مابل: في معسكر مابل في شمال غرب جنوب السودان يحمل مئات الجنود الحكوميين والمتمردين المسرحين رشاشات خشبية مزيفة وهم يغنون معا في إطار تدريبات تهدف إلى تشكيل جيش وطني موحد بموجب اتفاقية السلام الأخيرة في هذا البلد.

وتصرخ المجموعة المتواجدة في ثكنة بدائية "النصر لجنوب السودان!" فيما تطلق النساء الزغاريد تشجيعا لهم.

وراح الجميع يغنون ويرقصون متسببين بسحابة من الغبار وهم يضربون الأرض بأقدامهم. لكن بعيدا عن هذا العرض، يبقى التفاؤل ضعيفا.

فهذه المجموعة المتفرقة غير جاهزة بعد لحماية جنوب السودان قبل أيام من مرحلة أساسية في عملية السلام الهشة. فبموجب اتفاق يهدف إلى وقف إراقة الدماء المستمرة منذ ست سنوات، يفترض أن يُجمع خصوم الماضي هؤلاء في معسكرات للخضوع لتدريبات جديدة يخرجون منها ليشكلوا جيشا واحدا جديدا في البلاد.

وقد أمضى غالبيتهم السنوات الست الأخيرة وهم يقاتلون في حرب أهلية راح ضحيتها 380 ألف شخص مع ملايين النازحين واللاجئين في حين حل الدمار في أجزاء كبيرة من البلاد.

ويقول اديسون اركاينجيلو موسى وهو مقاتل معارض لوكالة فرانس برس في موقع التدريب في مابل على بعد 90 كيلومترا من واو في شمال غرب البلاد "جل ما نحتاجه هو توحيد قوانا.. والسلام بانتظارنا".

إلا انهم غير جاهزين بتاتا لتولي مهمة الأمن في مرحلة دقيقة يمر بها جنوب السودان مع ضغوط كثيرة تمارس على هدنة قائمة بين القادة المتخاصمين.

التدريب الرسمي لم يبدأ بعد فيما لم تتوافر عشرات ملايين الدولارات الضرورية لذلك، ما ينفي احتمال أن تكون هذه القوات جاهزة في الوقت المناسب. ويتكدس عشرات آلاف الجنود في معسكرات من دون توافر الغذاء والمياه الكافيين لهم.

وقال موفدون للأمم المتحدة خلال الشهر الحالي إن الظروف في المعسكرات "مقيتة" مشيرين إلى ان نساء يقمن في الجوار تعرضن للاغتصاب.

تأخير وانقسامات
يماطل طرفا النزاع الرئيسيان الرئيس سالفا كير ونائبه السابق ريك مشار في تشكيل حكومة وحدة وطنية بحلول 22 شباط/فبراير رغم الضغوط الدولية القوية.

ويشكل الدمج بين مقاتلي الطرفين ضمن قوة واحدة بعيدا عن الانتماءات السياسية والاتنية، بندا حيويا في اتفاق السلام الموقع في العام 2018.

وقبل سنتين على ذلك، انهار اتفاق آخر عندما تواجهت قوات مشار والحرس الجمهوري في وسط العاصمة. لكن هذه المرة، اتفق الطرفان المتخاصمان على تشكيل جيش يضم 83 ألف عنصر يضمن استقرار البلاد ويتجاوز الانقسامات.

ومع مرور 18 شهرا على ذلك، يتواجد في معسكرات التدريب 36 ألف مقاتل فقط على ما يقول أغوستينو نجوروج رئيس اللجنة التي شكلتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) لتقويم تطبيق اتفاقية السلام. وهو أوضح في وثيقة نشرت الثلاثاء أن "اختيار الجنود وتدريبهم لم يبدأ بعد".

وفي مابل خلال زيارة قام بها فريق من وكالة فرانس برس قبل فترة قصيرة، شارك الجنود في حصص توعية على الاغتصاب وحماية الأطفال وجرائم الحرب وفرتها خبيرة في حقوق الإنسان من الأمم المتحدة.

وبدت ظروف العيش في هذه صعبة جدا فلا مراحيض فيها ما يضطر الجنود إلى قضاء حاجتهم على الأشجار المجاورة. وتقيم النساء والأطفال على مسافة قريبة من المعسكر.

ويوضح كريستو غوردون وهو من صفوف المتمردين فيما يتقاسم طبق من الذرة والفاصولياء مع آخرين "احيانا لا يتوافر الطعام بتاتا".

ويقول رفيق السلاح اركينجيلو إن غياب الطعام يزيد من مخاطر تعرض البلدات المجاورة للنهب من قبل المقاتلين. ويؤكد كريستو "نحتاج إلى مساعدة".

السلام سيحل
لا يملك الكثير من هؤلاء الرجال بزات ولا أحذية. ويرتدي بعضهم قمصانا لكرة القدم. وتحمل مقاتلة سابقة الرشاش المزيف على كتف، وطفلها الرضيع على الآخر.

ويهمس جندي حكومي عند مروره "اعطونا المال لشراء أحذية" وهو يملك بزة لكنه ينتعل صندلا فقط. ومن أصل مئة مليون دولار وعدت بها حكومة سالفا كير لهذا البرنامج، لم توفر سوى 40 مليونا على ما يؤكد موفد إيغاد لجنوب السودان إسماعيل وايز.

وقال اندرو تشامبان أحد أعضاء مهمة تقييم أرسلها مجلس حقوق الانسان في الأمم المتحدة قبل فترة قصيرة غنه مع الأموال التي تمنح على دفعات قليلة والحصص الغذائية غير الكافية ومشاكل تخزين الأسلحة "يطرح السؤال لمعرفة إن كانت الحكومة عازمة على تطبيق التزاماتها".

ويرى بعض المحللين ان سالفا كير متردد في المضي قدما في مشروع توحيد القوات لأن من شأن ذلك إضعاف سلطته على الجيش.

بالانتظار، بات أعداء الماضي يعيشون جنبا إلى جنب في المعسكرات بينما كانوا يتواجهون في السابق. فيتشارك كريستو مثلا كوخا مع جندي حكومي. ويؤكد "هذا أفضل من القتال. أظن أن النزاع انتهى والسلام سيحل".