أفاد عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج، أن النموذج المغربي هو الأقرب لروح العلمانية من الكاثوليك والبروتستانت، لأنه حقق المضامين الكبرى للنظام العلماني، بخيارات سياسية انخرط فيها المجتمع.

إيلاف من الرباط: قال بوصوف في محاضرة علمية ألقاها بعنوان "النموذج المغربي و التحديات المعاصرة"، مساء الخميس، في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط: "هناك نقطة قوة أساسية ينفرد بها المغرب مقارنة بالعالم الإسلامي، أعتبرها علمانية بالنسبة إليّ، وهو ما يظهر انطلاقا من إعطاء الملك محمد السادس تعليماته بإنشاء متحف للثقافة اليهودية المغربية أخيرًا في مدينة فاس، ومدرسة لتعليم التلمود بالدار البيضاء، بهدف تكوين حاخامات، إضافة إلى احترام الحريات بما فيها حرية المعتقد".

واعتبر أن النموذج المغربي لا يجد صعوبة في الانفتاح على الآخرين بمختلف معتقداتهم، باستيعابه وإدماجه لمختلف المكونات والطوائف والديانات.

عبد الله بوصوف الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج

وأوضح أن السؤال يطرح على هذا النموذج بعد الأحداث الإرهابية التي يعيشها العالم، علمًا أن المغرب كان في منأى نسبيًا عما عرفته الدول العربية والإسلامية، خاصة بعد أحداث "الربيع العربي" نتيجة للتراكمات المجتمعية التي حققها والنموذج المغربي الذي نظر إلى وحدة البلاد والاستقرار والتدين المعتدل الوسطي المحترم للآخرين".

أشار إلى وجود تقصير في خدمة هذا النموذج على مستوى التنظير والكتابة والبحث ليكون في متناول الآخرين، لأن "الحرب" أو النزاع الذي يعيشه العالم متسم بمحاولة السيطرة لدى بعض الأشخاص اعتمادًا على توجهات وأفكار لا يمكن أن تواجه إلا بالإنتاج المعرفي الذي يكاد يكون منعدمًا، خاصة باللغة العربية، وهو ما دفعه إلى الاشتغال على الموضوع، من خلال مؤلفه "ملكية مواطنة في أرض مسلمة.. كيف استطاع محمد السادس وضع ركائز نموذج ديني كوني".

يرى بوصوف أن البيعة أساسية، وليست مسألة رمزية، لأنها مبنية على توافقات مجتمعية، تعادل العقد الاجتماعي في الفكر السياسي وتستجيب لمقتضيات الديمقراطية".

بوصوف في حديث مع أساتذة وأكاديميين مغاربة

واعتبر أن النموذج المغربي يتسم بالكونية، لأنه تجاوز المحلية بوجوده في أوروبا خلال أيام الأندلس، وحلوله حاليًا في أفريقيا.
وأفاد أن تقديم النموذج المغربي للعالم يتم وفق شروط، منها ما هو معرفي، لأن الاختيارات المغربية تستجيب للحاجيات النفسية والسلوكية مع نظام إمارة المؤمنين الذي يسنده، والذي لا يوجد في دول إسلامية، لكونها ليست مرتبطة بنظام سياسي.

زاد قائلًا: "هناك شرط الحوارية أو التفاوضية باختيارات لم تقم على إقصاء الآخرين، بل أوجدت خليطًا يجمعهم، من مسلمين ويهود ومسيحيين، الاختيار المغربي لم يؤسس للتعايش والتسامح، وإنما التداخل والتمازج بانصهار مختلف المكونات، فضلًا عن شرط الواقعية، حيث إن التطبيق لا يتم بشكل قسري من دون مراعاة الظروف والأعراف، بفقه يتعامل مع الواقع ولا يغضّ الطرف عنه".

أحاديث جانبية لبوصوف

وأوضح بوصوف أن قضية العقل والروح حلت بشكل تكاملي في النموذج المغربي، بعيدًا عن الصراع، وبشكل مختلف عما شهده الغرب، الذي جرب الروح، فكانت محاكم التفتيش في القرون الوسطى، ثم الحرب العالمية الأولى والثانية، حينما جرب العقل.

قال إن أكبر تحد مرتبط بالإنسان يشمل البعد الثقافي، الذي سيؤدي اندثاره إلى انقراض الحضارة الإنسانية برمتها، في ظل ما يعيشه من تهديد اليوم أكثر من أي وقت مضى.

جانب من الحضور

واعتبر أن سياسات الاندماج في الغرب فشلت، لأنها قائمة على إلغاء شخصية وهوية وثقافة الآخر. وقال الأمين العام لمجلس الجالية المغربية في الخارج إن بلاده من أغنى الدول في ما يخص المحافظة على التعدد والتنوع الذي ترجمه الدستور، بتناوله للشخصية المغربية العربية والأمازيغية والأفريقية، في إطار من الوحدة والتوازن.

ودعا بوصوف إلى ثورة في تدريس الإسلام إلى جانب العلوم الأخرى من أجل حماية الأجيال الصاعدة واستجابتها لمقتضيات العصر.
&