عبرت أغلبية قراء "إيلاف" عن تراجع ثقتها بقدرة الإسلاميين على الحكم، وبالتالي تراجعت احتمالية وصولهم إلى السلطة. فتجارب الحكم الإسلامية، الشرعية و"الجهادية"، غير مشجعة أبدًا.

إيلاف من القاهرة: أسفرت ثورات الربيع العربي ما بعد 2010 عن عودة الإسلاميين إلى الحكم في بعض الدول، أو إلى غرق الإسلاميين في معمعة "الإسلامية الجهادية" في بعض آخر. وفي الحالتين، تراجعت الثقة الشعبية بقدرة أي طرف إسلامي على توجيه دفة الدولة متى اعتلى سدّتها.

في هذا السياق، سألت "إيلاف" القارئ العربي: "هل لا تزال هناك ثقة لدى الشارع بالإسلاميين للوصول إلى الحكم؟". شارك في هذا الاستفتاء 1059 قارئًا، أجاب666 منهم بـ "نعم"، بنسبة 63 في المئة، في مقابل 393 قارئًا أجابوا بـ "لا"، بنسبة 37 في المئة.

لا معيار

الثقة في قدرة المسلمين على الوصول إلى الحكم يحتاج إلى معيار. ويرى معظم المتخصصين في هذا المجال أن القياس إلى معيار أي من الحكمين الإسلاميين في تركيا وإيران ليس هو الصالح في تقويم التجربة الإسلامية.&

فتجربة حزب العدالة والتنمية التركي أو التجربة الإخوانية التركية في الحكم تتمتع بخصوصية علمانية مستقاة من دستور تركي علماني أسس له أتاتورك، وتحميه المؤسسة العسكرية التركية القادرة على منع أي طرف من تغيير وجه الدولة التركية أو وسمها بمعاييره الخاصة.&

بالتالي، التجربة التركية تجربة دولة لا تجربة حزب إسلامي، والتجربة التركية لم تترافق مع أسلمة الحكم والدولة، كما جرى في مصر تحت الرئيس الراحل محمد مرسي، وبقيت تركيا دولة حديثة وعصرية بقوانينها المدنية، بمعزل عن إسلامية رئيسها رجب طيب أردوغان وأركان حكمه.

في المقابل، لم يمتلك الشيعة تاريخًا أي تصور لحكم إسلامي، فهم نشأوا على معارضة نظام الخلافة، مختارين سبيل حاكمية الإمام، أو الولي الفقيه. وبحسب العارفين في الشيعية السياسية، قام النظام السياسي الإسلامي في إيران على تناقض بين مفهوم الجمهورية الغربي اللا إسلامي، الذي يعتمد على الانتخابات لاختيار المسؤولين بدءًا من رئيس الجمهورية إلى البرلمان فمجلس تشخيص مصلحة النظام فمجلس الخبراء الذي ينتخب الولي الفقيه، وبين مفهوم حاكمية الله بتطبيق الشريعة الإسلامية. إلا أن النظام "الجمهوري" الإسلامي في إيران بقي مرهونًا بثورة الخميني في عام 1979، أي بقي نظامًا ثوريًا لم يتحول فعليًا إلى نظام الدولة، على الرغم من تعاقب الرؤساء، ومحاولة الحكومات الإيرانية أن تبدو بصورة "الدولة" كما يعرفها باقي دول العالم.

لا اختلاف

غياب أي معيار أدى إلى بلبلة في العلاقة بين الشارع العربي وإسلامييه، فحكم هذا الشارع على إسلامييه بالفشل في إدارة الحكم بناءً على ما رأى منهم من ممارسات كان جل همها أسلمة الدولة، لا تلبية شارع أقصته أنظمة الاستبداد ومنظوماتها الأمنية عن المشاركة في الحياة السياسية.

ربما تكون التجربة الإخوانية في مصر الدليل الصارخ على بؤس مشروع الإسلام السياسي في إدارة الحكم وتدبير أمور الناس، لأن هذا المشروع حذا حذو الأنظمة التي تباهى بأنه أطاحها، وصار له أداته الأمنية التي مهمتها تطويع الشارع في بوتقة القيم "الإسلاموية" كما يراها هذا المشروع. ففي عام واحد من حكم الإخوان مصر، كل ما أرادوه هو اختزال دولة كاملة في "الجماعة"، فأتت الممارسة السياسية الإخوانية حبلى بالأخطاء السياسية الفادحة، وكانت مرحلة الحكم الإسلامي – الآتي أصلًا بقوة صندوق الاقتراع الشعبي – تتمة لمرحلة ما قبل ثوة 25 يناير، من دون أي اختلاف في القمع أو في تجييش الناس لصالح المصلحة الإخوانية، لا المصلحة الإسلامية.

ربما تكون التجربة التونسية أقل فداحة من نظيرتها المصرية، لكنها بينت نوعًا جديدًا من الحركات الإسلامية. فحركة النهضة تمكنت من فصل عملها السياسي عن الاجتماعي بما فيه الدعوي، وهذا جنب عملها الدعوي أي أثار سلبية نتيجة الانخراط في العمل السياسي، وبالتالي حفظ لهذه التجربة بعضًا من ماء وجهها.

لا ثقة

يرى مختصون في الشأن الإسلامي أنه من باب المستحيل أن تصيب أي تجربة اسلامية سياسية في الحكم نجاحًا ما دامت أحزاب الإسلام السياسي مؤمنة بأن الحكم من حقها التاريخي والطبيعي، ومعنى ذلك التسلط على الشعوب وإذلالها باستحضار مفهوم التفويض الإلهي واستغلال المشاعر الدينية.

بالتالي، في الدول التي ثارت وآلت ثورتها إلى حروب شعواء (سوريا أنموذجًا) أو إلى حال من عدم الاستقرار السياسي (ليبيا أنموذجًا)، غاصت أحزاب الإسلام السياسي في مجاهل "الجهادية" الإسلامية، تعويضًا عن عجزها عن الوصول إلى السلطة، فكان التوجه الإسلامي وحشيًا مع داعش التي نقلت وجهتها من السيطرة على الدولة في سوريا والعراق، إلى إنشاء دولة إسلامية مستقلة في سوريا العراق، أو على مساحات شاسعة من الأراضي السورية والعراقية، مغلفة ذلك بدعوى إسلامية جذابة جدًا: إحياء الخلافة الإسلامية؛ الدعوى التي استطاعت جذب الآلاف المؤلفة من "المجاهدين" العرب والأجانب، ليتجندوا في "جيش الخلافة الإسلامية العتيدة".

انقسام الناس وتقسيم الأرض

وفقًا للخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، الشيخ نبيل نعيم، فإن تجارب الحكم الإسلامي عانت من الفشل في العديد من المناطق حول العالم، مشيرًا إلى أن آخر تلك التجارب هي تجربة السودان تحت قيادة الرئيس السابق عمر البشير، الذي أدى حكمه إلى تقسيم السودان، وقيام حروب أهلية وعمليات إبادة لأهالي دار فور، ولم ينجح في حل مشاكل الفقر في بلد غني بالموارد الذاتية.

وأضاف لـ"إيلاف" أن حكم جماعة حماس في غزة أدى إلى تقسيم الفلسطينيين، وتناحرهم، ما نتج عن ضياع القضية الفلسطينية، ومعاناة أهالي غزة تحت القمع والحصار والفقر، مشيرًا إلى أن أميركا وإسرائيل ما كان لهما التفكير في ما يعرف بـصفقة القرن" لولا انقسام الفلسطينيين، الذين لم يستجيبوا لمساعي مصر للم شملهم وتوحيد صفوفهم.

ولفت إلى أن تجربة حكم الإخوان في مصر بعد ثورة 25 يناير 2011، قضت على البقية الباقية من ثقة الإسلاميين، ونزعت عنهم ورقة التوت الأخيرة، فانكشفوا أمام المصريين والعالم كله، وثبت أنهم لا يمثلون الإسلام، وأنهم اتخذوا الدين وسيلة للوصول إلى الحكم، وأنهم لا يملكون أي مشروع سياسي حقيقي، بل ليس لديهم سوى مشروع تقسيم وتدمير الأوطان، على حدّ تعبيره.

وذكر أنهم يعملون وفق سياسة الأرض المحروقة، إما أن يحكموا الناس أو يقتلوهم، ولعل الجميع يتذكر مقولة محمد البلتاجي القيادي الإخواني بعد عزل الرئيس الراحل محمد مرسي، التي قال فيها إن الإرهاب في سيناء سوف يتوقف عندما يعود مرسي إلى القصر.

وأشار إلى أن أهم ما خسره الاسلاميون بعد فشل تجربة الإخوان في مصر، هو فقدان الظهير الشعبي أو الحاضنة الشعبية، منوهًا بأن الشعوب العربية لم تعد تثق في الإسلاميين أو أحزابهم.

المظلومية ثم التجبر

وقال الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، محمد الرفاعي، إن التيارات الإسلامية بمختلف تنويعاتها تجيد العمل من مقاعد المعارضة وممارسة المظلومية في مواجهة أنظمة الحكم أو النظام الدولي بقيادة أميركا، أو حمل السلاح في مواجهتها، وعندما وصلت إلى الحكم بعد ثورات الربيع العربي، وجدت أن الأمر يختلف تمامًا، وأنها ليس لديها أية خطة لإدارة الدول، وتحولت من المظلومية إلى ممارسة القمع والتجبر ضد الشعوب، ففشلت فشلت ذريعًا.

وأضاف لـ"إيلاف" أن فشل تجارب الحكم في مختلف الدول قبل العام 2011، سواء في أفغانستان على أيدي حركة طالبان أو في السودان على أيدي الإخوان، أو في قطاع غزة على أيدي حماس أو جبهة الإنقاذ في الجزائر، لم يكن له صدى كبير وواسع، مشيرًا إلى تجربة حكم جماعة الإخوان في مصر، باعتبارها العباءة التي خرجت منها مختلف التنظيمات الإسلامية في العالم، إذ كانت تجربة فاصلة، وقاصمة لظهر التيار الإسلامي في العالم.

وأوضح أن وصول الإخوان للحكم في مصر، أثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن التيار الإسلامي لا يملك مشروعًا سياسيًا، بل يعيش على المظلومية ويتقوقع على نفسه، ويقتات على التاريخ الإسلامي والخلاقة الراشدة، وليس لديه أية آليات عصرية لتطوير التجربة.

ولفت إلى أن التجربة كشفت عن فشل التيار الإسلامي في التعامل مع الآخر سواء المسيحيين، أو غيرهم من الفصائل الإسلامية الأخرى، ومنها السلفيين والصوفيين، أو التيارات والأحزاب السياسية المختلفة معه ومنها الليبراليين أو اليساريين أو القوميين، بل والفشل في التعامل مع المرأة.

وشدد على أن الإخوان فشلوا في تقديم نموذج حكم حقيقي، يحتوي الجميع تحت سماء الوطن، وفقدوا الحاضنة الشعبية التي رفعتهم إلى سدة الحكم، فأعادتهم الشعوب إلى غياب السجون مرة أخرى.

هكذا... إن وصل الإسلاميون إلى السلطة أم لم يصلوا، ليس ثمة ما يعيد ثقة الشعب المؤمن بأي تجربة حكم إسلامية... فهل يُلدغ المؤمن من جحر إسلاموي مرتين؟