دعاية لتطبيق واتش ات
Getty Images

حالة من الجدل أثارها خبر استحواذ منصة مصرية إلكترونية على حقوق البث الرقمي الحصري لكل الإنتاج السابق والحالي للتلفزيون المصري.

ودُشنت منصة إلكترونية تحمل اسم "واتش ات" (Watch It) مع بداية شهر رمضان بهدف الحصول على حقوق بث حصرية للإنتاج الدرامي المصري مقابل اشتراك مادي.

لكن دائرة نشاط الشركة التي أطلقت ذلك التطبيق اتسعت لتمتد لكامل التراث التلفزيوني من برامج ومسلسلات وغيرها من المواد.

وأطلقت "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية" المسيطرة حاليا على أكبر الكيانات الإعلامية المصرية، منصة "واتش ات" التي لم تلق في البداية رواجا كبيرا، غير أن الشركة قبل أيام وقعت بروتوكولا مع الهئية الوطنية للإعلام ممثلا عن التلفزيون المصري، حصلت بموجبه على امتياز البث الرقمي الحصري للإنتاج التلفزيوني.

وقالت الهئية في بيان إن هذا البروتوكول يأتي في إطار الحفاظ على المحتوى الفني للتلفزيون المصري. وأضافت أن المحتوى سيطرح عبر تطبيق المشاهدة الجديد كحق استغلال وليس بيع، مؤكدة على الحفاظ على كامل الحقوق المادية والفكرية للهئية.

لكن التفاصيل المادية لهذا الاتفاق تظل مجهولة. فلا يُعرف على وجه الدقة نسبة العائد الذي سيجنيه التلفزيون المصري بموجب هذا الاتفاق الجديد مقارنة بهامش الربح الذي ستحققه الشركة.

من سيشاهد التراث؟

ويرى محمد شومان، عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية في القاهرة، أن "رهان واتش ات على تراث ماسبيرو سيكون رهانا متواضعا، وقد لا يحقق العائد المرجو منه."

ويقول إن أغلب مشاهدي هذه المنصات الإلكترونية هم من الشباب الذين "لن يهتموا، في مجملهم، بأشياء تنتمي للماضي بل سيبحثون عما يعبر عن حاضرهم. فتراث ماسبيرو لا يخاطب الأجيال الجديدة".

ويضيف: "الشركة تستخدم وسائط غير تقليدية للترويج لمحتوى تقليدي. فأعتقد أن هذا التراث لن يجد جمهورا واسعا عبر المنصة الرقمية".

ويضيف شومان أن المسلسلات والبرامج القديمة تمثل أهمية لدى كبار السن لأنها جزء من ذاكرتهم، مشيرا إلى أن هذه الفئة العمرية من المشاهدين "قد لا تجيد التعامل مع الوسائط الإلكترونية الحديثة، وتفضل المشاهدة عبر شاشات التلفزيون التقليدية".

ويرى أن القوانين في مصر لا توفر مظلة كافية لحماية التراث مستشهدا على ذلك ببيع المئات من أصول الأفلام المصرية لشركات عربية في تسعينيات القرن الماضي. ويضيف "على الأقل يظل تراث ماسبيرو في أيدي شركة مصرية."

ويأمل شومان أن تسهم المنصة الرقمية في ترميم أي مواد تلفزيونية قد يكون أصابها التلف.

احتكار للتراث أم حفاظ عليه؟

لكن ما أن ذاع الخبر بشأن سيطرة تطبيق "واتش ات" على التراث التلفزيوني حتى تعالت أصوات المنتقدين على مواقع التواصل الاجتماعي. واعترض مغردون على احتكار التراث الذي اعتبروه "ملكية عامة" للمصريين بل واستنكروا تحديد رسوم مادية لإتاحة مشاهدته.

وتساءل رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن مصير قناة "ماسبيرو زمان" التلفزيونية المتخصصة في بث تراث التلفزيون. وأعرب بعضهم عن خشيته من أن تتعرض للإغلاق خلال الفترة المقبلة. لكن بحسب ما أتيح من معلومات، فإن الاتفاق المبرم بين الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية والهيئة الوطنية للإعلام يتعلق بالبث الرقمي وليس التلفزيوني.

وبعد توالي ردود الأفعال المنتقدة لتلك الخطوة، أوضح القائمون على تطبيق "واتش ات" أن هذه المنصة الإلكترونية مملوكة للدولة المصرية وأنها تهدف لحماية وحفظ المحتوى الفني لأرشيف التلفزيون المصري، وأكدوا أنهم لن يسمحوا بمزيد من إهدار الحقوق على حد وصفهم.

ويرى المدافعون عن هذا التحرك أنه محاولة لإنقاذ التراث التلفزيوني من العبث به بأشكال متعددة، سواء من خلال عمليات القرصنة الإلكترونية أو سوء تخزين المواد المسجلة في مكتبات التلفزيون، مما يعرضها للتلف مع مرور الزمن.

لكن بعض صناع الدراما الذين شاركوا في تكوين هذا التراث يسجلون اعتراضا واضحا على هذه الخطوة التي يرون أنها "احتكارية".

ويقول الكاتب والسيناريست وحيد حامد: "الفن والإبداع لا يمكن وضعه في قفص. أنا ضد الاحتكار. يجب أن تظل نوافذ الوعي مفتوحة للجميع وبالمجان".

صناع الدراما

ويقول حامد إنه سيشعر بالحزن عندما يرى أعماله التلفزيونية باتت حكرا على منصة رقمية بعينها لا يمكن للجمهور أن يشاهدها إلا بعد أن يدفع رسوما.

وقدم حامد للتلفزيون مجموعة من أبرز المسلسلات منها "أحلام الفتى الطائر" لعادل إمام، و"البشاير" لمحمود عبد العزيز ومديحة كامل، و"أوان الورد" ليسرا وهشام عبد الحميد، و"العائلة" لمحمود مرسي.

ويرى أن الهدف الأساسي من هذه الخطوة هو المكسب المادي، مضيفا أن "الإعلام ليس تجارة ولا مصدر دخل. ففي الشعوب التي ترتفع فيها نسبة الأمية، مثل شعوبنا، يظل الإعلام وسيلة أساسية لرفع الوعي ونشر الثقافة". ويقول إن التراث التلفزيوني يربط الأجيال الجديدة بتاريخ البلاد ويعرفهم على موروثها الثقافي".

ويؤكد حامد على ارتباك المشهد الإعلامي في مصر حاليا حيث ابتعد تماما عن دوره الرئيسي وهو بناء فكر المواطن المصري، على حد قوله. ويضيف "عندما كنا نكتب أعمالنا كنا نشعر بنبض المجتمع ونخلص لشرف الكلمة، وندرك دورنا تجاه هذا المجتمع. لم نكن نبحث عن مجد شخصي أو مكسب مادي."

ويختتم متساءلا: "هل يمكن أن نشيد سورا عاليا حول الأهرامات مثلا ونحرم المصريين من رؤيتها؟ هل يمكن أن نمنع زيارة الآثار المصرية؟ مستحيل. كذلك الفن والفكر يجب أن يظل متاحا للجميع بالمجان عبر جميع الوسائط."

وبينما يسجل المعترضون احتجاجاتهم سواء عبر التصريحات أو على مواقع التواصل الاجتماعي، لا تزال الشركة تعتقد أن المصلحة العامة تفرض عليها المضي في تنفيذ بنود الاتفاق.