كما حصلت على شهادة البكالوريوس في علم الأعصاب من جامعة هارفارد والماجيستير في البيولوجيا العصبية من جامعة أكسفورد والدكتوراه في علم النفس من جامعة بنسلفانيا.
وتقدم داكورث استشارات للعديد من الجهات الحكومية والرياضية والتجارية الرائدة حول العالم ولها العديد من المقالات المؤثرة.
وحضر المحاضرة إلى جانب الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الشيخ حامد بن زايد آل نهيان رئيس ديوان ولي عهد أبوظبي والشيخ ذياب بن زايد آل نهيان والشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي والشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح وعدد من الشيوخ وسفراء الدول العربية والأجنبية لدى الإمارات والشخصيات العامة والإعلاميين.
التعليقات