خوفًا من نيلها من الأمن العام، يرى قراء "إيلاف" أن الدول العربية بحاجة إلى تشريعات تحارب الأخبار الكاذبة، على الرغم من توافر بدائل لدحض هذه الأخبار، وعلى الرغم من الخوف من تحوّل هذه القوانين إلى سيوف مسلطة على رقاب الصحافيين.

إيلاف: العالم اليوم مبتلىً بآفة ولا كل الآفات، يستدعي الخلاص منها الكثير من الجهود ومن التعاون بين الدول. إنها آفة الأخبار الكاذبة والمضللة، التي ساهمت العولمة وأدواتها التقنية "العنكبوتية" في تفشيها.

ربما يكون أول خبر كاذب أو مفبرك في العصر الحديث هو خطاب وزير الخارجية الأميركي السابق كولن بأول في 5 فبراير 2003 أمام مجلس الأمن الدولي، حين عرض ما سماها أدلة دامغة على امتلاك العراق أسلحة دمار شامل وإيوائه عناصر القاعدة. ففي 31 ديسمبر 2010، نسبت "لونوفيل أوبسرفاتور" إلى باول نفسه اعترافًا بأن ذلك الخطاب الذي دفع إلى احتلال العراق كان مُفَبْرَكًا.

هاجس الأمن
سألت "إيلاف" القارئ العربي في استفتائها الأسبوعي: "هل تعتقد أن الدول العربية بحاجة إلى قوانين لمحاربة الأخبار الكاذبة؟". شارك في هذا الاستفتاء 442 قارئًا، أجاب 353 منهم بـ "نعم" (بنسبة 80 في المئة)، بينما أجاب 89 منهم بـ"لا" (بنسبة 20 في المئة).

إن الفارق الكبير بين أنصار "نعم" وأنصار "لا" في هذا السياق دليل أول على خوف المواطن العربي من تفشي الأخبار الكاذبة، لما لها من دور في تصديع الأمن وزعزعة الاستقرار في الدول العربية، وهي التي تقف في الأصل على كف عفريت، منذ هبوب رياح تغيير الربيع العربي في عام 2010.

ولأن الأمن والاستقرار هاجسا&الدول العربية&والمواطنين العرب في دولهم كلها، ينحو الجميع إلى القبول بتشريعات تحارب مسألة تفشي الأخبار الكاذبة. فقد بادرت دول عربية عديدة في السنوات الماضية إلى سنّ قوانين تقضي بسجن الصحافيين إذا نشروا أخبارًا ربما تكون "كاذبة" أو "ملفقة"، على الرغم من أن بعض الأخبار التي اعتبرتها الأنظمة ملفقة إنما هي أخبار لا تؤاتيها فحسب.

حكومات بادرت
عدلت الحكومة الأردنية قانون الجرائم الإلكترونيّة الصادر عام 2015، والذي تضمّن تجريم الشائعات والأخبار الكاذبة، على أن تتراوح العقوبة بين ثلاثة أشهر وسنتين. والمادة 13 من مشروع القانون المعدل، جرّمت نشر أو بث الشائعات والأخبار الكاذبة بحق أي شخص طبيعيّ أو معنويّ، عن قصد وبسوء نية.

البحرين عدّلت في عام 2012 قانون العقوبات بمواده المتعلقة بإذاعة الأخبار الكاذبة وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وتوظيفها لزعزعة الأمن، فارضةً السجن مدة لا تزيد على سنتين، وغرامة لا تتجاوز مئتي دينار، أو إحدى العقوبتين، في حق من أذاع عمدًا أخبارًا كاذبة مع علمه بأنها ربما تحدث ضررًا بالأمن الوطني أو بالنظام العام أو بالصحة العامة.

في فلسطين، نصت المادة 62 على العقوبة بالسجن ثلاث سنوات لكل من نشر أو ردد قولًا أو إشاعة أو خبرًا من شأنه أن يسبب خوفًا أو رعبًا للناس، أو أن يكدر صفو الطمأنينة العامة، وهو عالم أو لديه ما يحمله على الاعتقاد بأن ذلك القول أو الشائعة أو الخبر عار من الصحة.

في سبتمبر 2018، بدأت مصر تفعيل قانون لتنظيم الصحافة والإعلام، يسمح بمراقبة بعض حسابات مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، المعروف بقانون مكافحة "الأخبار الكاذبة". ونشرت الجريدة الرسمية أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي صادق على القانون، الذي أقرته غالبية نواب البرلمان، وبموجبه يحق للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والمشكل بقرار رئاسي عام 2017، متابعة كل موقع إلكتروني شخصي أو مدونة إلكترونية شخصية أو حساب إلكتروني شخصي، يبلغ عدد متابعيه 5 آلاف أو أكثر". وللمجلس الأعلى الحق في وقف أو حجب هذه الحسابات الشخصية في حال "نشر أو بث أخبار كاذبة أو ما يدعو أو يحرض على مخالفة القانون أو إلى العنف أو الكراهية".&

وسارت على الدرب نفسه دول عربية أخرى كلبنان والعراق وتونس والجزائر والمغرب.

المطلوب وعي رقمي
هناك مجالات يكون المنع فيها ضروريًا: التطرف والإرهاب وخطابات الكراهية، لكن نشر أي خبر في النظم الديمقراطية يخضع لقوانين حرية التعبير.

ترى منظمة هيومن رايتس ووتش أن هذه القوانين العربية يكتنفها تقييدٌ لحرية التعبير بشكل مفرط، داعيةً إلى إلغاء كل أحكام قانونية من شأنها تقيّد حرية التعبير بحجة منع الأخبار الكاذبة، وإلى عدم إضافة أحكام أكثر غموض مثل الأخبار الكاذبة التي من شأنها أن تكبح أي نقاش عام مهم حول القضايا المهمة في الدول العربية.

بحسب المنظمة، بدلًا من إدخال مفاهيم مبهمة جديدة مثل الأخبار الكاذبة، ينبغي إلغاء أي أحكام تهدد قدرة المواطنين على المشاركة في المحادثات عبر الإنترنت، حتى لو كانت تتعلق بموضوعات تراها السلطات حساسة، خصوصًا أن القوانين العربية، القديمة والمستحدثة، لا تضع تعريفًا واضحًا للشائعة، علمًا أن هذه القوانين تعاقب أيضًا على فعل القدح والذم، وتُتّخذ ذريعةً لاعتقال الناشطين وملاحقتهم، ومنع التظاهرات الاحتجاجية، وفرض القيود على النقابات وهيئات المجتمع المدني، في ما ينحو ناحية تقييد كل حرية للتعبير.

ويرى خبراء في هذا المجال أن في سنّ القوانين العربية بعضًا من التسرع، لهذا ينتهي بها الأمر إلى أن تكون غير مؤثرة، وأن تعزز أحيانًا أسباب نشوء الأخبار الكاذبة. فالكل يتحدث عن تداعيات هذه الأخبار، لكنّ أحدًا لا يتناول أسباب نشوء الأخبار الكاذبة، وتحولها ظاهرة عامة. فربما الملحّ هنا العمل على نشر وعي رقمي، يحدّ من انتشار الشائعات، ووضع الكثير من الأدوات التقنية المتوافرة بين أيدي الناس، لمساعدتها على التفريق بين الحقيقي والملفق، خصوصًا على وسائل التواصل الاجتماعي.

بدائل ممكنة
بعيدًا عن نقاش حسنات القوانين أو سيئاتها، ثمة أدوات يمكن أي موقع أن يستخدمها لمحاربة الأخبار والصور المزيفة مثل: Tineye، Izitru، Photoforensics، وGoogle Images. ووفقًا لشبكة الصحافيين الدوليين، هناك مبادرات شبابية عربية للتحقق من الأخبار الكاذبة والمفبركة من أهمها:

- موقع "أخبار ميتر": مرصد إعلامي رقمي شامل يقوم بترتيب القنوات الإعلامية تبعًا لمصداقيتها والتزامها المعايير المهنية والأخلاقية. يقوم فريق الموقع باتباع منهجية علمية لتفنيد الأخبار الكاذبة والمفبركة.

- موقع "ده بجد": فريق شبابي يقوم بتفنيد الشائعات المنتشرة بكثرة على منصات التواصل الاجتماعي، وهو من أوائل المواقع التي انتبهت إلى خطورة الشائعات وعمل على مواجهتها باستخدام الأدوات والتطبيقات المتخصصة في تحليل الصور المفبركة.

- موقع "فتبينوا": مشروع شبابي توعوي يهدف إلى تنقية المحتوى العربي من الخرافات والشائعات، والأكاذيب في مختلف المجالات.

- منصة "تأكّد" السورية: مشروع إعلامي تم إنشاؤه لكثرة الشائعات والأخبار المغلوطة التي تنشرها مؤسسات الإعلام البديل في سوريا. فهذه المؤسسات تضخ يوميًا كمًّا هائلًا من الأخبار والصور المتعلقة بالشأن السوري، وبالتالي يهدف المرصد إلى بيان الحقيقة للقارئ.&

- صفحة "متصدقش" على موقع فايسبوك: توظف الصفحة رسوم غرافيك لإيضاح حقيقة الأخبار، من خلال نشر "بوستات" هي عبارة عن صورة مقسومة إلى نصفين يحتوي الجانب الأيمن منها الجزء المفبرك من الصورة، والجانب الأيسر يوثق حقيقة الصورة.