أصبح واضحًا أن فيروس كورونا المستجد سينتشر في جميع أنحاء العالم. وبينما تصرح العديد من الحكومات بأنها ستحاول احتواء المرض، يجب عليها إعداد شعوبها للتفشي الواسع للوباء، مستفيدة من تجربة الصين في هذا المجال.

"إيلاف" من بيروت: تشير التقديرات العلمية إلى أن 25 إلى 70 في المئة من سكان أي بلد في المعمورة قد يصابون بفيروس "كوفيد–19"، أو كورونا المستجد. وتؤكد تجربة الصين أن 80 في المئة من الحالات التي تم اكتشافها كانت خفيفة، وأن 15 في المئة احتاجت إلى علاج في المستشفى بينما احتاج 5 في المئة منها فقط إلى رعاية مركزة.

يرجح الخبراء أن يكون هذا الفيروس فتاكًا أكثر بخمسة إلى عشرة أضعاف من الأنفلونزا الموسمية التي تقتل 60 ألف أميركي في كل عام. لذلك، ربما يصل عدد ضحايا هذا الفيروس في جميع أنحاء العالم إلى الملايين.

الإجراءات الصينية

يبلغ عدد سكان مقاطعة هوبي الصينية، التي بدأ فيها الوباء، 59 مليون نسمة. وقد سجلت هذه المقاطعة أكثر من 65 ألف إصابة بفيروس كورونا المستجد، ومعدل وفيات 2.9 في المئة، بينما سجل باقي المقاطعات الصينية، التي تضم 1.3 مليار نسمة، أقل من 13 ألف حالة مع معدل وفيات عند عتبة 0.4 في المئة لا أكثر.

قبل أن ينتشر الفيروس خارج مقاطعة هوبي، فرضت السلطات الصينية الحجر الصحي الأكبر والأكثر قسوةً في التاريخ، فأُغلقت المصانع وأوقفت وسائل النقل العام، وأُمرت الناس بالتزام منازلهم. ساهمت هذه الإجراءات في رفع منسوب الوعي وتغيير السلوك. ولولا ذلك، لكانت الصين قد سجلت الآن ملايين الحالات وعشرات الآلاف من الوفيات.

دروس مهمة

أعربت منظمة الصحة العالمية هذا الأسبوع عن تقديرها للنهج الصيني في التعاطي مع الفيروس الجديد. لكن هذا لا يعني، بحسب مجلة "إكونوميست" البريطانية، بالضرورة أنه أنموذج لبقية العالم؛ إذ إن القليل من الديمقراطيات ستكون مستعدة للتعامل مع شعبها كما فعلت الصين. وكما يظهر الانتشار الفوضوي للوباء في إيران، ليست كل الحكومات الاستبدادية قادرة على اتباع النهج الصيني.

حتى لو لم تستطع العديد من الدول استنساخ التجربة الصينية بحذافيرها، فإن على العالم، كما ترى المجلة البريطانية، تعلم ثلاثة دروس مهمة من بكين في حربها ضد الفيروس: التواصل مع الجمهور بالتوعية، وإبطاء انتقال المرض، وإعداد النظم الصحية لاستيعاب الزيادة في الحالات المصابة بالمرض.

ساعة الزحمة في محطة شيناغاوا للقطارات في طوكيو في 28 فبراير 2020

أهمية التوعية

تشير "إكونوميست" إلى أن التوعية هي السبيل الأفضل لمكافحة المرض؛ فإذا كان سن الشخص أكثر من 80 عامًا أو لديه مرض خطر، فهو إذًا في خطر كبير؛ أما إذا كان تحت سن 50 عامًا فلن تكون حياته معرضة للخطر بنسبة كبيرة.

تؤكد المجلة أن اليوم هو الوقت الملائم لإقناع 80 في المئة من الناس الذين سيختبرون الأعراض الخفيفة لفيروس كورونا المستجد في المستقبل بالبقاء في المنزل وعدم الإسراع إلى المستشفى. ويحتاج الناس إلى تعلم غسل أيديهم في كثير من الأحيان وتجنب لمس وجوههم. كما تحتاج الشركات إلى خطط للاستمرارية، ومنها السماح للموظفين بالعمل من منازلهم.

ماذا تفعل الحكومات؟

تقول المجلة البريطانية إن الدرس الثاني الذي يمكن تعلمه من الصين هو أن الحكومات يمكنها أن تبطئ من انتشار المرض. وإذا اتضح للعلماء أن الفيروس الجديد سيصبح موسميًا مثل الإنفلونزا، فهذا يعني أننا سنسجل عدد حالات مصابة أقل حتى فصل الشتاء المقبل، وهو الوقت الذي سيفهم فيه الأطباء بشكل أفضل كيفية التعامل مع الفيروس وسيحاولون تطوير لقاحات جديدة وعقاقير مضادة.

عندما يكون في الدول إصابات قليلة، يمكنها متابعة كل حالة وعزلها. لكن عندما ينتشر المرض في المجتمع، يصبح ذلك بلا جدوى. لذلك، على الحكومات أن تستعد لإلغاء المناسبات العامة وإغلاق المدارس وتقليص ساعات العمل، وما إلى ذلك.

إضافةً إلى كل ما ذُكر آنفًا، سيتعين على الحكومات اختيار مدى الشراسة التي تريدها في كفاحها ضد المرض، وينبغي أن تسترشد بالعلم دائمًا. فعلى الرغم من أن حظر السفر الدولي يبدو حاسمًا، فإنه يوفر القليل من الحماية لأن الناس يجدون طرائق أخرى للتنقل.

مطار ليما في البيرو

بالمثل، إذا انتشر المرض على نطاق واسع، كما هو الحال في إيطاليا وكوريا الجنوبية، فإن الحجر الصحي في بلدات بأكملها يوفر حماية ضئيلة بتكلفة عالية.

النظم الصحية

يبقى الدرس الثالث الذي يجب تعلمه من الصين، وفق المجلة: إعداد النظم الصحية لما هو آتٍ... وهذا يستدعي تخطيطًا لوجستيًا مضنيًا. هنا، تحتاج المستشفيات إلى إمدادات من الأقنعة والقفازات والأكسجين والعقاقير مع تأمين القدرة على حفظها. كما يجب دراسة كيفية تغلب الكوادر الطبية والعاملين في المستشفيات أنفسهم على المرض، وكيفية الاختيار بين المرضى إذا أصيبوا بالإرهاق.

تخلص المجلة للقول إن هذا الفيروس كشف بالفعل نقاط القوة والضعف في سلطوية الصين، ولا بد لدول العالم من الاستفادة من الإجراءات الصينية التي أبطأت انتشار الفيروس للتحضير للوباء القادم.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "إكونوميست".