تشتمل القمة العالمية لطاقة المستقبل، التي تعقد سنويًا وتقام دورتها المقبلة في مركز أبوظبي الوطني للمعارض، على برامج للمعارض والمنتديات تتوزع على 5 ركائز رئيسة: الطاقة والطاقة الشمسية والمياه والنفايات والمدن الذكية. في هذا التقرير عرض لدور الذكاء الاصطناعي في تحقيق الأمن المائي.

"إيلاف" من أبوظبي: تشكل القمة العالمية لطاقة المستقبل التي تنطلق بين 13 إلى 16 يناير 2020 بأبوظبي ملتقى عالميًا يجمع كبار المسؤولين الحكوميين وقادة الأعمال لمناقشة السوق العالمية الرائدة للطاقة والتقنيات النظيفة والاستدامة في المستقبل. لكن أهم ما سيتم التطرق إليه هو قدرة الذكاء الاصطناعي في توليد الطاقة وتعزيز الاستدامة وحل التحديات البيئية الأكثر إلحاحًا. هنا الجزء الأول حول العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والأمن المائي.

عن الذكاء الاصطناعي

قدرت شركة ماكينزي للاستشارات المالية العالمية في أبريل الماضي أن تقنيات الذكاء الاصطناعي قادرة على خلق ما يتراوح بين 3.5 إلى 5.8 تريليونات دولار من القيمة سنويًا عبر 19 صناعة مختلفة. والمعادلة جدًا بسيطة: عندما تصبح التكنولوجيا أكثر تطورًا ويحسن فهم تطبيقاتها المحتملة، يستمر الذكاء الاصطناعي في تغيير الطريقة التي يعمل بها الكثير من هذه الصناعات التسع عشرة.

أصبح وجود الذكاء الاصطناعي ملموسًا بالفعل، لأنه يتيح قيمة جديدة واستثمارًا جديدًا وكفاءة جديرة بالثقة وتحليلًا أفضل للبيانات في كل صناعة رئيسية. وفي حين أن معظم الشركات في جميع أنحاء العالم تبحث عن الذكاء الاصطناعي لقدرته على توليد إيرادات جديدة وخفض تكاليف التشغيل، فإن قدرته على تعزيز الاستدامة ربما تكون الأكثر إثارة بالنسبة إلى المنظمات التي تبحث عن طرائق لحلّ التحديات البيئية الأكثر إلحاحًا.

تتوازى المزايا البيئية والاقتصادية للذكاء الاصطناعي، حيث أن تقليل الهدر وخلق طرائق أفضل وأكثر فاعلية للقيام بالأشياء يعني عمليًا توفير الوقت والمال والتقليل من التأثيرات السلبية على الصحة العامة لكوكب الأرض. تشير النبؤات الحالية من شركة "برايس وترهاوس كوبرز" إلى أنه بحلول نهاية العقد المقبل، يمكن أن يطلق الذكاء الاصطناعي مساهمة بقيمة 5.2 تريليونات دولار في الاقتصاد العالمي، وسيخفض ما نسبته 4 في المئة من الغازات الدفيئة.

بنية تحتية للمياه

لا بدّ من الاستفادة مما يُطلق عليه اسم "الإدارة الذكية للمياه" أو "المياه الرقمية"، حيث تضع هذه الأنظمة الذكاء الاصطناعي في قلب طريقة جديدة لإدارة المياه. تحلّل قوة المعالجة الأولية للنظام المذكور بشكل فاعل كل ما يحدث من خلاله، في حين تتيح له عناصر التعلم الآلي تحسين فهمه كيفية الاستجابة الأفضل.

مع وجود الذكاء الاصطناعي، يمكن الحكومات والعاملون في المرافق العامة بناء وتسليم البنية التحتية للمياه بشكل يخضع لإشراف إداري شامل ومستدام، يمكنه تكييف مقاربته باستمرار مع أي موقف أو حالة طوارئ معينة.

من الأمثلة على ذلك، أعلنت شركة "الجيزة سيستمز"، الرائدة في مجال تصميم وتنفيذ مشروعات الحلول المتكاملة، في أغسطس 2019، أنها حصلت على عقد بقيمة 30 مليون دولار لتثبيت 120 ألف عداد مياه ذكي في المناطق الشمالية والغربية الشمالية من السعودية. وبمجرد تنفيذ هذا المشروع، سيعمل على تقليل تكاليف التشغيل وهدر المياه بشكل فاعل مع زيادة دقة بيانات استخدام المياه، ما يوفّر قاعدة بنية صلبة لمزيد من المعلومات المبنية على الذكاء الاصطناعي.

من بين المشروعات الأخرى المشابهة، نذكر الشبكة الذكية لهيئة كهرباء ومياه دبي (هيئة كهرباء ومياه دبي)، التي تم افتتاحها في يناير 2019، والتي تربط بين المباني الذكية من خلال نهج مدعوم من الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء لتحسين كفاءة الطاقة والمياه وتخفيض استهلاك المواد. تحتوي المحطة على أكثر من 2000 جهاز استشعار، وعلى عدد كبير من العدادات الذكية التي يغذيها تيار مستمر من البيانات حول الطلب والاستهلاك.

معالجة هدر المياه

أصبح الذكاء الاصطناعي أداة أساسية في مكافحة هدر المياه، كونه يعمل على تقييم الطلب وتوريده. ما أشرنا إليه هنا يحظى بأهمية خاصة في البلدان التي تعاني شحًا في المياه، بما فيها دول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث لا يحصل 60 في المئة من السكان على مياه الشرب النظيفة.

طبعًا، كل ما أوردناه لا يرتبط بمنطقة جغرافية معينة، بل يشمل العالم؛ إذ يشير تقرير حديث إلى أن الولايات المتحدة وحدها تهدر 7 مليارات غالون من مياه الشرب يوميًا. ومع ضرورة الحد من هذا الهدر الشديد، يتم استخدام الذكاء الاصطناعي على نطاق أوسع لتحليل تدفقات المياه في الوقت الحقيقي، وإرسال التحذيرات وإغلاق أنظمة التشغيل تلقائيًا عند مواجهة تسرب المياه والمشكلات الأخرى.

يمنع هذا النهج هدر المياه ويوفر تكاليف التشغيل، حيث يتفاعل النظام في جزء صغير من الوقت بطريقة أسرع من الوقت الذي قد يستغرقه طاقم هندسي بشري لمراقبة المشكلة وحلها.

تعزيز موارد المياه

يُعد استخدام الذكاء الاصطناعي بهذه الطريقة الوقائية أحد أهداف استراتيجية الإمارات العربية المتحدة للأمن المائي لعام 2036، والتي تم تقديمها في عام 2017 لضمان الوصول المستدام على المدى الطويل إلى المياه خلال الظروف العادية والطارئة، من طريق اتباع أحدث الإرشادات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية لتطبيق أحدث التقنيات الناشئة في صناعة المياه وتنفيذها.

ركزت سياسات الاستراتيجية، منذ تقديمها، على تعزيز موارد المياه للدفع بثبات نحو تحقيق هدفين رئيسيين متمثلين في خفض استهلاك المياه في الإمارات بنسبة 21 في المئة بحلول عام 2030، مع زيادة إعادة تدوير المياه إلى 95 في المئة. وأبرزت سياسة المياه المعاد تدويرها الصادرة عن إدارة الطاقة في أبو ظبي أخيرًا الحاجة إلى أن تنظر جميع القطاعات في أفضل الطرائق وأكثرها ملاءمة لتنفيذ أحدث تقنيات إعادة تدوير المياه، بما في ذلك حلول الذكاء الاصطناعي المتقدمة.

الزراعة الذكية

تشير أرقام البنك الدولي إلى أن الزراعة مسؤولة عن نحو 70 في المئة من إجمالي عمليات استهلاك المياه على مستوى العالم، ما يجعلها أكبر قطاع يستخدم المياه. وفي هذا السياق، تشير التقارير الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) إلى هدر ما يصل إلى 42 في المئة من المياه المستهلكة على الزراعة.

بديهي القول إنه يجب تغيير هذا المستوى المذهل وغير المستدام من عدم الكفاءة، وهذا بالفعل يدفع إلى تسريع تقنيات الزراعة الذكية التي تعمل بوساطة حلول الذكاء الاصطناعي. لذلك، تتضافر مجموعة واسعة من الأنظمة والحلول لإنشاء مزرعة ذات إمكانات رقمية في المستقبل، بحيث تستخدم الحد الأدنى من كمية المياه مع تقليل الهدر.

تشمل الحلول المستحدثة القائمة على الذكاء الاصطناعي ما يأتي:

أنظمة تحليل الذكاء الاصطناعي القائمة على الدقة، والتي تستخدم مجموعة من مجموعات البيانات بما فيها صور الأقمار الصناعية والمناخ ودرجة الحرارة والرطوبة والتنبؤات الجوية، لتقترح قرارات لإدارة المحاصيل مع هدر كميات أقل من المياه.
تغذية الذكاء الاصطناعي بالبيانات عبر مستشعرات التربة والضوء القادرة على تقديم رؤية استراتيجية حول الأوقات الأكثر ملاءمة لمحاصيل المياه، واستخدام الأسمدة.

أنظمة الري الذكية التي يتحكم بها الذكاء الاصطناعي والقادرة على توفير تغطية مياه دقيقة للغاية للمحاصيل مع معالجة استباقية لتسرب المياه.

مزرعة المستقبل

إن المشروع الذي يوضح القيمة الكامنة لهذا النهج وإمكاناته هو شبكة "فرجينيا لتوفير التكنولوجيا الذكية للمزارع"؛ إذ تقوم جامعة فرجينيا للتكنولوجيا في الولايات المتحدة ببناء مزرعة المستقبل من خلال ربط 120 موقعًا في جميع أنحاء الولاية من خلال شبكة قادرة على تبادل المعلومات في الوقت الحقيقي عن ظروف التربة والطقس والاستشارات عن الآفات الذراعية وغير ذلك.

تُجمع هذه البيانات بالاستعانة بطائرات من دون طيار وأقمار صناعية وروبوتات زراعية ذاتية على الأرض وعشرات الآلاف من أجهزة الاستشعار الفردية؛ وأيضًا من خلال حلول الإدارة القائمة على الذكاء الاصطناعي لشبكة فرجينيا، والتي تقوم بدورها بتقديم المشورة للمشغلين من البشر حول أفضل طريقة للعمل لتحسين غلة المحاصيل واستخدام المياه والاستدامة الشاملة للمزارع داخل الشبكة.