موسكو: مع تسجيل درجات حرارة جليدية، يتجمع نحو 30 شخصًا بلا مأوى حول جهاز تلفزيون في أحد الملاجئ القليلة المخصصة للمشرّدين في موسكو بعيدًا عن وسط المدينة.

يدّون موظف يضع قناعًا طبيًا للحدّ من خطر الإصابة بالأمراض المعدية، أسماء الوافدين الجدد في المركز الذي يعمل على مدار الساعة في ليوبلينو، إحدى ضواحي جنوب شرق العاصمة الروسية المترامية الأطراف. وفي الجزء الخلفي من غرفة تسجيل الأسماء، تبكي امرأة جالسة على كرسي متحرك بصمت.

يقول سيرغي تيموشنكوف مدير المركز الذي يضم ألف سرير "هذا مركز نموذجي لروسيا". ويقدّم هذا المركز إلى مشرّدي العاصمة مكانًا للاستحمام وتناول الطعام وتبديل الملابس، فضلًا عن المشورة القانونية والدعم النفسي.

عادة ما يشترط على الأشخاص الآتين إلى المركز ألا يكونوا تحت تأثير الكحول، لكن هذه القاعدة تعلّق خلال فصل الشتاء عندما قد تعني تمضية الليل في الشارع الموت. وفي السنوات العشر الأخيرة، كان المركز طليعيًا في جهود سلطات المدينة لمعالجة مشكلة المشرّدين فيها.

وصمة عار
خلال الحقبة السوفياتية، كان الأشخاص المشرّدون يلاحقون، وتجري مقاضاتهم بموجب قوانين مكافحة التسول. وقد ارتفع عددهم بشكل كبير خلال التسعينات مع الانهيار الاقتصادي الذي أتى نتيجة سقوط الاتحاد السوفياتي وتفككه.

اليوم، تضم العاصمة ستة مراكز لإيواء المشرّدين، هي ليوبلينو، وخمسة أصغر منه. وقد أشادت منظمات غير حكومية متخصصة في هذا المجال بجهود موسكو على هذا الصعيد.

لكن البعض ينتقد هذه السياسة القائمة بنظرهم، على انتزاع مجموعة ما زالت تواجه وصمة اجتماعية من وسط المدينة، فيما تواصل موسكو موجة من التطوير العقاري، تسارعت، قبل تنظيم بطولة كأس العالم فيها خلال العام الماضي.

تقول داريا بايباكوفا من منظمة "نويشسكا" غير الحكومية، التي تعمل مع المشرّدين، "السياسة الحالية تقضي بوضع المشرّدين في أماكن بعيدة عن الأنظار". وهي تعتبر أن موسكو يجب أن تتمتع بمنشآت في كل منطقة بدلًا من إقامتها فقط في "المناطق الصناعية النائية"، مشيرة إلى التأثير الدائم الذي خلّفته "سنوات طويلة من نبذ" المشرّدين.

وفي أكتوبر، اضطرت هذه المنظمة للتخلي عن مشروع لفتح مكان يضم مغاسل آلية للمشرّدين قرب وسط المدينة، بضغط من السكان. وقالت بايباكوفا "هدد بعض السكان المحليين بضرب طاقم العمل، وإضرام النار في المكان، وحتى قتل المشرّدين".

صقيع وبتر أطراف&
مع ذلك، حقق مركز ليوبلينو وسياسة موسكو الأوسع نطاقًا نتائج. ففي العام 2003، توفي 1200 مشرّد في موسكو بسبب البرد القارس، وفي شتاء 2017-2018، بلغ عدد الوفيات 11 شخصًا. وقد أمضى يوري، الذي بُترت ثمانية من أصابعه وساقاه بعد تعرّضه للصقيع، الليل، في هذا المأوى مع صديقته. وهو يتحدر من مدينة دونيتسك في شرق أوكرانيا، الواقعة حاليًا في قلب الصراع بين كييف والمتمردين الانفصاليين المدعومين من روسيا.

يقول يوري إنه أضاع جواز سفره في روسيا، ولا يستطيع التقدم بطلب للحصول على واحد جديد، ما يعني أنه لا يسمح له بالحصول على مسكن شعبي في المدينة. يضيف "سيتوجب علينا الرحيل قريبًا" بلا &إيضاح المكان الذي قد يذهب إليه الثنائي بعد موسكو.

نقل المشرّدين إلى المركز
تقوم 30 مركبة بدوريات في الشوارع لجمع المشرّدين، ونقلهم إلى المركز، الذي يبعد حوالى 15 كيلومترًا عن وسط المدينة. ويقول إيراكلي كاكابادزي، وهو أحد أفراد فرق الدوريات، "منذ بدأنا ننظم دوريات، انخفض عدد المشرّدين كثيرًا، لأننا بدأنا ننقلهم، ونهتم بهم".

في بعض الأحيان، ترتب الفرق عودة الأشخاص إلى مناطقهم الأساسية في أماكن أخرى في روسيا. من الصعب الحصول على أرقام موثّقة لعدد المشرّدين في موسكو، لكن البلدية تقدر بأنه 14 ألف شخص، من أصل 12 مليون نسمة في العاصمة.

تشارك حافلة كاكابادزي بأعمال الدورية حول ساحة مركزية يتجمع فيها العديد من المشردين في المدينة بقرب ثلاث محطات قطار رئيسة. وحتى العام الماضي، كانت تُنصب خيمة كبيرة في هذا المكان، لينام فيها المشرّدون، بلا الحاجة إلى نقلهم خارج المدينة.

يقول إيفان، وهو مشرّد يبلغ 63 عامًا، عاش في موسكو 15 سنة، "عندما بدأت مسابقة كأس العالم لكرة القدم، أزالوا الخيمة من مكانها"، مضيفًا إنه يتفهّم أن "رائحة" الخيمة ومكانها قد تثيران اشمئزاز المحليين والسيّاح. والآن، نقلت تلك الخيمة في شكل دائم في ليوبلينو.

كل الخدمات في مكان واحد
تقول ناتاليا نايديون، التي عملت في فرق الدورية منذ إنشائها في العام 2009، إن الخيمة تفيد أكثر خارج المدينة. وتوضح لوكالة فرانس برس "من الأفضل أن تكون الخدمات كلها في مكان واحد".

يدافع مدير المركز عن موقعه، لأن وسائل النقل العام تصل إليه، وهو "بعيد عن المناطق السكنية لتجنب الإزعاج". وتشيد إيفا بيرتراند مديرة منظمة "سامو سوسيال موسكفا" الروسية غير الحكومية، بالذي تحقق حتى الآن في روسيا.

وتقول "في روسيا، مشكلة المشرّدين هي مشكلة حديثة حلّت بطرق قمعية خلال حقبة الاتحاد السوفياتي"، مضيفة "يمكن أن ننتقد، لكن علينا الاعتراف بأن موسكو طوّرت أدوات للمعالجة كانت محل نقاش".
&