بيروت: يداً بيد، انتشر عشرات آلاف اللبنانيين يوم الأحد في الطرق من شمال لبنان إلى جنوبه، في سلسلة بشرية عابرة للطوائف، امتدت من شمال لبنان الى جنوبه، في خطوة ترمز إلى الوحدة الوطنية التي تكرست خلال الثورة اللبنانية.&

بدأ آلاف الأشخاص منذ ساعات الصباح الأولى الانتشار على الطرق لهذه الغاية، وبدأوا الإمساك بأيدي بعضهم البعض، ويسعون الى أن تغطي السلسلة مسافة تمتد على 170 كيلومترًا من صور جنوبًا إلى طرابلس شمالًا، مرورًا بساحة الشهداء في وسط بيروت. ويفترض أن تشمل السلسلة البشرية كلّ الساحات التي شهدت تظاهرات منذ انطلاقة الحراك في 17 أكتوبر.

يتسم الحراك بالسلمية، إلا أن الأيام الأخيرة شهدت توترات بين قوات الأمن والمتظاهرين الذين يقطعون طرقا رئيسة في العاصمة وخارجها، في محاولة منهم لتكثيف الضغط على السلطة لتنفيذ مطلبهم باستقالة الحكومة أولًا. وباءت محاولات الجيش فتح الطرق بالفشل.

كما حصلت توترات بين متظاهرين ومجموعات من حزب الله ومن التيار الوطني الحر الذي يتزعمه رئيس الجمهورية ميشال عون. وأعلن الأمين العام لحزب الله الذي يمتلك مع عون وحلفائهما الغالبية الحكومية، رفض استقالة الحكومة والرئيس، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، كما يطالب المحتجون، متذرعًا بخشيته من "الفوضى" و"الفراغ".

كذلك يرفض رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي كان خلال السنوات الماضية على خلاف مع حزب الله، الاستقالة. وأعلن الحريري ورقة إصلاحات اقتصادية قبل نحو أسبوع، في محاولة لامتصاص غضب الشارع، ودعا عون الى إعادة النظر في الواقع الحكومي، لكنّ المتظاهرين يعتبرون أن كل هذه الطروحات جاءت متأخرة ولا تلبّي طموحاتهم. وهم مصرّون على مواصلة ما يسمونه "ثورة".

تجمع المشاركون في مبادرة السلسلة البشرية على طول الطرق السريعة من الشمال إلى الجنوب، ووصلوا إليها سيرًا على الأقدام، وبعضهم على الدراجات النارية أو الهوائية.&

قالت جولي تيغو بو ناصيف (31 عامًا)، وهي أحد منظمي المبادرة، لوكالة فرانس برس "كل شيء بات جاهزًا، لدينا متطوعون على الدراجات النارية يساعدوننا على ملء الفراغات في السلسلة". أضافت "الفكرة خلف هذه السلسلة البشرية هي أن نظهر أن لبنان من شماله إلى جنوبه يرفض الطائفية".&

تميّزت التظاهرات في لبنان بشمولها مختلف الأراضي اللبنانية ومختلف الطوائف في بلد صغير يقوم على المحاصصة الطائفية ويشهد انقسامات كبيرة بين سياسييه على خلفية الانتماءات الحزبية والدينية.&

تشكّل فئة شباب ولدوا ما بعد الحرب الأهلية الدامية (1975-1990) عصب التظاهرات اللبنانية، التي ليست لها قيادة ولا توجه&حزبي. قالت بو ناصيف "نريد تعزيز شعور الوحدة الوطنية الذي بدأ يظهر في لبنان خلال الأيام العشرة الماضية".&

ثلاثون عامًا
حاول الجيش اللبناني السبت فتح عدد من الطرق المغلقة في مناطق مختلفة في البلاد، فيما لم تفتح المصارف والمدارس والجامعات أبوابها منذ أكثر من عشرة أيام.&

جرح السبت ستة أشخاص على الأقل في صدام بين الجيش ومتظاهرين كانوا يحاولون قطع طريق في منطقة البداوي قرب طرابلس في شمال لبنان.&

حصلت الجمعة مواجهة في ساحة رياض الصلح في وسط بيروت إثر إقدام مجموعة مؤيدة لحزب الله على نصب خيمة في وسط الساحة وإطلاق هتافات مؤيدة لنصرالله اعتراضًا على تصنيف المتظاهرين الأمين العام للحزب كجزء من الطبقة السياسية الفاسدة.&

طالب المحتجون منذ بدء الحراك بإسقاط الطبقة السياسية بكاملها، فهم يحملون عليها فسادها وعجزها عن حلّ الأزمات التي تمر بها البلاد، خصوصًا الاقتصادية.&

تتألف الطبقة الحاكمة في لبنان بمعظمها من زعماء كانوا جزءًا من الحرب الأهلية المدمّرة التي شهدتها البلاد، ولا يزال معظمهم موجودًا في الحكم منذ نحو ثلاثة عقود. ويمثّل هؤلاء الزعماء عمومًا طبقة طائفية أو منطقة معيّنة. &

ويعبّر إيلي (40 عامًا) عن استيائه من ذلك، وهو يسير في وسط بيروت رافعًا العلم اللبناني صباح الأحد، بالقول: "ثلاثون عامًا والأشخاص أنفسهم في الحكم".

تضمنت الإصلاحات التي أعلنها الحريري خفضًا بنسبة النصف لرواتب المسؤولين، وتقديمات ووعودا بإصدار قانون لاستعادة الأموال المنهوبة. إضافة الى إقرار موازنة العام 2020 مع عجز نسبته 0.6 في المئة، ومساهمة القطاع المصرفي والمصرف المركزي بخفض العجز بقيمة تتجاوز خمسة آلاف مليار ليرة (3.3 مليارات دولار) خلال العام 2020.&

دعم شركاء الحريري في الائتلاف الحكومي، وكذلك رئيس الجمهورية، تلك الإصلاحات، لكن الشارع ردّ بالرفض لعدم ثقته بقدرة الحكومة التي لطالما وعدت ولم تف، على التنفيذ.&

صباح الأحد، وكما في كل صباح منذ بدء التظاهرات، نزل متطوعون من شباب وعائلات لتنظيف مواقع التظاهر التي تبقى عامرة خلال الليل، وتشهد احتفالات.&