طريقة جديدة لا تلجأ إلى الكيميائيات


استخدم علماء من معهد فراونهوفر الألماني بنجاح الأشعة الإلكترونية لقتل البكتيريا والفيروسات والفطريات وغيرها من الآفات التي تصيب المحاصيل الزراعية.

إيلاف من برلين: تشير إحصائية معهد حماية المحاصيل الألماني إلى أن الحشرات والفطريات والعث وغيرها تتلف 2% من المحاصيل سنويًا كمعدل، أو ما يقدر بمليون طن سنويًا. وتلحق الآفات الزراعية بالاقتصاد الألماني أضرارًا تقدر بحوالى 150 مليون يورو سنويًا. 

لا تمتلك البلدان النامية تقديرات دقيقة عن الخسائر التي تلحقها الحشرات بالمحاصيل، إلا أن خبراء يعتقدون أنها جسيمة بلا شك. كما تفتقد البلدان النامية إلى الأسايب الحديثة في حماية المحاصيل، المستخدمة في الغرب، والتي تتجنب المواد الكيميائية.

لا يواجه المزارعون هذه الأيام قساوة التغيرات المناخية التي أصابت مناطق أوروبا الخضراء بالجفاف، وأدت، فضلًا عن الحرائق، إلى فساد المحاصيل وجفافها بسبب ندرة الأمطار. إذ يواجه الفلاحون مشكلة نمو الآفات الزراعية، التي تجد في الأجواء الحارة والجافة مرتعًا لنموها.

ولا يستطيع المزارعون الألمان فعل شيء ضد العوامل المناخية في هذا العام، سواء كان الجفاف أو السيول أو الحرائق، لكنهم يستطيعون الركون إلى طريقة مبتكرة جديدة لمكافحة الآفات الزراعية بالإشعاعات الإلكترونية. 

يعود الفضل في الاكتشاف الجديد إلى "معهد فراونهوفر لتقنيات الإشعاعات الإلكترونية والبلازمية" في مدينة دريسدن الشرقية. وهي طريقة تتخلى بالكامل عن المواد الكيميائية في حماية المحاصيل الزراعية من الآفات الزراعية. 

وذكر معهد فراونهوفر في تقرير صحافي أن الطريقة جرى اعتمادها من قبل مزارعين عدة ومخازن حفظ الحبوب في ولايتي سكسونيا وميكلنبورغ فروبومرن الشرقيتين.

إشعاعات الكترونية تحطم الحمض النووي للجراثيم
أوضح الباحث أندريه فايداور، من معهد فراونهوفر المذكور، أن تجارب حماية الحبوب والبذور من الآفات الزراعية بوساطة الإشعاعات الإلكترونية جرت على الأرض نفسها التي كان "معهد مانفريد فون آردين"، في زمن ألمانيا الشرقية، يستخدمها لتجربة المواد المحتوية على مركبات الزئبق في مكافحة الجراثيم. هذا، برأيه يكشف، الأشواط التي قطعها معهد غراونهوفر على طريق التخلي عن المواد الكيميائية.

وأكد الباحث أن فكرة استخدام الأشعة الإلكترونية طرحت منذ ذلك الوقت في دريسدن، إلا أن تطبيقها أمرًا واقعًا بدأ بعد الوحدة الألمانية في العام 1997.

تعتمد الطريقة على مولد يطلق، ويعجل الالكترونات، هي جزيئات الكترونية ذات شحنة سالبة. وتخترق هذه الإلكترونات الحبوب، لكن ذلك يقتصر على أغلفة الحبوب وما تحتها من دون الوصول إلى النواة. تزوّد الأشعة الإلكترونية الحبوب بطاقة إلكترونية تعينها على تفجير الحمض النووي في أجساد الميكروبات الصغيرة.

وتشمل عملية تحطيم الحمض النووي كل أنواع البكتيريا والفيروسات والفطريات والعث التي تصيب النباتات، إلا أن دواخل البذور تبقى نقية.

تجربة الطريقة عمليًا
تمت تجربة الطريقة بعد 10 سنوات من العمل على تطويرها. وجرى ذلك بالتعاون مع شركة "BayWa AG"، المتخصصة في إنتاج الحبوب وخزنها، التي تتخذ من مدينة هاينشن في سكسونيا مقرًا لها.

وأكد فايداور أن الهدف من التطبيق كان إقناع المزارعين وأصحاب مخازن حفظ الحبوب بفاعلية الطريقة وتفوقها على الطرق الأخرى. وأشار إلى أن دائرة الحبوب والمحاصيل الألمانية أشرفت بنفسها على التجارب، واقتنعت بالطريقة الجديدة. وأكدت عدم تأثيرها على محتوى الحبوب.

استخدمت الطريقة أيضًا شركة "سيرافيز المساهمة"، من ولاية مكلنبورغ فوربومرن، ووجّهت أشعتها الإلكترونية على خمس المساحة المزروعة بالمحاصيل. وتمت معالجة 25 طن من الحبوب في الساعة بالأشعة الإلكترونية، كما استخدمت أيضًا في معالجة الحبوب المخزونة أيضًا.

يعمل معهد فراونهوفر، الذي تلقى دعمًا قدره 3 ملايين يورو في مشروعه من قبل الحكومة الألمانية، على تصغير جهاز توليد الأشعة الإلكتيونية. ويخطط العلماء في المعهد لإنتاجه مستقبلًا بحجم صغير يمكن تركيبه على شاحنة صغيرة متنقلة، وقادر على معالجة 5-12 طنًا من الحبوب بالإشعاعات الإلكترونية في الساعة.

تحدث فايداور عن شركات من الدنمارك وفرنسا وأوكرانيا أبدت اهتمامها بالحصول على تقنية مكافحة الآفات الزراعية بالإشعاعات الإلكترونية. وأضاف إن هذه الدول تبدي اهتمامها بالنموذج المصغر (المتنقل) من جهاز توليد الأشعة.

استراق السمع للحشرات
جدير بالذكر أن الباحث كريستوف رايشموت، من معهد حماية المحاصيل الزراعية الألماني، تحوّل من باحث زراعي وخبير في خزن الحبوب إلى متلصص يسترق السمع إلى "قرقطة" الحشرات. إذ نشر رايشموت في مخازن الحبوب الكبيرة لاقطات صوت غاية في الدقة، بهدف التأكد مما إذا كانت الحشرات قد أصابت المحاصيل.

ويملك الباحث كامل الحق في التجسس على المناطق الأولى التي تتسلل منها الحشرات إلى المحاصيل، لأنه يستطيع بذلك الإسراع في مكافحتها قبل أن تلحق أضرارًا اقتصادية كبيرة بمخازن الحبوب.

تبدو المشكلة أكثر تعقيدًا أمام تجار المحاصيل العضوية أو الطبيعية، وهي النزعة السائدة في التغذية خلال هذه الأيام، لأن طبيعة المواد التي يبيعونها تحظر عليهم استخدام المواد الكيميائية في مكافحة الآفات الزراعية. ودفعت هذه الحال أصحاب مخازن المحاصيل البيئية إلى البحث عن بدائل أخرى مقبولة من قبل سلطات الرقابة الصحية.