موسكو: بات طالبان أعداء الاتحاد السوفياتي سابقا، اليوم على علاقة جيدة بروسيا التي تحاول دفعهم الى المطالبة بانسحاب أميركي من أفغانستان رغم إنكارها تولي دور الوسيط في هذا النزاع الواقع على مشارف منطقة نفوذها.

ورغم حظر نشاط حركة طالبان رسميا في روسيا، فان قادة الحركة استقبلوا بحفاوة في فندق فخم بالعاصمة الروسية حيث تجري الثلاثاء والاربعاء مباحثات غير مسبوقة بين كبار قادة المعارضة الافغانية.

وحرص وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على التأكيد أن المباحثات تتم ببادرة خاصة من "الجالية الافغانية في روسيا" وتحديدا من "مجموعة قلقة على وطنها".

وأضاف ان روسيا ليست مسؤولة الا عن الجانب "اللوجستي واصدار تاشيرات" للمشاركين في الاجتماع الذي ينظم في غياب ملحوظ للرئيس الافغاني أو أي ممثل للحكومة الحالية.

بيد أن الخبير في مركز الدراسات الافغانية المعاصرة بموسكو اندريه سيرينكو أكد ان اجتماعات الثلاثاء والاربعاء "تترجم تماما مشروعا للرئاسة الروسية".

وأوضح "أن انسحاب الأميركيين يكسر مجمل نظام الاستقرار الاقليمي. وتأمل روسيا في تولي دور الوسيط النزيه نسبيا مدركة أنه لم يعد هناك فاعلون هناك" مضيفا ان روسيا مع ذلك لا تنوي "انفاق مال" في افغانستان أو "أن تتحول أميركا ثانية" فيها.

وتدعو موسكو منذ سنوات الى حوار "مباشر" و"بناء" بين السلطات الأفغانية وطالبان.

وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2018 استضافت السلطات الروسية في موسكو اجتماعا ضم وفدا عن طالبان بمشاركة هيئة حكومية أفغانية للمرة الاولى. ولكن تلك المباحثات انتهت من دون احراز تقدم يذكر.

وفي 2017 نظم أول مؤتمر دولي حول أفغانستان بدون مشاركة طالبان، وبحضور ممثلين لدول المنطقة في غياب الولايات المتحدة.

-أمن آسيا الوسطى-

جاء في مذكرة لمركز صوفان للتحاليل أن "الانخراط الاكبر لموسكو (في النزاع الافغاني) فاجأ كثيرين وخصوصا بسبب التاريخ الدامي لروسيا في افغانستان اثناء فترة احتلال البلاد بين 1979 و1989".

وبالنسبة لروسيا الامر يتعلق خصوصا بحماية أمن الجمهوريات السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى التي تعتبرها ضمن منطقة نفوذها وخصوصا الحدود السهلة الاختراق البالغ طولها 1300 كلم بين أفغانستان وطاجيكستان.

وروسيا قلقة من تغلغل تنظيم الدولة الاسلامية في أفغانستان وتريد من حركة طالبان والحكومة الافغانية أن توحدا جهودهما لمحاربته. وقالت السلطات الروسية أنها تخشى تسلل جهاديين الى دول مجاورة ومنها الى روسيا.

وفي 2015 أكد مسؤول روسي كبير أن أهداف طالبان "تلتقي" مع أهداف موسكو لجهة مكافحة التنظيم الجهادي فيما دعا الرئيس الافغاني السابق حامد قرضاي روسيا الى انخراط أكبر في بلاده.

وأوضح لافروف بعد ذلك بعامين أن روسيا تبقى على اتصال بطالبان فقط "لضمان أمن مواطنين ومؤسسات روسية" في افغانستان ول "دعوتهم الى حوار مع الحكومة" الافغانية.

-مخاطر انقسامات-

قال المحلل سيرينكو ان "طالبان التي لا تحترم الا القوة، تتحدث اليوم اللغة ذاتها مع روسيا" مشيرا الى أن تسوية في افغانستان ستتيح لموسكو تركيز الضوء على الفشل الأميركي في البلاد وسط أجواء من التوتر مع العواصم الغربية.

وأشار المحلل المستقل اركادي دوبنوف الى ان "من سخرية القدر ان روسيا تواجه اليوم مرة أخرى الولايات المتحدة في أفغانستان".

مستفيدة من تجربتها الكارثية في افغانستان زمن الاتحاد السوفياتي السابق، تحاول روسيا اليوم ان لا تدخل في منافسة مع واشنطن او أن تسعى لتكون بديلا منها في هذا الملف الشائك. وتسعى في المقابل الى ايجاد قناتها الخاصة قبل انتخابات 20 تموز/يوليو 2019 التي تراهن فيها على فوز محمد حنيف أتمار، بحسب سيرينكو.

غير ان الخبير الاميركي مايكل كوجيلمان رأى أن الاستراتيجية الروسية قد تكون محفوفة بالمخاطر، ف"من خلال حضها المعارضة الافغانية على الحوار مع طالبان، فان موسكو قد تحدث تفككا في عملية سلام هشة أصلا، وقد تتسبب بأزمة جديدة داخل الحكومة الأفغانية التي تشهد انقسامات عميقة".
&