لا مفر من الاعتراف التام والجلي بأن ما يربط السعودية والإمارات، دولتين وشعبين، يتجاوز توصيف العلاقات الثنائية، إلى الشراكة الاستراتيجية الكاملة على الصعد كلها، السياسية والاقتصادية والسياحية والرياضية والأمنية.

إيلاف من أبوظبي: يحلّ الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي، ضيفًا على دولة الإمارات العربية المتحدة في زيارة رسمية تمثل دفعة قوية لعلاقات ثنائية عريقة ومتجددة بين الإمارات والسعودية، لتطويرها وتعزيز آليات التعاون الثنائي في المجالات كلها، في سعي دائم إلى تحقيق المصالح المشتركة للدولتين والشعبين الخليجيين الشقيقين، علمًا أن العلاقات الإماراتية - السعودية تمثل حالة استثنائية متفردة على المستوى الإقليمي، إذ تستند إلى أسس راسخة، عمادها الأخوة والرؤى والمواقف والتوجهات المتزنة تجاه قضايا المنطقة والعالم، وتحكمها عوامل ثابتة هي التاريخ والجوار والدين واللغة والعادات المشتركة والمصير الواحد.

صلات تاريخية
بين الإمارات والسعودية صلات تاريخية ترفدها روابط الدم والإرث ووحدة المصير، أسس دعائمها الراحلان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود، لتكون إرثًا من الوحدة يتناقله القادة، وتتغنى بزهوه الأجيال. وكان حرص القيادتين الرشيدتين في الإمارات والسعودية على مزيد توثيق هذه العلاقات الثنائية شديدًا، ما رفعها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، إقليميًا، وعربيًا، ودوليًا.

تساهم هذه الشراكة الاستراتيجية في استكمال مشروعات وحدوية خليجية أخرى؛ منها الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة وشبكة سكك الحديد والتأشيرة السياحية الموحدة والبنية التشريعية الموحدة للأسواق المالية والبنوك. كما تؤدي دورًا فاعلًا في تفعيل شراكات استراتيجية دولية؛ مثل الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين، ومع تجمعات إقليمية أخرى.

شراكة استراتيجية
خطت هذه الشراكة الاستراتيجية خطوة إضافية على المستويات كلها، بتشكيل "اللجنة العليا المشتركة" بين البلدين في مايو 2014. وقد تولت هذه اللجنة تنفيذ الرؤى الاستراتيجية لقيادتي البلدين بهدف مواجهة التحديات في المنطقة ودعم العلاقات الثنائية وتعزيزها في إطار كيان قوي متماسك يدعم مسيرة العمل الخليجي المشترك.

ترسخت هذه الخطوات أخيرًا، ما أسس لإطار تتوحد فيه الطاقات ويتعزز ضمن حدوده التكامل بين البلدين، وفق رؤى واضحة رسمتها محددات "استراتيجية العزم" ومخرجات "مجلس التنسيق السعودي الإماراتي" الذي تم الإعلان عنه في مايو 2016.

وتهدف هذه الاستراتيجيا إلى خلق أنموذج استثنائي للتكامل والتعاون بين البلدين، من خلال تنفيذ مشروعات استراتيجية مشتركة نتاجها رخاء الشعبين الإماراتي والسعودي.&

تضم هذه الاستراتيجيا ثلاثة محاور رئيسة: المحور الاقتصادي، والمحور البشري والمعرفي، والمحور السياسي والأمني والعسكري، إلى جانب 44 مشروعًا مشتركًا من أصل 175 مشروعًا تهدف إلى تعزيز التعاون بين البلدين ودعم منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بما يمهد إلى مرحلة جديدة من العمل المثمر والبناء بين الطرفين.

في خندق واحد
بين الإمارات والسعودية استراتيجية "الخندق الواحد"، التي تعد توصيفًا دقيقًا للتحالف والشراكة القائمة بين الإمارات والسعودية، توصيفًا يحمل في طياته معاني ودلالات مهمة تنطلق من الدلالات الثقافية والتاريخية العربية العريقة لهذا التوصيف. فالتخندق في خندق واحد يوحي بمعان تفوق في قوتها وتعبيرها مصطلحات ومفاهيم استراتيجية تقليدية مثل الشراكة والتحالف وغيرها من الصيغ المتعارف عليها في العلاقات الدولية. فالإمارات تنطلق في رؤيتها للأمن القومي الخليجي بشكل خاص والأمن القومي العربي بشكل عام من ثوابت عدة، أهمها ضرورة التلاحم بين القوى العربية الفاعلة بقيادة السعودية للتصدي للتحديات التي تهدد المنطقة، والثقة المطلقة بحكمة القيادة السعودية وشجاعتها وحزمها وقوة عزمها وإرادتها الصلبة في التعامل مع مصادر الخطر والتهديد الاستراتيجي.

تقوم استراتيجية الخندق الواحد الأمنية على أسس عدة: التوافق الاستراتيجي في الرؤى السياسية والأمنية بين الدولتين؛ حماية وصون مصالح الدول والشعوب العربية؛ الحفاظ على منظومة الأمن والاستقرار الإقليمي؛ لاحترام والتقدير الاماراتي الكبير للدور التاريخي للمملكة العربية السعودية ودور قيادتها ضمن منظومة الأمن القومي الخليجي والعربي؛ الصراحة والمكاشفة والصدق والوضوح. وقد برهن دعم الشرعية في اليمن والوقوف في وجه أطماع إيران التوسعية فاعلية هذه الاستراتيجية.

وحدة مسار
ربما يكون أكبر تنسيق وتعاون استراتيجي بين الإمارات والسعودية هو وقوفهما في خندق واحد في حرب اليمن دفاعًا عن شرعية اغتصبتها عصابات رهنت مصير اليمنيين بأجندة خارجية، تعارض التوجهات العربية، وانتصارهما معًا للاعتدال والتسامح بضرب الإرهاب والتطرف، وكل من سوّلت له نفسه وطموحاته التوسعية زعزعة استقرار دول الخليج وأمان شعوبها.

وبشهادة أممية، على صعيد المساعدات الخارجية لدعم الاحتياجات الإنسانية العاجلة في اليمن، تعاونت الدولتان الشقيقتان في تقديم مبالغ هائلة لدعم اليمنيين وتخفيف معاناتهم جراء التجاوزات الحوثية، وآخرها مساعدات إنسانية بقيمة 200 مليون دولار لتوفير الاحتياجات الغذائية للشعب اليمني، في إطار حملة منسقة من المساعدات الإنسانية العاجلة، تهديف إلى تلبية احتياجات اليمنيين الأساسية في قطاعات الغذاء والتغذية والصحة ودعم المعيشة.

وقد أشادت منظمة الأمم المتحدة دائمًا بتعهد الإمارات والسعودية بتقديم دعم مالي يقدر بأكثر من مليار دولار لرفد العمل الإنساني في اليمن، إلى جانب التزامهما توفير مبالغ إضافية تفوق 500 مليون دولار من مانحين إقليميين آخرين.

تكامل اقتصادي
اقتصاديًا، تعتبر الإمارات واحدة من أهم شركاء السعودية التجاريين على صعيد المنطقة العربية بشكل عام ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص. بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 72 مليار ريال سعودي في 2018، وتتصدّر الإمارات قائمة الدول الخليجية المصدرة إلى السعودية، كما تأتي في مقدمة الدول الخليجية التي تستقبل الصادرات السعودية، وتأتي في مرتبة متقدمة في قائمة الدول العشر الأولى التي تستورد منها المملكة.

تتجاوز استثمارات المملكة في الإمارات 35 مليار درهم إماراتي، حيث تعمل في الإمارات حاليًا نحو 2366 شركة سعودية مسجلة لدى وزارة الاقتصاد و66 وكالة تجارية، ويبلغ عدد المشروعات السعودية في الإمارات 206 مشروعات، بينما يصل عدد المشروعات الإماراتية المشتركة في المملكة إلى 114 مشروعًا صناعيًا وخدميًا، برأس مال قدره 15 مليار ريال.

وأظهرت بيانات قطاع التسجيل والترخيص التجاري في اقتصادية دبي في سبتمبر الماضي أن عدد المستثمرين السعوديين في منشآت الأعمال في دبي يصل إلى 24500 مستثمر، يمتلكون بشكل كامل أو جزئي 7472 رخصة أعمال، تشمل 4157 رخصة مملوكة بشكل كامل من قبل رجال أعمال سعوديين.

وجهة مفضلة
سياحيًا، أضحت الوجهات السياحية الإماراتية خيارًا أول للعائلات السعودية طوال العام، لا سيما خلال الإجازات الأسبوعية والأعياد الوطنية والعطل الدراسة، حيث بلغ عدد الزوار السعوديين، الذين زاروا دبي وأبوظبي خلال النصف الأول من العام الجاري نحو 827 ألف زائر، منهم 756 ألف نزيل في دبي، و71 نزيلًا فندقيًا في أبوظبي، وذلك بحسب البيانات الصادرة من دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي ودائرة السياحة والتسويق التجاري في دبي.

يقدر عدد الحركات الجوية بين الإمارات والسعودية بنحو 600 رحلة أسبوعيًا موزعة بين الناقلات الوطنية والسعودية منها أكثر من 140 رحلة أسبوعية عبر "فلاي دبي" إلى 10 وجهات في المملكة، و84 رحلة لـ"طيران الإمارات" إلى 3 مدن رئيسة، وأكثر من 100 رحلة لـ"طيران العربية"، والباقي للناقلات السعودية.

إلى ذلك، شغّلت "الاتحاد للطيران"، الناقل الوطني لدولة الإمارات، 8049 رحلة جوية لنقل 1.3 مليون مسافر بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات في عام 2018. وتشغل "الاتحاد للطيران" 77 رحلة أسبوعية من وإلى السعودية، ومنها 3 رحلات للذهاب والعودة يوميًا إلى الرياض، و3 يوميًا إلى جدة، و4 يوميًا إلى الدمام، إضافة إلى الرحلات اليومية الموسمية إلى المدينة المنورة.
&
.. في الرياضة أيضًا
رياضيًا، كانت السعودية الشاهد الأول على ميلاد الكرة الإماراتية بشكل رسمي، وكانت أرض الحرمين المحطة الأولى التي انطلقت منها الرياضة الإماراتية عمومًا، وكرة القدم خصوصًا.

في 19 مارس 1972، جرى أول لقاء رسمي بين منتخبي الإمارات والسعودية لكرة القدم على إستاد الملز في الرياض، وبعد نحو نصف قرن، يعلم الطرفان أن لا خاسر في أي لقاء ودي بينهما، بغضّ النظر عن نتائجه، لأن المنتخب الإماراتي في كرة القدم وفي كل الألعاب حين يلعب على أرض المملكة، يدرك أنه يلعب على أرضه ووسط جماهيره. وكان أول تتويج للكرة السعودية بكأس الخليج العربي على أرض الإمارات، حين استضافت مدينة زايد الرياضية النسخة الثانية عشرة من بطولة كأس الخليج بين 3 و16 نوفمبر 1994.

منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي، بدأت الوفود الرياضية، فرقًا ومنتخبات وأندية واتحادات، تتبادل الزيارات والمعسكرات والخبرات والمنافع المشتركة. ولم يمضِ يوم من دون أن يشهد تواصلًا على المستويات كافة بين مسؤولي الرياضة في البلدين، ويدوم التنسيق بين هيئة الرياضة الإماراتية وشقيقتها السعودية، وبين الاتحادات في الدولتين على أعلى مستوى. يبدو ذلك جليًا في انتخابات الاتحادات الإقليمية والقارية؛ فمرشح السعودية هو مرشح الإمارات دائمًا، ومرشح الإمارات هو الخيار الأول لدى السعوديين.