إيلاف: انتقدت الامم المتحدة سياسيي العراق لعدم اهتمامهم بمطالب المتظاهرين رغم انهم مدعومون من غالبية الشعب. وقالت ان الشلل في صنع القرار في البلاد لا يبعث على الامل، حيث لا يزال العراق وشعبه يٌدفعان إلى المجهول، ووصفت عمليات اغتيال واختطاف وترهيب الناشطين بأنها لا تطاق، مؤكدة ان الميليشيات تمنع العراق من العمل كدولة طبيعية.

وقالت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس-بلاسخارت في احاطتها المقدمة الى مجلس الأمن الدولي عن اخر التطورات في العراق مساء امس وحصلت "إيلاف" على نصها انه لكي يبقى شعب العراق متحداً من أجل مستقبل أكثر عدلاً وازدهاراً ودولة ذات سيادة نرفض أن يكون ساحة للصراعات التي ليست له علاقة بها، وان يجد العراق نفسه بشكل جيد في أنسب اللحظات من أجل إصلاح سياسي حقيقي ودائم منذ عقود، وينبغي على القادة السياسيين ومكونات الشعب أن يرقوا إلى مستوى مسؤولياتهم: واضعين مصلحة البلد فوق كل اعتبار من أجل بناء القوة الداخلية.

انتهاكات لا تطاق
واضافت "يستحق الكثير من العراقيين الشجعان الذين ما برحوا يدفعون ثمناً لا يمكن تصوره من أجل الاستماع إليهم، أن نعترف بالانتهاكات التي لا تطاق التي تعرّضوا لها، حيث أعمال القتل والاختطاف والعنف والتخويف والترهيب والتهديدات، وهذه الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان ما زالت مستمرة، وتتعارض مع كل ما هو محترم ولائق، وليس لها مكان في ظل النظام الديموقراطي".

مليونية نسوية الاثنين المقبل في بغداد لمناسبة يوم المرأة العالمي دعما للاحتجاجات

وشددت على ضرورة وضع حد لهذه التجاوزات وتقديم الجناة الى القضاء، حيث ينتهي الإفلات من العقاب حيث تبدأ المساءلة. واشارت الى ان العدالة والمساءلة هي من المسائل التي تكتسب أهمية كبيرة بالنسبة الى كثير من العراقيين الذين فقدوا أحباءهم أو شاهدوهم ينزفون، لا لسبب سوى التعبير عن إحباطهم أمام الآفاق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتدنية.

سياسيو العراق امام مفترق خطير
ودعت القادة السياسيين العراقيين الى ان يدركوا أنهم في هذه اللحظة أمام مفترق طرق، فإما أن يظلوا بلا حراك أو يسخروا أنفسهم لخدمة أبناء وبنات بلدهم. ولكن عليّ أن أقول إن الفرصة تتضاءل بسرعة.
ونوهت الى انه في ما يتعلق الآن بمشاركة النساء العراقيات في الاحتجاجات الحالية، فهو أمر غير مسبوق وصفحة جديدة في تاريخ التعبئة الشعبية النسائية في العراق وينبغي على القادة السياسيين تلبية هذا النداء.

وضع امني معقد يتطلب حل الميليشيات
واكدت أن الصورة الأمنية معقدة وتصعب إدارتها "فقد شهدنا كيانات مسلحة اتسم تحديدها بالغموض وذات ولاءات غير واضحة ورأينا جماعات أو أفرادا يستغلون غطاء المتظاهرين السلميين و/أو القوات الأمنية لتعكير الأمور وتضليل الجمهور والإضرار بمصلحة البلاد وإرباك المشهد والتسبب في إصابات وهذا جزء من واقع العراق الصعب.

واشارت الى ان العدد الكبير من الجماعات المسلحة التي تعمل خارج نطاق سيطرة الدولة يمنع البلاد من العمل كدولة طبيعية.
ونوهت بأن هذا ليس أمراً يمكن للقادة السياسيين الاختباء خلفه، بل على العكس يجب عليهم حل هذه الكيانات المسلحة أو إدماجها بصورة رسمية تحت السيطرة الكاملة للدولة من دون أي تأخير. بمعنى آخر: هذا الأمر ليس عذراً للتقاعس السياسي والحكومي.

المحتجون مدعومون من غالبية الشعب العراقي
وقالت انه بعد 5 أشهر من الاحتجاجات والعديد من القتلى والجرحى، ينبغي أن يكون واضحاً أن المتظاهرين السلميين – مدعومون من الغالبية الصامتة – لن يتخلوا عن تطلعاتهم. والآن، ينبغي أن يكون ذلك هو الشاغل الأول والأخير للطبقة السياسية – ولكن حتى الآن رأينا نتائج قليلة.

واوضحت ان تلبية مطالب الناس تستدعي جهداً جماعياً، وحيث انه لا يمكن لأي رئيس وزراء القيام بذلك وحده، فكل طرف سياسي وقائد سياسي مسؤول مسؤولية كاملة عن استعادة ثقة الجمهور الحيوية في حكومتهم ومؤسساتها.

مسعفة تعالج مصابين برصاص الامن في ساحة الخلاني في وسط بغداد

وقد باءت تسمية رئيس وزراء جديد والمحاولات اللاحقة لتشكيل حكومة جديدة بالفشل في نهاية المطاف نتيجة الشقاق والريبة وقد أدى ذلك إلى وضع معقد لم يتمكن فيه رئيس الوزراء المكلف من الحصول على التأييد واسع النطاق والكافي لتشكيل حكومته خلال 30 يوماً.

دستورياً، أمام الرئيس 15 يوماً أخرى لترشيح رئيس وزراء جديد، وتعرض حكومته وبرنامجه مرة أخرى أمام البرلمان للحصول على تأييده، وفي الوقت الذي لا تزال المشاورات السياسية مستمرة، يبقى السؤال هو هل ستتمكن الأحزاب السياسية من إيجاد مرشح توافقي جديد في غضون هذه المدة المحددة.

الفساد سمة الاقتصاد السياسي
وحذرت بلاسخارت قائلة "الطريق أمامنا ما زال محفوفاً بالصعوبات، فهناك أولوية أخرى قصوى، ألا وهي الفساد: ربما هو أكبر مصدر للاختلال الوظيفي في العراق، وبكل أسف، سمة أساسية في الاقتصاد السياسي الراهن ومتغلغل في المعاملات اليومية.
ومن السمات ذات الصلة بالاقتصاد السياسي في العراق اعتماده على المحسوبية والمحاباة، وقد نتجت منه خدمة عامة متضخمة وغير فعالة تعمل كأداة لمصلحة سياسية أكثر منها لخدمة للشعب.

تآمر المصالح الحزبية
واضافت ان العراق ليس بلداً فقيراً، ولكن تتآمر المصالح الخاصة والحزبية على تحويل الموارد من الاستثمارات الحيوية اللازمة للمضي قدماً.

وبينت ان أحد جوانب الفساد المهمة هو التدفقات المالية غير المشروعة: فهي لا تقتصر على مجرد المساعدة في إيضاح سبب استمرار العراقيين في انتظار توافر الطرق والمستشفيات والمدارس وفرص العمل القانونية، بل أنها تسهم أيضاً في المزيد من زعزعة الاستقرار، من خلال تهيئة قنوات تمويل الجريمة المنظمة والتطرف العنيف.

الارهاب يشكل تهديدا متواصلا
بالنسبة الى التطرف العنيف اشارت بلاسخارت الى انه لا يمكننا أن ننكر التهديد المتواصل الذي يشكله الإرهاب.

اضافت انه على الرغم من هزيمة تنظيم داعش ميدانياً، إلا أنه واصل – في الشهرين الماضيين – محاولاته لزيادة عملياته العسكرية في شمال شرق محافظة ديالى وفي شمال العاصمة بغداد وفي مناطق غرب العراق.

واكدت انه ينبغي ألا يسمح لتنظيم داعش بأن يعيد تنظيم صفوفه وتجنيد المقاتلين. وفي الوقت الذي تجري فيه مفاوضات بناءة بين الحكومة العراقية وحلفائها، عقب التصويت على قرار البرلمان بشأن تواجد القوات الأجنبية، يواصل حلفاء العراق تقديم المساعدة الى الحكومة العراقية ومؤسساتها في محاربة تنظيم داعش.

الحاجة الى انتخابات ذات مصداقية
في ما يتعلق بتناول موضوع الحاجة الى انتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية اوضحت بلاسخارت انه في الوقت الذي يعتبر فيه "إعادة التهيئة الانتخابية" أولوية قصوى بالنسبة الى الكثير- فإن الإصلاح الواسع والممنهج والخروج بمفوضية انتخابات قوية ومستقلة ستبرهن على أنها عوامل حاسمة.

واكدت على حاجة مفوضية الانتخابات التي شكلت حديثاً الى ان تكون أكثر إصراراً على الالتزام بمبادئ الشفافية والمساءلة والاستقلالية والمهنية، ذلك أنها تسهم في بناء القدرات المؤسساتية للمفوضية وتطلق الاستعدادات الفنية الانتخابية.

متظاهر عراقي مصاب برصاص القوات الامنية

ودعت مجلس النواب الى العمل على إنجاز مواد عالقة وملحة في قانون الانتخابات، وبالأخص تحديد الدوائر الانتخابية وتوزيع المقاعد، على أمل أن يجعل هذا الإجراء الناخبين أكثر قرباً من المرشحين وجعل النواب المنتخبين أكثر خضوعاً للمساءلة أمام ناخبيهم.

العراق وشعبه يُدفعان الى المجهول
وقالت بلاسخارت انها كانت تنوي إنهاء إحاطتها بكلمات يحفّها الأمل ولكن استمرار الجمود السياسي والانشقاق – الذي يقود إلى مزيد من الشلل في عملية صنع القرار، للأسف لا يبعث على التفاؤل الفوري. إذ لا يزال البلد وشعبه يٌدفعان إلى المجهول.

وزادت انه إضافة الى ذلك، فإن النمط المتكرر للجلسات البرلمانية التي فشَلَت في تحقيق النصاب القانوني هو عكس ما تحتاجه البلاد، وخاصة خلال فترة الأزمة السياسية الحادة، فالتفويض الأساسي لممثل الشعب المنتخب هو: أن يكون حاضرا وأن يتم حسابه بين الحاضرين من البرلمانيين وأن يصوّت على القرارات.

هل يظهر عراق اكثر عدلا واقوى
وتساءلت بلاسخارت عما يمكن ان يظهر من هذه الأزمة السياسية المستمرة عراق أكثر عدلاً وأقوى وأكثر قدرة على المواجهة بطبيعته ولكن لكي يتحقق ذلك: سيتَعيّن على القادة السياسيين التصرف بسرعة وأن يضعوا مصلحة البلاد فوق كل اعتبار، كما يجب على العراقيين ويمكنهم أن يجدوا قوة في التنوع، وأن يدركوا أن المجتمع المتماسك أكثر قوّةً وأكبر ثمناً من مجموع أجزائه.

وقالت رئيسة بعثة الامم المتحدة في العراق في الختام إن عملية إخماد الحرائق - الواحد تلو الآخر- ليست استراتيجية لأنه يجب الانتقال من إدارة الأزمات المستمرة إلى السياسات المستدامة والمستقرة وبناء القدرة على المواجهة من خلال إصلاح نظامي واسع وعميق، وكما هو معروف: في نهاية المطاف فإن القوة في الداخل هي شرط أساسي للقوة في الخارج.

يشار الى ان العراق يشهد منذ الأول من اكتوبر الماضي تظاهرات حاشدة انطلقت من أجل تنفيذ مطالب معيشية ومكافحة الفساد والبطالة إلا أنها سرعان ما تحولت إلى مطالب سياسية تتمسك برحيل الطبقة السياسية، التي يتهمها المتظاهرون بالفساد والتبعية حيث واجهتها القوات الحكومية بالعنف المفرط والميليشيات المسلحة بالاغتيال والاختطاف والتهديد، ما اسفر عن مقتل 669 متظاهرا واصابة 24.488 آخرين واعتقال 2.806 من المحتجين.