امرأة تتصفح هاتفها الذكي
Getty Images

بدأ تشغيل شبكات هواتف الجيل الخامس في بعض مدن المملكة المتحدة، وبدأ معه طرْح أسئلة عما إذا كانت هذه التقنية الجديدة تشكل مخاطر على الصحة.

وتتوفر التقنية بالفعل في بعض الدول الأخرى، مثل كوريا الجنوبية وإسبانيا وسويسرا وأجزاء من الولايات المتحدة، على سبيل المثال لا الحصر، وستمتد التقنية إلى أماكن أخرى في غضون العامين المقبلين.

فما هي المخاوف، وهل من دليل يعزز تلك المخاوف؟

ما المختلف في الجيل الخامس؟

على غرار التقنيات الخلوية السابقة، تعتمد شبكات الجيل الخامس على إشارات محمولة على موجات راديو - جزء من الطيف الكهرومغناطيسي- منقولة ما بين مستقبل الإشارة الهوائي أو الصاري الهوائي، وهاتفك.

إننا محاطون بالإشعاع الكهرومغناطيسي طوال الوقت - من إشارات الراديو والتلفزيون، فضلا عن كافة المنتجات التقنية، بما فيها الهواتف المحمولة، ومن موارد طبيعية كأشعة الشمس.

وتستخدم شبكات الجيل الخامس موجات ذات تردد أعلى مما تستخدمه شبكات الهواتف السابقة، بما يساعد مزيدا من الأجهزة في الدخول إلى الإنترنت في نفس التوقيت وبسرعة أعلى.

وتقطع هذه الموجات مسافات أقصر في الأماكن الحضرية، ومن ثم فإن شبكات الجيل الخامس تتطلب المزيد من الصواري الهوائية الناقلة أكثر مما كانت تتطلبه التقنيات السابقة، مثبَتة على مستويات أقرب إلى سطح الأرض.

مُعدّة جيل خامس في سول
Getty Images
تمتلك كوريا الجنوبية الآن في كل أنحاء البلاد شبكة هواتف الجيل الخامس

ما المخاوف؟

الإشعاع الكهرومغناطيسي الذي تستخدمه كافة تقنيات الهواتف المحمولة دفع البعض إلى القلق من المخاطر الصحية المتزايدة، بما في ذلك أنواع معينة من السرطان.

وفي عام 2014، قالت منظمة الصحة العالمية إنه "لا آثار صحية ضارة تم التأكد من أنها نجمت عن استخدام الهواتف المحمولة".

إلا إن منظمة الصحة العالمية والوكالة الدولية لبحوث السرطان صنفتا كل الإشعاعات الناتجة عن ترددات الراديو (ومن بينها إشارات الهواتف) على أنها "مواد مسرطِنة محتملة".

وأضافت المنظمة: "لم يقم دليل حاسم على أن التعرض لتلك الإشعاعات يصيب البشر بالسرطان".

ويتعرض مَن يتناول الخضروات المخللة ويستخدم بودرة "التلك" لنفس مستوى المخاطر.

بينما تُصنّف المشروبات الكحولية واللحوم المُصنّعة باعتبارها ذات مستوى مخاطر أعلى.

وخلص تقرير السُميّة الصادر عام 2018 عن وزارة الصحة البريطانية، الذي يستشهد به المعربون عن مخاوفهم، إلى أن الفئران الذكور التي تعرضت لجرعات أعلى من إشعاع ترددات موجات الراديو أظهرت الإصابة بنوع من الورم السرطاني في القلب.

وفي هذه الدراسة، تم تعريض أجسام الفئران بالكامل لإشعاع من هواتف محمولة لمدة تسع ساعات يوميا على مدى عامين، بدءا من قبل ولادتها.

ولم يظهر رابط بين الإصابة بالسرطان والفئران التي خضعت للدراسة. بل وجدت الدراسة أن الفئران التي تعرضت للإشعاع عاشت أعمارا أطول من نظائرها.

وقال أحد الباحثين البارزين في هذه الدراسة: "لا يمكن المقارنة بشكل مباشر بين عمليات التعرّض التي شملتها الدراسات وخضعت لها الفئران والتعرّض الذي يختبره البشر جراء استخدام الهواتف الخلوية"، حتى بالنسبة لمستخدمي الهواتف بشكل مكثف.

ويقول فرانك دي فوخت، استشاري الاستخدام الآمن للهواتف المحمولة: "رغم ما توحيه بعض الأبحاث من زيادة احتمالية مخاطر الإصابة بالسرطان جراء الاستخدام المكثف للهواتف المحمولة، فإن الدليل على وجود علاقة سببية بينهما ليس مقنعا بما يكفي لاتخاذ تدابير وقائية".

ومع ذلك، كتبت مجموعة من العلماء والأطباء إلى الاتحاد الأوروبي للمطالبة بوقف نشر شبكات هواتف الجيل الخامس.

موجات الراديو غير مؤينة

إن نطاق موجات الراديو -المستخدم في شبكات الهواتف المحمولة- غير مؤيِّن، "مما يعني أنه يفتقر إلى الطاقة اللازمة لتفتيت الحمض النووي ومن ثم إحداث تلف في الخلايا"، بحسب ديفيد روبرت غرايمز، الباحث في علاج السرطان.

لكن التعرض بكثافة للطيف الكهرومغناطيسي أعلى من المستوى الناتج عن الترددات المستخدمة في الهواتف المحمولة، يثير بوضوح مخاوف الإصابة بأخطار صحية.

وتدخل أشعة الشمس فوق البنفسجية ضمن هذه الفئة الضارة، ويمكن أن تسبب سرطانا في الجلد.

وثمة إرشادات حازمة بخصوص التعرض لمستويات أعلى من إشعاعات الطاقة، كأشعة إكس الطبية وأشعة غاما، والتي قد تورث آثارا مدمرة لجسم الإنسان.

يقول غرايمز: "من الأمور المتفهَمة خوف الناس من الإصابة بالسرطان، لكن من الأهمية بمكان توضيح أن موجات الراديو أقل أثرا حتى من الضوء الذي نباشره يوميا".

ويضيف: "لا يوجد دليل كاف على أن شبكات الهواتف أو الشبكات اللاسلكية كانت سببا في مشكلات صحية".

هل ينبغي القلق من صواري هوائيات شبكات الجيل الخامس؟

تتطلب تقنية الجيل الخامس المزيد من المحطات القاعدية الجديدة - هذه هي الصواري الهوائية التي تنقل وتستقبل الإشارات من وإلى الهواتف.

وفي ظل وجود الكثير من النواقل، يمكن لكل منها العمل بمستويات من الطاقة أقل من تلك التي كانت لازمة في تقنية الجيل الرابع، مما يعني انخفاض مستوى التعرض للإشعاع الناجم عن صواري هوائيات شبكات الجيل الخامس.

وقياسا على تعليمات الحكومة البريطانية حول المحطات القاعدية للهواتف المحمولة، فإن حقول تردُّد موجات الراديو في الأماكن التي يستطيع العامة الوصول إليها لا ترقى للمعايير.

ماذا عن مخاطر الحرارة؟

جزء من طيف الجيل الخامس الذي تسمح به الإرشادات الدولية يقع ضمن نطاق موجات الميكروويف (الدقيقة) والتي تبعث الحرارة فيما تمر به من أشياء.

على أن آثار ارتفاع مستويات الحرارة في شبكات الجيل الخامس (وما سبقها من تقنيات هواتف) ليست ضارة، بحسب البروفيسور ردوني كروفت استشاري اللجنة الدولية للوقاية من الإشعاعات غير المؤينة.

ويقول كروفت: "أعلى مستوى تردد لموجات الراديو يمكن التعرض له من الجيل الخامس تم رصده وكان صغيرا جدا بحيث لم يُسجَل ارتفاع في درجة الحرارة حتى الآن".

حدود التعرض

تقول حكومة المملكة المتحدة: "رغم الزيادة الضئيلة في التعرض لموجات الراديو المترتبة على ظهور شبكة الجيل الخامس، لا يزال مستوى التعرض الإجمالي منخفضا".

ولا يزال مدى تردد إشارات الجيل الخامس منحصرا في النطاق غير المؤين للطيف الكهرومغناطيسي، ولا يزال دون المستوى الذي تعتبره اللجنة الدولية للوقاية الإشعاعية ضارا.

وتقول منظمة الصحة العالمية إنه لم يظهر ما يشير إلى آثار ضارة صحيا جراء التعرض للترددات الكهرومغناطيسية التي هي دون المستويات التي حددتها اللجنة الدولية للوقاية الإشعاعية.