نصر المجالي: أعاد ضابط موساد إسرائيلي إلى الواجهة مجددا قصة "جاسوسية" أشرف مروان، لإسرائيل وهي كانت أثارت جدالات وخلافات في الآراء في تل أبيب والقاهرة.

وكشفت صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية معلومات جديدة، على لسان ضابط الموساد الذي كان مسؤولا عن أشرف مروان لمدة ربع قرن، وقالت إن ذلك يدعم الموقف الرسمي في إسرائيل عن حقيقة صهر الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر ومدير مكتب اتصالات الرئيس السابق أنور السادات.

وأعدت صحيفة (التايمز) اللندنية تقريرا كتبه مراسل الشرق الأوسط، ريتشارد سبنسر، عن التفاصيل الجديدة، مشيرة إلى أنها ستعيد كتابة بعضا من تاريخ إسرائيل.

وتشير الصحيفة إلى أن بعض المؤرخين، وجواسيس سابقون، ومسؤولون مصريون سابقون يردون الطرح الإسرائيلي الرسمي بأن مروان كان أهم عميل للموساد، ويقولون إنه كان على العكس يعمل لصالح القاهرة.

اهم فترة

ونشرت صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية، حديثا لضابط الموساد الإسرائيلي واسمه الحركي ديبي، عن لحظات تاريخية في تاريخ إسرائيل، خاصة الفترة التي سبقت حرب 1973، وهي أهم فترة في مشوار أشرف مروان كجاسوس.

فقد اتصل صهر عبد الناصر بالموساد في عام 1970، عندما كان عمره 26 عاما. والتقى أول مرة الضابط ديبي في ديسمبر في فندق لانكستر في لندن.

ويقول تقرير التايمز إن دوافع مروان للتعامل مع الموساد كانت غير واضحة. ومن الأسباب التي قيل إنها دفعته إلى خيانة بلاده، بحسب الروايات، هو حنقه من عبد الناصر، الذي حاول منعه من الزواج من ابنته منى، ودأب على استصغاره.

ولكن الغريب أنه انتظر حتى الأشهر الأخيرة من حياة عبد الناصر ليعرض خدماته على الموساد. فقد توفي عبد الناصر في سبتمبر 1970 بعد فترة قليلة من اتصال صهره بالموساد.

دافع المال

ويقول ضابط (الموساد) ديبي إنه لم يسأل المخبر عن دوافعه، ولكنه كان يعتقد أنه المال، لأن مروان تلقى عشرات الآلاف من الدولارات. ويضيف أن ضابط الموساد لا يسأل عادة المخبر عن دوافعه. ولكن هذه الدوافع كانت مصدر قلق للقيادة في تل أبيب، التي كانت تريد أن تعرف سبب عرض خدماته، فهم لا يريدون المتطوعين ويتحسسون منهم.

واستغل مروان، بحسب الضابط الإسرائيلي، علاقاته مع الرئيس أنور السادات، خلف عبد الناصر، لتسريب خطط عسكرية ومعلومات سرية قبل محادثات كامب ديفيد التي أدت إلى اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل في عام 1979. ولكن تبقى المعلومات التي سربها قبل حرب 1973 أهم ما قدمه للموساد.

فقد أمد المخابرات الإسرائيلية بتفاصيل دقيقة عن تحضيرات الجيش المصري للهجوم على المناطق التي كانت تحتلها إسرائيل في سيناء عبر قناة السويس، باستثناء التوقيت الذي كان متأخرا بساعات. فقد أخبر الموساد بأن الهجوم سيكون في غروب يوم 6 أكتوبر. ولكن القوات المصرية شنت هجومها في الساعة الثانية ظهرا.

ارباك

ويقول تقرير الصحيفة البريطانية إن هذه المعلومة أربكت الدفاعات الإسرائيلية، ومن ثم طرحت فرضيات أنه تعمد إمداد الموساد بمعلومات خاطئة. ولكن الضابط ديبي يقول إن هذا الطرح غير صحيح، وإن الجنرال إيلي زيرا مدير المخابرات العسكرية هو الذي روجه لأنه لم يكن يثق في "الملاك"، وكان يبحث عن شخص يحمله مسؤولية الخسائر الإسرائيلية في الحرب.

ولا يزال زيرا، البالغ من العمر 91 عاما، متمسكا بأقواله، ولكنه رفض التعليق على ما جاء في صحيفة هاآرتس. والتقى مروان، الذي أصبح لاحقا تاجر سلاح، الضابط ديبي في 1998، وكانت نهايته أن سقط من شرفة شقة في لندن في 2007.

ولكن السلطات المصرية تنفي أنه كان عميلا للموساد، وقد أقيمت له جنازة كبيرة، حضرها الرئيس السابق حسني مبارك.

تقرير إيلاف

يذكر أن شركة "نتفليكس" كانت عرضت في أغسطس 2018 الفيلم الإسرائيلي المثير للجدل "الملاك – The Angel"، الذي يسلط الضوء على حياة رجل الأعمال المصري أشرف مروان صهر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، ومدير مكتب الرئيس الراحل أنور السادات لشؤون الاتصالات.

وحينها نشرت (إيلاف) تقريرا تساءلت فيه ما إذا كانت حرب أكتوبر 1973 تحريكا لعملية السلام، من خلال بعض ما ورد في الفيلم "The Angle" المأخوذ عن كتاب الإسرائيلي أوري بار جوزيف خبير الاستخبارات: "الملاك.. الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل"، عن رجل الأعمال المصري، أشرف مروان، الذي عمل لمصلحة الموساد، بحسب الرواية الإسرائيلية، منذ عام 1969 حتى عام 1975، حيث قالت شخصيات إسرائيلية إن الموساد كان يلقّبه بـ"الملاك" و"بابل" و"الصهر".

اشرف مروان في فيلم (الملاك)

وتعتبر مصادر متعددة أن أشرف مروان، الذي كان موضع ثقة سلفه أنور السادات، واحد من أبرز وأهم جواسيس إسرائيل في القرن العشرين.

ولوحظ في بعض حوارات أشرف مروان، حسب معطيات الفيلم ولقاءاته مع القادة المصريين ورجال (الموساد) الإسرائيلي، أنه كان يركز على ضرورة إحلال السلام بدلًا من الذهاب بعيدًا في الحروب وتكبّد الخسائر في الأرواح بين الجانبين المصري والإسرائيلي.

حرب أكتوبر

كما إن من يستعرض بعمق بعض ما دار في تلك الحوارات، وخصوصًا بين أشرف مروان والرئيس الراحل السادات، فإنه يكاد يلمس ما يشير إلى أن حرب أكتوبر 1973 لا أكثر من تحريك نحو عملية السلام، حيث كانت زيارة السادات إلى القدس بعد الحرب بأربع سنوات، وهي الزيارة التي قادت إلى اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل.

وكانت "نتفليكس - Netflix" اشترت في سابقة تعدّ الأولى من نوعها لها، الفيلم الإسرائيلي "الملاك"، قبل أن يتم إنتاجه بعام كامل، وقررت عرضه في دور السينما، ودفعت الشركة مقابله 12 مليون دولار. وأصبحت "نتفليكس" صاحبة حقوق توزيع الفيلم حصريًا، والذي أنتجته شركة "تي تي في" الإسرائيلية وشركة "أداما" الفرنسية.

معلومات

تقول الرواية الإسرائيلية إن مروان لعب دورًا كبيرًا في إمداد إسرائيل بمعلومات مهمة عن الجيش المصري، خاصة قبيل حرب أكتوبر 1973، عندما كان يعمل مستشارًا للرئيس الراحل، محمد أنور السادات. ويسلط الفيلم الضوء أيضًا على وفاته الغامضة في لندن، في يونيو عام 2007، والحديث عن شبهات في حادثة هذه الوفاة.

وكان عثر على جثة مروان خارج مسكنه في لندن، ولم يُعرف حتى الآن ما إذا كان موته قتلًا أم انتحارًا، لكن منى عبدالناصر أكدت آنذاك أنها "واثقة من أن زوجها أُلقي به من على شرفة منزله، واتهمت الموساد الإسرائيلي بقتله".

ويعتقد الكثيرون أنه دفع من شرفة منزله في الكائن في الطبقة الخامسة، وهو أمر لم يتم التأكد منه أبدًا.

كان مسؤولون مصريون بارزون حضروا جنازة أشرف مروان، من بينهم الرئيس السابق حسني مبارك ورئيس الاستخبارات السابق عمر سليمان. وقد أشاد مبارك حينئذ بأعماله الوطنية، ولكنه لم يكشف عنها أبدًا.

استنكار

وكانت أنباء عن تصوير وعرض فيلم الملاك أثارت استنكارًا في الأوساط المصرية على مختلف المستويات، بسبب "التلفيقات الإسرائيلية" لشخصية أشرف مروان، الذي كان بطلًا مصريًا حقيقيًا ساهم في عملية الخداع الاستراتيجية في حرب أكتوبر.

وقال رئيس وحدة الدراسات الإسرائيلية في المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط طارق فهمي إن إسرائيل اعتادت منذ وقت طويل على الترويج بأن أشرف مروان كان عميلًا مزدوجًا.

لكن عند وفاته، حضر الرئيس السابق حسني مبارك ورئيس المخابرات العامة السابق، الراحل عمر سليمان، جنازته. وأشاد مبارك حينئذ بأعماله الوطنية، مؤكدًا أن إشادة مبارك بدور مروان كانت بمثابة صك براءته.

كتب سيناريو الفيلم، ديفيد أراتا، وأخرجه أرييل فرومين. ويمثل دور أشرف مروان الممثل الهولندي تونسي الأصل، مروان كنزاري، بينما يؤدي دور أنور السادات الممثل الإسرائيلي من أصل عراقي، ساسون جاباي، وقام بدور جمال عبد الناصر الممثل الأميركي من أصل فلسطيني، وليد زعيتر، وتؤدي الممثلة الفلسطينية، ميساء عبد الهادي، دور منى ابنة عبد الناصر.