باريس: تنوي فرنسا، بالتوافق مع دول أوروبية أخرى، ممارسة ضغوط على الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال جولته الأوروبية في مطلع أيار (مايو)، لاستخدام نفوذه على روسيا في سبيل إيجاد حلّ للحرب في أوكرانيا، ولكن من دون أمل كبير في إحراز تقدّم، وفق محلّلين.
ويصل الرئيس الصيني إلى باريس الأحد، قبل أن يتوجه إلى صربيا ثمّ المجر.
وتقول باريس إنّها "تعتزم تعزيز الحوار على أعلى مستوى" مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم بشأن الكثير من القضايا التي تتعلّق بالأزمات الدولية والتحديات التجارية والمناخية وحتى التبادل الثقافي. غير أنّ القضية الرئيسية بالنسبة إليها تتمثّل في التذكير بأنّ "الموضوع الأول بالنسبة إلى أوروبا مع الصين هو موقفها من أوكرانيا".
وفي هذا الإطار، شدّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقابلة مع مجلة "ذي إيكونوميست"، على أنّه "ليس من مصلحة الصين اليوم أن تكون هناك روسيا مزعزعة لاستقرار النظام الدولي... ولذلك يتعيّن علينا أن نعمل مع الصين لبناء السلام".
وكان المستشار الألماني أولاف شولتس طلب من شي جينبينغ في نيسان (أبريل)، "العمل من أجل السلام".
"محكوم بالفشل"
يقول مارك جوليان مدير مركز آسيا في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية لوكالة فرانس برس، إنّ هذه كانت "الأولوية المعلنة والرسمية" لإيمانويل ماكرون خلال زيارته الصين قبل عام. ويضيف أنّ الفكرة بالنسبة إليه "كانت إقناع الصين... وجعل (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين يستمع إلى المنطق. غير أنّ الأمر كان محكوماً بالفشل".
يتردّد هذا الرأي على لسان دبلوماسي أوروبي سابق، ويقول "تتوقع فرنسا والاتحاد الأوروبي أن يستخدم نفوذه على روسيا، لكن ليس لدى شي جيبينغ ما يقدّمه بشأن أوكرانيا".
وفي هذا الإطار، يشير جوليان إلى أنّ "الصين لم تفعل شيئاً بشأن أوكرانيا" باستثناء اقتراح نصّ من 12 نقطة في شباط (فبراير) 2023 "للبحث عن تسوية سياسية للأزمة الأوكرانية" الأمر الذي باء بالفشل.
تعلن الصين حيادها، ولم تدِن قط الغزو الروسي لأوكراينا. غير أنّ واشنطن تتهمها بتقديم مساعدات حاسمة لروسيا. ويقول وزير الخارجية أنتوني بلينكن إنّها "المورّد الرئيسي للآلات والإلكترونيات الدقيقة وأشباه الموصلات المتفجّرة التي تعتبر ضرورية لتصنيع الصواريخ والذخائر، بالإضافة إلى المكوّنات الأخرى ذات الاستخدام المزدوج التي يمكن أن تستفيد منها موسكو لتعزيز صناعتها الدفاعية".
لكنّ بكين ترفض هذه الاتهامات، وتؤكد أنّها تحترم قواعد التصدير.
مع ذلك، سيتناول ماكرون "مخاوف" قائمة بشأن "نشاط بعض الشركات في ووهان والتي قد تكون تشارك بشكل مباشر أو تساهم بشكل كبير في المجهود الحربي الروسي"، حسبما ينقل عنه مقرّبون منه.
"مواجهة الغرب"
تقدّم الصين دعماً للاقتصاد الروسي، مع ارتفاع حجم التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 30 في المئة تقريباً في العام 2022، في اتجاه شهد نمواً في العام 2023، وفقاً لأليس إيكمان من معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية (IESIE).
وقفزت واردات النفط الروسي في الصين بنسبة 55 في المئة في أيار (مايو) 2021 وأيار (مايو) 2022، لتصبح موسكو تاليا المورد الرئيسي للنفط إلى الصين، وفقاً لأرقام الجمارك الصينية التي استشهدت بها إيكمان في مقال حول "التقارب الكبير" بين الصين وروسيا.
بالنسبة لخبراء عدة، تعتبر بكين موسكو شريكاً أساسيا في معارضتها للولايات المتحدة وفي وضع الخطوط العريضة لنظام عالمي جديد لما بعد الغرب.
ويقول إيمانويل لينكو الأستاذ في المعهد الكاثوليكي في باريس إنّ "الأولوية بالنسبة لشي جينبينغ هي دول الجنوب..."، مضيفاً أنّ "هناك تطابقاً في العلاقات الثنائية الصينية الروسية، خصوصاً في الرغبة في مواجهة الغرب". ولكنه يشير إلى أنّ "ذلك لا يعني أنّه لا توجد أيّ منافسة"، مضيفاً أنّه "لا يمكن توقّع الكثير" من زيارة شي إلى باريس.
من جهته، يرى فرنسوا غودمان المستشار في الشؤون الآسيوية في معهد مونتين، أنّ "كلّ خطاب شي جينبينغ يركّز على تراجع الديموقراطيات والانقسامات المرغوبة بين الولايات المتحدة وأوروبا".
ومع ذلك، يقول "إذا كانت العلاقة الفرنسية الصينية صعبة، فهي ضرورية. ومن المهم أن نتحدّث مع بعضنا البعض في أوقات الأزمات".
ويضيف "نحن نتعامل مع ديكتاتورية تقترب بشكل متزايد من موسكو...، لكن سيكون من الجنون أن نلعب ورقة المواجهة كما يفعل الأميركيون لأنّنا لا نلعب في الملعب ذاته، وليست لدينا الوسائل نفسها على الإطلاق".
بعد باريس، يتوجّه الرئيس شي جينبينغ إلى بلغراد التي لم تفرض أيّ عقوبات على روسيا والتي تحتفظ بعلاقات ودية إلى حدّ ما مع موسكو. ثمّ ينتقل بعد ذلك إلى بودابست التي جعلت صوتها المعارض لسياسة الاتحاد الأوروبي تجاه روسيا مسموعاً خلال مناسبات عدّة.
التعليقات