مع وجود نحو 33 مليون مستمع للموسيقى، تتحول المملكة العربية السعودية لتكون رائدة في مجال الترفيه، بل وعلى الأرجح ستصبح القوة العظمى في مجال الموسيقى الحية في الشرق الأوسط.&

"إيلاف" من بيروت: على مسرح ضخم في الهواء الطلق بمنطقة الدرعية في العاصمة السعودية الرياض، اعتلى المغني الإسباني إنريكي إغليسياس المسرح في ديسمبر الماضي ليقدم أولى حفلاته، وأدى أغانيَ أشعلت حماس الجمهور. لم يكن إغليسياس النجم الوحيد الذي استضافته المملكة في ظل الفعاليات التي استمرت لثلاثة أيام، حيث استضافت نجوم عالميين آخرين، نذكر مهم فرقة "بلاك آيد بيز"، وديفيد غيتا.

خففت السعودية قبل أشهر القيود على الأنشطة الاجتماعية والفنون، ما سمح للنساء بقيادة السيارات والرجال والنساء بحضور الفعاليات الترفيهية معًا للمرة الأولى. وحضر المهرجان الذي استمر ثلاثة أيام في العاصمة الرياض حوالى 25 ألف سعودي، بمن فيهم نساء قدن سيارتهن بأنفسهن إلى الحفلات من دون ارتداء الحجاب.&

يقول أحمد العماري، وهو دي جي وعضو فريق مهرجان "ميدل بيست": "الناس لم يصدقوا ذلك.. هناك حفلات فنية وموسيقية الآن. كان حلمًا وتحقق".

سوق الحفلات

يكتسب مهرجان "ميدل بيست" للموسيقى الذي انطلق في 19 ديسمبر دورًا مهمًا في تنمية مواهب المبدعين السعوديين في مجال الفن والثقافة والموسيقى. ويجمع المهرجان الذي يمتد ثلاثة أيام متتالية من الرابعة عصرًا إلى الثالثة صباحًا، أكثر من 70 فنانًا مختصًا في موسيقى الـ دي جي، إضافة إلى عددٍ من الموسيقيين المحليين والعرب في احتفالية كبرى، تعد تتويجًا لنجاح موسم الرياض، الذي تنظمه الهيئة العامة للترفيه.

في اليوم الأول، تم تسجيل حضور 130 ألفًا، بحسب الهيئة العامة للترفيه في السعودية، فيما كشف القائمون على "ميدل بيست" أن عدد زوار المهرجان تجاوز 150 ألفًا في اليوم الثاني من الفعاليات والعروض الموسيقية الضخمة والعالمية التي تقام في الرياض، مبينين أن الرقم تجاوز كافة التوقعات؛ إذ كان من المتوقَّع أن تستقطب عروض المهرجان نحو 70 ألفًا. أما زوار اليوم الثالث فوصل عددهم إلى 120 ألفًا.

تهز المشهد السياحي

يقول العديد من الوكلاء والمروجين لمجلة "بيلبورد" المختصة بعالم الموسيقى إنه في الوقت الذي تواصل فيه البلاد جهودها للتحديث، تهز السعودية المشهد السياحي في الشرق الأوسط، حيث تدفع الحكومة للفنانين ما يصل إلى ضعف ما تقدمه البلدان المجاورة. وبينما سيطرت كل من دبي وقطر وأبو ظبي سابقًا على خريطة الحفلات في المنطقة، تطغى اليوم إمكانات السعودية، فهي دولة غنية يبلغ عدد سكانها 33 مليون نسمة، حوالي 60 في المئة منهم تحت سن الثلاثين.

يضيف وكلاء ومنظمو الحفلات للمجلة أن دفع المملكة نحو الترفيه كان سريعًا وممولًا بشكل جيد. قبل عامين، أطلقت المملكة خطة طويلة الأجل باسم رؤية "السعودية 2030" لتنويع اقتصادها المعتمد على النفط، مخصصةً 2.7 مليار دولار للترفيه. وتشمل أهداف الخطة تعزيز السياحة وخلق فرص العمل.&

في هذا السياق، يقول برونو ديل غرانادو، وكيل وكالة "كرياتيف أرتيستس" التي تمثل الفنان مالوما: "لا تزال هناك أموال جيدة في دبي وأبو ظبي لكن الأرباح في السعودية تفوق بأشواط ما في مصر أو تركيا أو أي دولة أخرى في الشرق الأوسط".

استقطاب النجوم

منذ أكثر من عقد من الزمان، اعتمدت دبي على الأموال الضخمة المقدمة للفنانين العالميين لاستقطاب أبرز نجوم العالم. ويقول وكلاء الحفلات إن السعودية تفعل الشئ نفسه في محاولة لإنعاش قطاع الترفيه لديها.

بعد عرض ديسمبر 2018، استقطبت سلسلة من الفعاليات في العام التالي أفضل الفنانين، بما في ذلك مالوما وجانيت جاكسون وفيفتي سنت. وفي 13 و 14 ديسمبر، كان كالفين هاريس ومجموعة «دار المافيا» السويدية من أبرز المشاركين في مهرجان الدرعية في الرياض.

يقول المنظمون إنه بفضل الدعم الكبير الذي تقدمه الحكومة السعودية، بقيت أسعار التذاكر منخفضة تترواح قيمتها بين 50 و75 دولارًا في المتوسط، وهو سعر أقل من أسعار الحفلات الموسيقية المماثلة في أبو ظبي، حيث يتراوح متوسط سعر التذاكر بين 100 و 150 دولارًا.

التنافس مع دبي

يقول بوب نيومان، الرئيس التنفيذي لشركة "أي أس أم غلوبال" التي تشّغل "كوكاكولا أرينا" التي افتُتحت في دبي عام 2018: "لدينا العديد من المشروعات الأخرى في المنطقة التي نبحث عنها وننظر فيها، ونحن نراهن على إمكانات السوق في الوقت الحالي".

تأثرت السوق في دبي، التي وضعت منطقة الشرق الأوسط على الخريطة السياحية قبل 15 عامًا، بالتباطؤ الاقتصادي والأزمة المالية والتي جعلت من الصعب على المروجين تقديم رسوم متميزة؛ إذ إن الحفلات الحية في أبو ظبي تعتمد إلى حد كبير على العمالة الوافدة.

بهذا الخصوص، يقول جون ليكريش، الرئيس التنفيذي لشركة "فلاش إنترتينمنت" التي تنظم فاعليات حكومية واسعة إن إيرادات رعاية الحفلات انخفضت هناك بنسبة 20 في المئة في عام 2019 مع انخفاض أسعار النفط.&

تُعتبر تجربة السعودية في عامها الأول مثيرة للإعجاب، إلا أنها لم تجذب بعد نفس مستوى النجوم العالميين كما فعلت أبو ظبي، حيث استضافت "فلاش إنترتينمنت"، "كولدبلاي" ثلاث مرات، إلى جانب بيونسيه ومادونا ورولينغ ستونز.

في الإمارات، تستوعب "كوكا كولا أرينا" حوالى 17 ألف متفرِّج، وهي مؤهلة لاستضافة العروض التي تتطلّب تكنولوجيا ومعدات متقدمة. وفي 2020، تفتتح "ياس باي أرينا" التي تستوعب 17500 شخص، فيما &يعتبر مسرح "دو آرينا" في أبو ظبي، بطاقة استيعابية تبلغ 50 ألفًا، أكبر مسرح في الهواء الطلق في المنطقة، وقد استضاف فرقة الروك الأميركية "ذا كيلرز" والمغنية انا ديل ري الشهر الماضي.

أما السعودية، فتعتمد أكثر على التصميمات الخارجية المخصصة لهذا الغرض، حيث يقول العماري، وهو أيضًا خبير استراتيجي للعلامات التجارية في مهرجان "ميدل بيست"، أن هذا المهرجان الذي يأمل المنظمون أن يجذب 200 ألف من مشتري التذاكر على مدار ثلاثة أيام، سيعتمد على منصات صُممت وصُنعت في بلجيكا.

شباب متعطش

يقول خبراء في صناعة الموسيقى أن دفع السعودية للترفيه يهدف إلى تحقيق طموح الشباب. ويقول ديل غرانادو: "أعود إلى التركيبة الديمغرافية للمملكة. مع وجود تركيبة سكانية صغيرة في السن، تتيح صناعة الموسيقى فرص عمل للسعوديين وفسحة من الترفيه".

أعرب ديل غرانادو عن شعوره بالدهشة عندما شاهد متوسط أعمار الجمهور اليافع في حفل مالوما في السعودية في نوفمبر الماضي، ومدى معرفتهم بموسيقى النجوم اللاتينيين، على الرغم من حاجز اللغة. أضاف: "شعرت وكأني في حفل موسيقي في لوس أنجلس أو بوينس آيرس أو سانتياغو».

بدوره، يقول توماس أوفين، مدير الترفيه في هيئة تطوير بوابة الدرعية: "كان بإمكاني رؤية ثلاث أو أربع محطات فنية في السعودية وحدها. وبعد هذا الاندفاع الأولي، من المتوقع أن يتراجع التدفق الحر للتمويل الحكومي، مع دخول المزيد من الجهات المروجة ذات التمويل الخاص إلى المملكة".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "بيلبورد".