إيلاف: في حدث على مستوى عال غير مسبوق، في العاصمة البريطانية لندن، التقى الأمير غازي بن محمد، كبير مستشاري الملك للشؤون الدينية والثقافية والمبعوث الشخصي ورئيس مجلس أمناء هيئة موقع المغطس مع الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين لبحث موضوع النزاع بين الجانبين على موقع تعميد المسيح في نهر الأردن (المغطس).

قال بيان أردني رسمي إن الاجتماع الذي تم يوم الأربعاء في مقر السفير الأردني في لندن، جاء بناء على تنسيق مسبق منذ أشهر وبناء على طلب الجانب الإسرائيلي لبحث موضوع موقع المغطس، والذي أكدت جميع الكنائس ومنظمة اليونسكو أنّه يقع في الجانب الأردني، في شرق نهر الأردن.

يذكر أن لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "الأونيسكو" كانت اعتمدت في يوليو 2015 قرارًا بتسجيل المكان الذي تعمّد فيه المسيح على لائحة التراث العالمي.&

جاء في القرار الذي صدر في مدينة بون الألمانيّة إيضاح يذكر أنّه "يُعتقد أن يكون هذا الموقع هو المكان الذي تعمّد فيه يسوع الناصري على يد يوحنّا المعمدان". أمّا أحد الأسس التي انطلقت منها اللجنة لتعليل قرارها فكان ما وصفتها بأنها "النظرة المشتركة التي تتقاسمها معظم الكنائس المسيحيّة" حيال هذا الموقع.

موقف أونيسكو
يذكر أن الموقع المعروف بـ"المغطس" يقع في أراضي المملكة الاردنيّة الهاشميّة على الضفة الشرقيّة لنهر الاردن، على بعد تسعة كيلومترات شمال البحر الميت.&

وتقول "الأونيسكو" إنّ الموقع السياحي يتألّف من قسمين. الأوّل هو "تل الخرّار" المعروف بجبل "مار إلياس"، والثاني يضمّ كنائس عدّة ليوحنّا المعمدان قرب النهر. ويضم الموقع ذو الصبغة الرومانيّة والبيزنطيّة ديرًا وكنائس كبيرة وصغيرة وكهوفًا سكنها النسّاك وبرك&مياه استخدمها المتعمّدون.

يشار إلى أنه في عام 2011، عقد رؤساء جميع الكنائس المسيحيّة في الأردن وممثلوها لقاءً في وزارة الداخلية الأردنيّة استنكروا فيه تسمية السلطات الإسرائيلية إحدى الكنائس "المغطس".&

مسيحيون يتعمدون في الجانب الأردني&

وقد أكّد المجتمعون في حينه أنّ كلّ الاكتشافات والاثباتات تؤكّد أنّ موقع المغطس هو في شرق نهر الأردن، ولفتوا إلى ضرورة التمييز بين موقع عماد السيد المسيح في شرق النهر، والتعميد الذي من الممكن أن يكون في أيّ مكان آخر.

حينذاك، أعلن الأرشيدكون لؤي حدّاد ممثل الكنيسة الإنجيلية في الأردن أنّ الوثائق الكنسية والاعترافات من ذوي المراجع العليا في الكنيسة مجمعة على أنّ موقع المعموديّة هو في شرق النهر.&

أضاف أنّ هذا الاجماع مدعوم بنصوص من الإنجيل المقدّس وشهادات آباء الكنيسة الأولى. وجاءت مواقف بقيّة ممثلي الكنائس مؤيّدة بالإجماع لموقع عماد السيد المسيح الواقع في شرق لا في غرب نهر الأردن.

اعتراض فلسطيني
لكن إدراج هذا الموقع على لائحة الآثار واجه اعتراضًا فلسطينيًّا استنادًا إلى أنّ المعلم السياحي المعروف بـ"قصر اليهود" الموجود على الجانب الآخر من النهر، والواقع تحت الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربيّة، يجب أن يكون أيضًا جزءًا من اللائحة.&

وكان الأردن دعم بشدّة وضع "المغطس" على لائحة التراث العالمي. فهو انتقد القرار الإسرائيلي بجعل موقع عماد السيد المسيح في قصر اليهود، علمًا أنه حضر آنذاك الاجتماع نوّاب عدّة، من بينهم غازي مشربش، الذي أيّد فيه مواقف ممثلي الكنائس المسيحية في الاردن، مبرزًا أهمّيّة إصدار بيان لاهوتي تاريخي يؤكّد أنّ "بيت عنيا" هو موقع عماد السيد المسيح.

كلمة الفصل
من جهتها، اعتبرت الخبيرة الاسرائيليّة في شؤون الحج ييسكا هاراني في حديث الى وكالة "الاسوشييتد برس" أنّه إذا كانت هناك كلمة فصل لتحديد مكان المعموديّة فستقول إنّه في الضفة الغربيّة. لكنّها تابعت أنّه يجب تعيين الموقعين على جانبي الضفة على أنّهما معلم سياحيّ واحد يعكس معنى المعموديّة كرحلة من روحانيّة الصحراء إلى الأراضي المقدّسة.

وكانت طوائف كاثوليكيّة وأرثوذكسية وإنجيليّة كتبت رسائل عدّة تؤيّد أحقية الموقع الأردني الذي زاره ثلاثة بابوات منذ عام 2000، بكونه المكان التاريخي لمعمودية السيّد المسيح. فيما نسبت "أسوشيتد برس" إلى الناطق باسم بطريركية الروم الأرثوذكس في القدس الأب عيسى مصلح أنه يؤيّد قدسيّة الموقعين كليهما، لأنّ المؤمنين يأتون من الغرب والشرق ليلتقوا عند النهر.

قصر اليهود
يشار الى أنّ الاردن افتتح "المغطس" كموقع سياحي عام 2002، فيما ادّعت إسرائيل فتح موقع "قصر اليهود" كمكان لعماد السيد المسيح أمام السيّاح عام 2011. لم تكتفِ الدولة العبريّة بهذه الخطوة، بل قامت بنقل موقع المغطس، بسبب اعمال الحفر العسكريّة، الى موقع آخر يبعد حوالى 95 كيلومتراً الى بلدة يردنيت في جنوب بحيرة الجليل سنة 1981.

لوحة تمثل موقع المغطس&

ورغم أن قصر اليهود يقع في الأراضي التابعة للسلطة الفلسطينية، إلا أنه يخضع للإدارة الإسرائيلية، ويقع ضمن متنزه وطني أنشأته إسرائيل. وسمي بقصر اليهود نسبة إلى دير أرثوذوكسي يوناني ضخم يشبه القصر بني قريبا من الضفة الغربية لنهر الأردن.

وتشير الرواية التوراتية إلى أن اليهود عبروا نهر الأردن إلى فلسطين التاريخية بعد الفرار من مصر عبر هذا الموقع. ورغم أن الحكومة الأردنية نجحت بانتزاع اعتراف كنسي يؤكد أن الموقع المحدد للمغطس، حيث عمد المسيح، يقع عند الضفة الشرقية لنهر الأردن، إلا أن عددا كبيرا من الحجاج يزورون الموقع من الجانب الاسرائيلي، خاصة أن أمتارا قليلة تفصل ضفتي النهر.

وكان خلاف بعد اتفاقية السلام الأردنية مع اسرائيل عام 1994 أدى إلى مسح ضفتي النهر، ومن ثم تقرر السماح بزيارة الموقع من جانبي النهر وفتح المغطس من الجانب الأردني عام 2002، وفتحت إسرائيل جزءا منه في عام 2011.
&