بيروت: طالت الشعارات والهتافات التي رددها المتظاهرون في ساحات بيروت ومدن أخرى من شمال البلاد حتى جنوبها كل الزعماء السياسيين من دون استثناء، في مشهد غير مألوف في لبنان كسر "محرمات" لم يكن من السهل تجاوزها.

وتنوّع مضمونها بين استعادة هتافات "الربيع العربي" المطالبة بإسقاط النظام وصولاً إلى وضع أركان الحكم في مصاف واحد، من دون تمييز واطلاق شعارات انتشرت كالنار في الهشيم رغم بذاءة مفرداتها، في مؤشر على حجم الغضب الشعبي.

في ساحات بيروت، كما في مدينة طرابلس، معقل تيار المستقبل بزعامة رئيس الحكومة سعد الحريري شمالاً، ومدينتي صور والنبطية معقلي حزب الله وحركة أمل الشيعيين جنوباً، وفي منطقة كسروان ذات الغالبية المسيحية شمال بيروت، يتكرّر الهتاف ذاته على ألسنة الجميع صغاراً وكباراً "ثورة، ثورة" و"الشعب يريد إسقاط النظام".

ومن بين الشعارات التي تحتلّ الصدارة أيضاً "كلهن يعني كلهن"، في إشارة إلى المطالبة برحيل الطبقة السياسية كاملة لا الحكومة فحسب التي دعوا رئيسها للتنحي قائلين "يلا يلا يلا.. حريري اطلع برا".

وانطلاقاً من نقمتهم واتهامهم للذين توالوا على الحكم بنهب مقدرات الدولة، تصدح الحناجر في بيروت على بعد أمتار من مقر الحكومة "على رأس المال ثورة، على الضرائب ثورة، على العنصرية ثورة، على هالنظام ثورة" و"هيي هيي هيي حكومة حرامية" و"دولتنا دولة شبيحة".

"منّك بي الكل"

وابتكر المتظاهرون شعارات لكل زعيم سياسي، تتضمّن غالبيتها كلمات بذيئة.&

وطالت الشعارات الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله الذي كان توجيه اتهامات أو انتقادات ذات طابع سلبي إليه من المحرّمات في السابق، حتى أن تقليده في برامج فكاهية تسبب أحياناً بردود فعل غاضبة من أنصاره في الشارع.

وكرّر المتظاهرون مراراً "كلهن كلهن كلهن، نصرالله واحد منهم" في خطوة علّق عليها الأخير في خطاب يوم السبت بالقول "اشتموني أنا لا مشكلة، لكن لا تشتموا بقية الناس".

ونال وزير الخارجية جبران باسيل، صهر الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر، الحصة الأكبر من الهتافات والشتائم في مختلف المناطق، حتى أن البعض حوّلها إلى مقطوعات موسيقية تمّ تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.&

ويحمل خصوم باسيل عليه تفرّده بالقرار داخل مجلس الوزراء، مستفيداً من حصة وزارية وازنة لتياره ومن تحالفه مع حزب الله.&

ورداً على تسمية &"بي (أب) الكل"، التي أطلقها مناصرو التيار الوطني الحر على عون بعد انتخابه رئيساً، ردّد المتظاهرون "فلّ(ارحل) فلّ فلّ منَك (لست) بي الكل".&

ولم يغب اسم رئيس البرلمان نبيه بري، الذي يرأس حركة أمل، عن لسان المتظاهرين الذين اتهموه بالسرقة والفساد وحملوا عليه لبقائه في منصبه منذ بداية التسعينات.

ورداً على تعرّض مناصري بري بالسلاح والضرب لمتظاهرين ضد السلطة في مدينة صور قبل يومين، لم يتأخر المتظاهرون في بيروت في ابداء دعمهم لأهالي المدينة هاتفين "صور صور صور كرمالك بدنا نثور".

"لبنان ينتفض"

وفي شعار جامع موجّه للطبقة السياسية، استعاد المعتصمون شعاراً رددوه خلال أزمة نفايات اجتاحت شوارع بيروت ومناطق أخرى في العام 2015 "يسقط يسقط حكم الأزعر"، وهي تسمية تطلق على الأشخاص ذوي السولك السيئ.

ولم تخل بعض اللافتات التي رفعها المتظاهرون أو كتبوها على الجدران من روح الفكاهة، على غرار المطالبة بتشريع الحشيشة، أو وضع لافتة تشير إلى مقر البرلمان كُتب عليها "مجلس الحراميي" وكتابة "يسقط حكم المصرف" قرب شارع يضم عشرات المصارف في بيروت.

وتصاعدت النقمة الشعبية ضد السلطات مؤخراً بعد ارتفاع سعر صرف الليرة في السوق السوداء مقابل الدولار للمرة الأولى منذ 22 عاماً، من دون أن تقدّم السلطات تفسيراً واضحاً لذلك. ويعتبر المتظاهرون أن قطاع المصارف، الذي يعود له الجزء الأكبر من ديون الدولة، شريك في إفقار اللبنانيين.&

وفي دليل على تضامن اللبنانيين في هذا البلد الصغير حيث توجد 18 طائفة، ردّد المتظاهرون شعار "إسلام ومسيحيي مع دولة مدنية" في بلد تتحكم فيه الطوائف بقوانين الأحوال الشخصية ويطالب فيه كثيرون بفصل الدين عن الدولة.

وقرب مدينة عاليه ذات الغالبية الدرزية، قطع متظاهرون طريق بيروت دمشق قبل يومين بحجارة وسيارة رفعوا عليها لافتة تحمل عبارة "عذراً الطريق مقطوع لصيانة الوطن".

على مواقع التواصل في لبنان كما في دول الاغتراب حول العالم، غرّد اللبنانيون مستخدمين وسم "#لبنان_ينتفض" و#الشعب_يريد_إسقاط_النظام". وأبدى كثيرون اعتزازهم بتحرك سلمي لا أجندة سياسية له، أعاد لهم الأمل بعد إحباط لسنوات طويلة من الفساد والمحسوبيات وترهل الخدمات والبنية التحتية.

وفي صورة إلتقطها مصور لوكالة فرانس برس الأحد في وسط بيروت، حملت شابتان لافتة من ورق كُتب عليها باللغة الإنكليزية "أسعد مكتئبين قد تلتقونهم على الإطلاق" في إشارة إلى الشعب اللبناني.