واشنطن: دونالد ترمب المعروف بتصريحاته الحربية وتهديداته بزرع القتل والدمار، هو أيضا من أشد منتقدي التدخلات العسكرية الأميركية، كما يؤكد بشكل واضح إعلانه عن إلغاء ضربات جوية على إيران في اللحظة الأخيرة.

والملف الإيراني الذي بلغ مستويات جديدة من التوتر بعد تدمير طهران طائرة مسيرة أميركية الخميس، يكشف إلى العلن تردد لا بل تناقضات ترمب الذي وصل إلى سدة الحكم دون أي خبرة سياسية أو دبلوماسية.

ودافع ترمب الخميس عن قراره التراجع في اللحظة الأخيرة -- قبل عشر دقائق من بدء الضربة -- لانه أراد تجنب اتخاذ خطوة غير متكافئة بالنسبة للهجوم الذي لم يؤد إلى سقوط ضحايا أميركيين.

لكن أحداث الأيام الأخيرة التي قد تكون من اللحظات المهمة في رئاسته، تثير تساؤلات حول استراتيجيته ومقاربته للملفات الجيوسياسية المعقدة.

وترمب الحريص على الحفاظ على قاعدته الانتخابية والوعود التي قطعها خلال حملته الانتخابية في 2016، يؤكد أن الحروب العديدة في الشرق الأوسط كلفت الولايات المتحدة كثيرا من الناحية المادية والخسائر البشرية.

وقال الخميس في المكتب البيضاوي "قلت اني أود الخروج من هذه الحروب التي لا تنتهي. ركزت حملتي على هذا الموضوع".

لكن الرئيس الأميركي غالبا ما يستخدم لهجة حربية من التغريدات العفوية إلى الخطابات الرسمية.

فبعد أن توعد كوريا الشمالية ب"نشر النار والغضب" هدد إيران بتدميرها بكل بساطة. وكتب في تغريدة منتصف أيار/مايو "إذا أرادت إيران المواجهة ستكون نهايتها رسميا. لا تهديدات بعد اليوم للولايات المتحدة!".

ويفتخر ترمب بانتهاج استراتيجية مغايرة لأسلافه ارفقت برفع الموازنة العسكرية، ما قد يرغم خصوم واشنطن على اللجوء إلى التفاوض. لكن مراقبين ومعارضين يشعرون بالقلق من مخاطر إنزلاق.

وأعلن زعيم الديموقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر الخميس أنه "لا يريد الرئيس ربما خوض حرب لكننا نخشى من أن يقع في حرب عن طريق الخطأ".

من جهته قال روبرت غاتمان من جامعة جون هوبكينز "إنه متردد. ليس لديه استراتيجية واضحة".

- مقارنة مع أوباما؟ -

يرى روبرت مالي رئيس مجموعة الأزمات الدولية أن دونالد ترمب حائر في الملف الإيراني أكثر من أي شيء. وتساءل "هل يتوخى الحذر أو يظهر كالرجل القوي الثابت في مواقفه".

ويقول مستشار باراك أوباما السابق لوكالة فرانس برس "لا يريد أن يكون محاربا لكن في المقابل لا يريد أن يظهر كشخص يخاف الحرب".

والنقيض الآخر هو أن ترمب الذي سخر دائما من تردد سلفه وأكد أنه سيسلك خطا مغايرا تماما لأوباما، أصبح يقارن بالأخير لتردده في استخدام القوة.

وفي 2018، كتب ترمب في تغريدة "لو احترم الرئيس أوباما الخط الأحمر الذي حدده بنفسه لكانت الكارثة السورية انتهت منذ زمن بعيد!".

وبعد أن أعلن أن الولايات المتحدة مستعدة لضرب أهداف للنظام السوري بعد هجوم بالأسلحة الكيميائية، تراجع الرئيس الديموقراطي عن قراره ما فاجأ الجميع.

والأكيد هو أن نظيرتي الرئيسين الأميركيين ال44 وال45 إلى العالم مختلفتان تماما لكن استنتاجاتهما واحدة : لم يأت التدخل العسكري الأميركي في الشرق الأوسط بالنتائج المرجوة منقبل الذين دافعوا عنه.

وفي هذا الخصوص يؤكدان أن العديد من الأميركيين سئموا من التدخلات الخارجية غير الواضحة المعالم والجدول الزمني غير المحدد.

وتبقى مسألة استراتيجية ترمب على الأجل المتوسط حيال الجمهورية الإسلامية عالقة بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الذي تفاوضت بشأنه إدارة أوباما.

ويرى روبرت مالي أن ترمب يعتمد نظرية مماثلة مع إيران وفنزويلا وكوريا الشمالية : تصريحات حربية وضغوط اقتصادية ودبلوماسية قصوى ووعد واحد "إذا كنتم على استعداد لقبول شروطنا الباب مفتوح لعلاقة استثنائية مع الولايات المتحدة".

وتساءل الخبير "ما مصير هذه الاستراتيجية الثنائية إذا وصلت إلى طريق مسدود؟". ما مصير استراتيجية الرئيس الأميركي "إذا كانت الضغوط تزيد من التشدد الإيراني عوضا عن دفع طهران نحو الاعتدال كما هو الحال؟".