رأس الخيمة: قبيل اكتشاف النفط الذي حوّل منطقة الخليج إلى واحدة من أكثر مناطق العالم ثراء، كان الإماراتيون يعتمدون على صيد اللؤلؤ كأبرز الأنشطة الاقتصادية، ويسعى عبد الله السويدي اليوم إلى إحياء هذا التقليد.

يمكن لكثير من العائلات الإماراتية أن تجد لدى تتبّع أصولها وتاريخها زمنا كانت منخرطة فيه في تجارة اللؤلؤ التي كانت بداية لثراء الدولة.

لم يعد من الضروري الغوص في البحر لصيد اللؤلؤ في وقت أصبحت زراعته ممكنة. لكن منذ وفاة جدّه، يشعر السويدي بأنه أصبح مسؤولا "اجتماعيا وثقافيا وتاريخيا" عن نقل هذه المعرفة لأبناء شعبه من الإماراتيين.

يقول السويدي (45 عاما) الذي يملك مزروعة للؤلؤ في إمارة رأس الخيمة في شمال دولة الخليجية إن "اللؤلؤ مكون رئيس في ثقافة الإمارات".

يروي صاحب العمل الذي يقوم بالغطس بنفسه خلال مقابلة مع وكالة فرانس برس "عشت وعاصرت جدي الذي علّمني الكثير في ما يتعلق بمهنة الغوص (...) لكثرة إلحاحي بالأسئلة وطلب معلومات ومزيد من الحكايات" حول اللؤلؤ.

يدير السويدي مشروعه في فترة تشهد فيها الأنشطة الثقافية التقليدية الإماراتية دفعا للحفاظ عليها والترويج لها، ومن هذه المشاريع تربية الصقور وسباقات الهجن.

وأعلنت السلطات في الشهر الماضي أن لؤلؤة عمرها ثمانية آلاف سنة تعد الأقدم في العالم ستعرض للمرة الأولى في متحف اللوفر- أبوظبي. أُطلق على اللؤلؤة اسم "لؤلؤة أبوظبي"، وقد عثر عليها في جزيرة مروّح قبالة سواحل العاصمة الإماراتية.

يقول رئيس قسم الآثار في دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي بيتر ماكجي "حقيقة إنّها أقدم لؤلؤة معروفة في العالم، هي تذكير مهم بالرابط العميق بين الشعب الإماراتي وموارد البحر".

لطالما اعتُبر صيد اللؤلؤ نشاطا اقتصاديا كبيرا في تاريخ الإمارات. ويقول ماكجي "من القرن الخامس عشر وبعده، كانت اللآلئ من مياه الإمارات تعد ممتلكات ثمينة في أوروبا وفي جميع انحاء آسيا".

تاريخ طويل&
تقع مزرعة السويدي للؤلؤ على ساحل مدينة الرمس التي يتحدر منها في إمارة رأس الخيمة الساعية في السنوات الماضية الى ترسيخ موقع لها على الخارطة الثقافية والاقتصادية لدولة الإمارات.

يعيش المحار في أقفاص تحت الماء معلقة بعوامات تطفو بالقرب من الشاطئ. بعدما يتم "تلقيحها"، تنتج 60% من المحار اللؤلؤ، مقارنة بواحدة من أصل 100 عند المحار البري. ويتذكّر السويدي أنّه كان يرافق جدّه عندما كان ولدا للغوص من أجل العثور على اللؤلؤ.

ويقوم السويدي بتغيير ملابسه من الكندورة الإماراتية التقليدية ليرتدي ملابس غوص سوداء اللون مصنوعة من القطن &تعرف باسم "شمشول" على متن سفينة شراعية تقليدية كان يستخدمها غواصو اللؤلؤ في السابق. ويقفز بعدها في المياه ليكرّر ما كان أسلافه يقومون به لالتقاط المحار.

يستخدم السويدي أدوات بسيطة مؤلفة من حجر يعلقه برجله لينزل سريعا إلى البحر، ومشبك يضعه على أنفه يعرف باسم "الفطام"، وسلّة يعلقها برقبته تعرف باسم "الديين".

وانهارت تجارة اللؤلؤ في الثلاثينات من القرن الماضي بعد ظهور زراعة اللؤلؤ اليابانية، ومع الصراعات التي جعلت من اللؤلؤ ترفا يصعب اقتناؤه.

يقول ماكجي "اللؤلؤ المزروع كان أسهل للإنتاج وأقل تكلفة ما أدى إلى تراجع قيمة اللؤلؤ الإماراتي". وتحولت دول الخليج بعدها إلى تجارة النفط التي لا تزال تشكل العامل الأساسي في اقتصاداتها حتى اليوم.

ومع أن السويدي يقوم ببيع اللآلىء لمصمّمين محليين وعالميين، إلا أنه يصر على أن مشروعه ليس موجّهًا لكسب المال فقط.
ويطمح السويدي الى الحفاظ على هذا التقليد حيًا عبر مشاركة مهاراته مع الشبان الإماراتيين والسيّاح الذين يأتون إلى مزرعته حيث يعمل نحو 20 موظفا.

يؤكّد أن "هناك نموا كبيرا في السياحة البيئية يزداد كل عام (..) لرغبة الناس في معرفة الأشياء المتعلقة بالطبيعة". يضيف "عندما يأتي شخص إلى الإمارات فسيرغب في رؤية شيء لم يره في مكان آخر، أي ثقافة هذا البلد ومكوّناته الرئيسة، واللؤلؤ مكوّن أساسي".