دافوس: يقدم تقرير المخاطر العالمية للألفية الجديدة والصادر عن منتدى دافوس الاقتصادي العالمي، صوة قاتمة للأوضاع في العالم ويدق نواقيس الخطر حيال قضايا كثيرة.

وجاء في ملخّص للتقرير اطلعت "إيلاف" على نسخة منه: "لا يمكن للعالم أن ينتظر انقشاع ضباب الريبة تجاه قضايا الجيوسياسية والاقتصادية. فعلى العالم أن يختار كيف يخرج من المرحلة الراهنة أملاً في أن "يعود" النظام العالمي إلى طبيعته وألاّ يجازف بتضييع الفرص السانحة بالغة الأهمية لمواجهة التحديات المُلِحَّة. أما في ما يخصّ القضايا الرئيسية كالاقتصاد والبيئة والتكنولوجيا والصحة العامة، يجب على الأطراف المحرِّكة إيجاد طرق تساعدها على التصرف بشكل سريع، ويضمن تحديد الأهدافٍ الصحيحة ضمن مشهدٍ عالميٍ غير مستقر".

عالم يسوده عدم الإستقرار:

يرى التقرير أنّ القوى الاقتصادية والديموغرافية والتكنولوجية البارزة، تشكّل ميزاناً جديداً للقوة، مما ينتج عنه مشهد جغرافي سياسي يفتقر إلى الإستقرار، حيث تنظر الدول بشكل متزايد إلى الفرص والتحديات من منظور أحادي الجانب. وحيث أن ما كان سائداً ومقبولاً سابقاً في ما يخصّ التحالفات والأنظمة المتعددة الأطراف لن يعد كذلك، حيث تتساءل الدول عن قيمة الأطر القديمة التي لا تزال القائمة، وتتبنى مواقف أكثر قومية -محلية- سعياً وراء تنفيذ أهداف فردية، فيما تعمل على دراسة العواقب الجيوسياسية المحتملة لفكّ الارتباط السائد في المجال الاقتصادي.

وعلاوة على خطر نشوب الصراعات، فإذا ما ركّزت الأطراف المحرِّكة على المزايا المباشرة والفورية للجغرافيا الاستراتيجية وفشلت في وضع تصورٍ جديد أو اعتماد آليات جديدة للتنسيق خلال هذه الفترة التي تتسم بعدم الإستقرار، فقد تتلاشى الفرص المتاحة للعمل على ومعالجة الأولويات الرئيسية.

المخاطر التي تواجه الاستقرار الاقتصادي والتماسك الاجتماعي:

حذّرت النسخ السابقة لتقرير المخاطر العالمية من الضغط الذي يتعرّض له الاقتصاد العالمي بسبب هشاشة الاقتصاد الكلي والتفاوت في التكافؤ المالي، وقد استمرت هذه الضغوط في التفاقم خلال عام 2019. الأمر الذي أدى إلى زيادة خطر الركود الاقتصادي، والذي تسبب بالتزامن مع زيادة النزعة القومية للسياسات في تلاشي تخفيض الحواجز أمام المبادلات التجارية، والحذر والتحوط المالي والاستثمارات العالمية القوية، الأمور التي كانت تعتبر أسس النمو الاقتصادي.

كما أن هوامش الحوافز المالية والنقدية باتت هي الأخرى أقلّ مما كانت عليه قبل الأزمة المالية التي ضربت الإقتصاد العالمي في عامي 2008-2009، الأمر الذي يولّد حالةً من الشك والريبة بشأن مدى نجاح السياسات المضادة للتقلبات الدورية.

قد يستمر المناخ الاقتصادي الصعب هذا العام أيضاً: وبحسب الدراسة المسحية التابعة لتقرير المخاطر العالمية التي يجريها المنتدى الاقتصادي العالمي، يرى أصحاب المصلحة المتعددة أن "المواجهات الاقتصادية" و"الاستقطاب السياسي المحلي" من أهم المخاطر في عام 2020.

وفي ظل هذه النظرة الاقتصادية المظلمة، ازداد استياء المواطنين من الأنظمة التي فشلت في تعزيز التنمية والتطور. فقد أثار رفض واستنكار الأفراد للطرق والأساليب التي تنتهجها الحكومات لمعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية العميقة احتجاجاتٍ في جميع أنحاء العالم، مما قد يُضعف قدرة الحكومات على اتخاذ إجراءات حاسمة في حال حدوث حالة انكماش أو تباطؤ اقتصادي. وفي ظل غياب الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، لا يمكن للدول حينها تأمين الموارد أو الهوامش المالية أو رأس المال السياسي أو تقديم الدعم الاجتماعي الضروري واللازم لمواجهة المخاطر العالمية الرئيسية.

التهديدات المناخية وتسارع فقدان التنوع البيولوجي:

حسب التقرير، فإن التغيّر المناخي أصعب وأقوى بكثير مما توقع الكثيرون. وقد سجّلت السنوات الخمس الماضية أعلى درجات الحرارة على الإطلاق، فيما ازدادت الكوارث الطبيعية بالعدد وبالشدةً، وشهد العام الماضي ظواهر طقس متطرفة للغاية لم يسبق لها مثيل حول العالم.

ومن المثير للقلق، أن درجات الحرارة العالمية سترتفع ثلاثة درجات مئوية على أقل تقدير مع نهاية القرن الحالي، وهو ضعف ما حذّر منه خبراء المناخ بوصفه الحد الأقصى لتفادي أشد وأعنف العواقب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. تضاف تأثيرات التغير المناخي على المدى القريب إلى حالة الطوارئ التي ستسود العالم والتي ستترتب عنها خسائر في الأرواح وتوترات اجتماعية وجيوسياسية وآثار اقتصادية سلبية.

للمرة الاولى منذ إطلاق الدراسة المسحية التابعة لتقرير المخاطر العالمية والتي يجريها المنتدى الاقتصادي العالمي، تهيمن المخاوف البيئية على المخاطر الرئيسية على المدى الطويل من ناحية احتمالية الحدوث، على إجابات الأعضاء التي شملتهم الدراسة وهم من أصحاب المصالح المتعددة. فثلاثة من أكبر خمسة مخاطر من حيث التأثير هي أيضًا مخاطر بيئية (الرجاء الاطلاع على الشكل التوضيحي I، مشهد المخاطر المتطورة 2007-2020). وبحسب الدراسة، يعد "الفشل في التخفيف من التغير المناخي والتكيف معه" الخطر الأول من حيث التأثير والثاني في احتمالية الحدوث على مدى السنوات العشر المقبلة.

ويُظهر أعضاء مجتمع مشكلوا العالم التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي، مزيداً من المخاوف، ويصنفون القضايا البيئية كأهم المخاطر على المدى القصير والطويل.

ويرى الأفراد الذين شملتهم الدراسة أن معدّل فقدان التنوع البيولوجي هو ثاني المخاطر تأثيراً والثالث من ناحية احتمالية الحدوث خلال العقد المقبل. فمعدّل الانقراض الحالي أعلى بعشرات المئات من المرات من المتوسط خلال العشرة ملايين سنة الماضية، وهو في ازدياد مستمرّ. إن لفقدان التنوع البيولوجي آثار حساسة وخطيرة على البشرية جمعاء، قهو يعني انهيار الأنظمة الغذائية والصحية، وتعطيل وحدوث اضطرابات في سلسلة الإمداد بأكملها.

الآثار المرتبة على تجزئة التكنولوجيا الرقمية:

يخلص التقرير إلى أنّ ما يزيد عن 50٪ من سكان العالم يحصلون على شبكة الإنترنت، ويتصفح حوالي مليون شخص تقريبا الإنترنت لأول مرة كل يوم، ويمتلك نحو ثلثي سكان العالم هواتف نقالة. في حين أن التكنولوجيا الرقمية تجلب العديد من الفوائد الإقتصادية والإجتماعية الهائلة لكثير من سكان العالم، إلا أن مسائل مثل عدم تساوي الفرص في الولوج إلى الإنترنت، والافتقار إلى إطار عالمي لإدارة التكنولوجيا والهجمات من خلال شبكة الانترنت وانعدام الأمن؛ كلها تشكل مخاطر كبيرة. وتمثل الريبة والحذر تجاه المسائل الجيوسياسية والجغرافيا الاقتصادية - بما في ذلك احتمال وجود فضاء إلكتروني مجزّأ - أيضا تهديداً بمنع الإمكانات القصوى للجيل القادم من التكنولوجيا. وصنف أولئك الذين أجابوا على الدراسة المسحية بأن "انهيار البنية التحتية للمعلومات" يحتل المرتبة السادسة ضمن المخاطر الأكثر تأثيراً في الأعوام القادمة إلى غاية عام 2030.

ضغوطات جديدة للنظم الصحية:

باتت الأنظمة الصحية في مختلف أنحاء العالم معرضة لخطر عدم صلاحيتها لتحقيق الغرض منها. إن نقاط الضعف والثغرات الجديدة الناجمة عن تغيير الأنماط الاجتماعية والبيئية والسكانية والتكنولوجية تهدد بالتراجع عن المكاسب الكبيرة التي حققتها في مجال البرامج الصحية والازدهار التي قامت بدعمه النظم الصحية خلال القرن الماضي.

وحلَّت الأمراض غير المعدية - مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والأمراض العقلية - محل الأمراض المعدية باعتبارها السبب الرئيسي للوفاة. ومع ازدياد معدّل طول العمر، ازدادت التكاليف الاقتصادية والاجتماعية لمعالجة الأمراض المزمنة الأمر الذي وضع أنظمة الرعاية الصحية في العديد من البلدان تحت ضغطٍ أكبر. كما أن التقدم المسجّل في مكافحة الأمراض الوبائية أصبح أقلّ وذلك بسبب أخذ اللقاحات المتعددة ومقاومة العقاقير، مما يؤدي إلى صعوبة متزايدة في توجيه الضربة القاضية لبعض أكبر العوامل التي تفتك بالبشرية. ومع تصاعد المخاطر الصحية الحالية وظهور مخاطر جديدة، فإن النجاحات البشرية السابقة في التغلب على التحديات الصحية لم تعد تشكل ضمانا للنتائج المستقبلية.

لا تزال هناك فرصة لأصحاب المصالح المتعددة لمواجهة ومعالجة هذه المخاطر، إلا أن الفرصة لن تدوم طويلاً. إننا بأمس الحاجة إلى التنسيق بين الإجراءات التي تتخذها أصحاب المصالح المتعددة للتخفيف من أسوأ النتائج وبناء القدرة على التكيف بالإضافة إلى المرونة وسرعة الاستجابة بين المجتمعات والشركات.