واشنطن: يثير اتفاق السلام في أفغانستان الذي يبدو أن الولايات المتحدة اقتربت من إبرامه مع حركة طالبان مخاوف من أن تؤدي رغبة الرئيس دونالد ترمب في سحب القوات الأميركية سريعا من هذا البلد المضطرب إلى اندلاع حرب أهلية.

وأعرب ترمب الجمعة عن ارتياحه إزاء تطور المباحثات بخصوص إنهاء الحرب، بعد 18 عاما من أحداث 11 سبتمبر 2001، الهجمات التي دفعت واشنطن في شكل رئيسي لغزو أفغانستان.

وخلال الأيام الأخيرة، كشف مسؤولون أميركيون أنّ اتفاقا قد يكون وشيكا في المباحثات مع ممثلي طالبان في قطر. ومن المتوقع أن يعود المفاوض الأميركي زلماي خليل زاد إلى المنطقة قريبا على أمل إنهاء اتفاق مع الحركة الافغانية الجهادية المسلحة.

وأثار مثل هذا الاتفاق التاريخي المحتمل غضب مجموعة كبيرة من معارضيه في واشنطن، من محافظين جدد إلى مسؤولين في الإدارة الديمقراطية السابقة و الأبطال العسكريين السابقين.

وفي تغريدات ومقابلات ومقالات رأي في صحف عدة، يحذّرون من إعادة 14 ألف جندي أميركي في أفغانستان سريعا إلى ديارهم. وهم يدعون ترمب للتعاطي مع هذه الحرب كما تعامل مع ملف كوريا الشمالية واسلحتها النووية حين أصر على الخروج بلا اتفاق عوضا عن إبرام اتفاق سيء.

وحذّر الجنرال ديفيد بتريوس الذي قاد القوات الأميركية في العراق في مقال في صحيفة "ذا وول ستريت جورنال" أنّه "تحت أي ظرف لا ينبغي أن تكرر إدارة أميركية الخطأ الذي ارتكبته الإدارة السابقة لها في العراق والموافقة على سحب كامل للقوات القتالية من أفغانستان".

وكان بتريوس يشير إلى إدارة باراك أوباما وكيف ساهم انسحاب القوات الأميركية من العراق في إشعال النزاع الطائفي بين السنة والشيعة الذي أدى لبزوغ تنظيم الدولة الإسلامية لاحقا كقوة على الأرض.

والنقاط الرئيسية محل التفاوض مع طالبان هي انسحاب القوات الأميركية في مقابل تعهد من الحركة الجهادية بعدم السماح لتنظيم القاعدة أو الدولة الإسلامية بالعمل في الاراضي التي تسيطر عليها طالبان.

ويتضمن الاتفاق المقترح وقف إطلاق نار فوري وبدء مباحثات سلام بين طالبان والحكومة الافغانية، لكنّ الحركة الجهادية ترفض أي حوار داخلي حتى الآن.

"حرب فوضوية بلا نهاية"

وسحب القوات الأميركية من أفغانستان مطلب شعبي في الولايات المتحدة وعد به ترمب أيضا ومن النقاط المطروحة من قبل عدة ديموقراطيين يطمحون للترشح للانتخابات الرئاسية. لكنّ الخطر هو أنّ يؤدي الانسحاب إلى إشعال الحرب في أفغانستان.

وقالت لاوريل ميلر المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الأميركية المكلفة ملفي أفغانستان وباكستان إنّ ذلك "سوف يعتمد على التفاصيل".

لكنّ هناك كثير من تكهنات حول ما قد تتضمنه هذه التفاصيل. على سبيل المثال، يبدو أن طالبان مستعدة لوقف إطلاق نار مع القوات الأميركية لكنّ ليس مع الجيش الأفغاني.

ولم تستبعد الإدارة الأميركية على الإطلاق انسحابا كاملا ومطلقا وهو خيار مطروح على طاولة الحوار مع طالبان.

وقال السناتور ليندساي غراهام لمحطة "فوكس نيوز" إنه "إذا غادرنا أفغانستان بدون (إبقاء) قوة لمكافحة الإرهاب ومن دون أمكانيات جمع معلومات استخباراتية، فإنّ تنظيم الدولة الإسلامية سيظهر من جديد وتنظيم القاعدة سوف يعود، سيضربون وطننا وسيلاحقوننا في ارجاء العالم".

وأصر غراهام الذي ينسب له الفضل في إقناع ترمب بإبقاء بعض القوات في سوريا بعد إعلانه انسحابا كاملا، أنّ أفغانستان بحاجة إلى "تواجد اميركي متواصل" وأن بلاده نحتاج إلى "قوة مجدية لمكافحة الارهاب" هناك.

ووعد ترمب فقط بتواجد قوي لجمع المعلومات الاستخباراتية. ويريد البعض في إدارته أن يتم إطلاق أي عمليات مستقبلية لمكافحة الإرهاب من بلدان أخرى.

وكتب بترايوس في مقال مشترك مع الخبير في شؤون أفغانستان فانس سيرشوك أن "عمليات مكافحة الإرهاب الفعالة في أفغانستان، وعلى نفس القدر من الأهمية في المناطق القبلية المجاورة لباكستان، ستثبت أنها شبه مستحيلة في غياب بصمة أميركية دائمة على الأراضي الأفغانية".

والقضية الأخرى الملّحة هي الجدول الزمني لانسحاب القوات الأميركية. ويريد ترمب الذي يسعى للفوز بولاية حكم ثانية، الإعلان عن الانسحاب قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر 2020.

لكن بعض المؤشرات في الأيام الأخيرة توحي بأن الانسحاب قد يتم فعليا في وقت قريب من موعد الانتخابات.

وكتبت ميلر في مجلة السياسة الدولية أنّ وضع جدول زمني الآن "يعني أن طالبان ستدخل محادثات لاحقة مع الأفغان وقد حققوا بالفعل هدفهم الرئيسي مع تعزيز مكانتهم وقدرتهم على المساومة".

وقالت إنه "يجب أن يكون هناك انسحاب أميركي مرحلي مرتبط بتقدم محدد في عملية السلام الأفغانية مثل تبني دستور منقح ينص على تقاسم السلطة وانتخابات لاحقة".

وقالت النائبة الجمهورية ليز تشيني إنّه بدون تعهد واضح من طالبان بالتنصل من تنظيم القاعدة واحترام حقوق المرأة ضمن أمور مهمة أخرى وبدون آليات للتحقق من تنفيذ تعهداتها "لن ننتهي من الحرب".

و{ات أنه بذلك "سننسحب ونتنازل عن ساحة المعركة لأعدائنا بما في ذلك التنظيم الذي آوى الإرهابيين المسؤولين عن قتل ما يقرب من ثلاث آلاف أميركي في 11 سبتمبر".

وقال مصدر عسكريّ في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) اشترط عدم ذكر اسمه إنها "حرب قبيحة وفوضوية وبلا نهاية. قد يكون الخروج (من أفغانستان) فوضويا".