الدوحة: وقّعت واشنطن اتفاقا تاريخيا مع حركة طالبان المتطرفة في الدوحة السبت لسحب الجنود الأميركيين من أفغانستان، وذلك بعد 18 سنة من اندلاع أطول الحروب في تاريخ الولايات المتحدة.

ويأمل الأفغان أن ينهي الاتفاق الذي جرى التفاوض حوله لأكثر من عام، أربعة عقود من النزاعات المسلّحة وأن يفتح باب الحوار بين حكومة كابول والحركة المتطرفة بهدف وضع حد للمعاناة في البلد الفقير.

ووقّع الاتفاق المفاوض الأميركي زلماي خليل زاد ورئيس مكتب الحركة السياسي ونائب زعيمها الملا عبد الغني برادر بحضور وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وممثلين عن عشرات الدول.

وتصافح الجانبان في قاعة في فندق فخم بالعاصمة القطرية، وسط صيحات "الله أكبر" بين ممثلي حركة طالبان الحاضرين.

والاتفاق الموقّع ليس اتفاق سلام كونه لا يشمل السلطات الأفغانية الرسمية التي تعصف بها الخلافات، لكنه يمهّد الطريق لسحب كامل الجنود الأميركيين من هذا البلد.

وستبدأ القوات الاميركية فورا الانسحاب التدريجي، على أن ينخفض عديد الجنود من 13 الفا إلى 8600 خلال 135 يوما، بحسب الاتفاق. وستقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها بسحب جميع القوات خلال 14 شهرا.

لكن تنفيذ ذلك مرتبط بمدى تطبيق طالبان بنود الاتفاق والتقدم المحرز في المفاوضات السياسية الداخلية.

وقال مسؤول أميركي لوكالة فرانس برس "إذا فشل الحل السياسي، وفشلت المفاوضات، فلا شيء يجبر الولايات المتحدة على سحب جنودها".

التزموا بوعودكم

والتزم المتمردون بحسب نص الاتفاق "بعدم السماح لأي من عناصرهم او لأي أفراد أو جماعات أخرى وبينها القاعدة باستخدام الأرض الأفغانية لتهديد أمن الولايات المتحدة وحلفائها".

وتزامنا مع عملية الانسحاب، من المفترض أن تبدأ مفاوضات سلام مباشرة غير مسبوقة بين الحركة وسلطات كابول بحلول 10 آذار/مارس، استكمالا للاتفاق الموقّع في الدوحة، وفقا لمسؤولين أميركيين.

وقال مسؤول لوكالة فرانس برس إنّ "الاتفاق ينص على تاريخ 10 آذار/مارس، لكن علينا أن نكون واقعيين"، بينما رجّح مسؤول آخر أن تبدأ المفاوضات في النصف الاول من آذار/مارس وأن تعقد في اوسلو.

وبحسب المسؤولين، فإنّ التحدي الرئيسي يكمن في صعوبة تشكيل وفد موحد يجمع الحكومة الأفغانية والمعارضة والمجتمع المدني في ظل الخلافات القائمة حول نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

وقد وافقت واشنطن وحركة طالبان على تبادل آلاف الأسرى ضمن "إجراءات لبناء الثقة" قبل انطلاق المفاوضات الأفغانية.

وأمام ممثلين عن طالبان، حض وزير الخارجية الأميركي الحركة على الالتزام "بوعودها بقطع العلاقات" مع تنظيم القاعدة ومواصلة محاربة تنظيم الدولة الاسلامية، معتبرا ان الاتفاق "أفضل فرصة للسلام في جيل كامل".

وقال بومبيو "التزموا بوعودكم حيال قطع العلاقات مع القاعدة والتنظيمات الإرهابية الاخرى وواصلوا محاربة تنظيم الدولة الاسلامية حتى الانتصار عليه".

وكان استقبال حركة طالبان لتنظيم القاعدة على أرض أفغانستان السبب الرئيسي للغزو الأميركي في أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر عام 2001.

وطرد تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الحركة من السلطة بعد الهجمات، ونفذ المتمردون الذين كانوا يحكمون كابول منذ 1996 وحتى تشرين الأول/أكتوبر 2001، هجمات متواصلة أودت بحياة أكثر من 2400 جندي أميركي وعشرات الآلاف من أفراد قوات الأمن الأفغانية.

وأنفقت واشنطن أكثر من ألف مليار دولار في الحرب التي قُتل وأصيب فيها أكثر من مئة ألف مدني أفغاني منذ 2009، حسب أرقام الأمم المتحدة.

لحظة تاريخية

عشية التوقيع، حضّ الرئيس الأميركي الشعب الأفغاني على اغتنام الفرصة، قائلا انه "في حال كانت طالبان والحكومة الأفغانية على مستوى الالتزامات، سنمضي قدماً لوضع حد للحرب في أفغانستان وإعادة جنودنا إلى الوطن".

ويجسّد الاتفاق الذي يمهّد لخروج الولايات المتحدة من أطول حرب في تاريخها، منعطفا دبلوماسيا مهما إذ إنّه يؤشر إلى تراجع زخم التدخلات الأميركية في أنحاء العالم.

ولم تواجه "الحرب على الإرهاب" التي أعلنتها واشنطن غداة هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 اعتراضات واسعة في بلد ستظل صدمة انهيار برجي نيويورك ماثلة في أذهانه.

ولكن مع مرور الوقت، أدى تراكم الخسائر البشرية في أفغانستان والعراق، وكذلك تخصيص المليارات للنفقات العسكرية، إلى تراجع القناعات بالخصوص. ووصل دونالد ترمب إلى البيت الأبيض بعدما تعهد بالانسحاب من "الحروب التي لا تنتهي".

وبرزت حركة طالبان بين صفوف طلاب المدارس القرآنية في مخيمات اللاجئين الافغان في باكستان في اواخر 1994 ابان الحرب الاهلية في افغانستان.

وبدعم من باكستان، انتشرت الحركة بسرعة بين السكان الذين انهكتهم سنوات الحرب الدامية الطويلة والمتطلعين للاستقرار واستولت على الحكم في كابول في 1996.

ومنعت الحركة التلفزيون والموسيقى والسينما وحرمت الفتيات من الذهاب الى المدرسة وفرضت على النساء ارتداء النقاب وعلى الرجال اطلاق اللحى. وعوقب المخالفون بالضرب والسارقون بقطع اليد في الساحات العامة حيث يتم تنفيذ احكام الاعدام.

وقال كبير مفاوضي الحركة شير محمد عباس ستانيكزاي في تسجيل مصوّر "هذه لحظة تاريخية لأمتنا. انه اليوم ذاته الذي احتفل فيه أجدادنا بهزيمة البريطانيين والسوفيات".

وفي الدوحة، قال المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد لفرانس برس "نحن ملتزمون بشكل كامل (بالاتفاق)، ولذا وقّعنا"، مشدّدا في الوقت ذاته على أنّ "حقوق النساء من التعليم إلى العمل محفوظة طالما واصلن ارتداء الحجاب".

ورأى مسؤول أميركي ان الاتفاق "خطوة اولى مصيرية وتاريخية لدفعهم لفك ارتباطهم مع القاعدة بشكل علني".

ووقّع الاتفاق في الدوحة بعد أسبوع من هدنة جزئية غير مسبوقة اعتبرها الأميركيون اختبار ناجحا بعدما صمدت بشكل عام.

ورأى روبرت مالي، رئيس معهد "مجموعة الأزمات الدولية"، أن الاتفاق "ليس مثاليا (...) لكنه أفضل أمل لإنهاء الحرب".