موسكو: قبل إعلان فياشيسلاف ماكاروف تخلّيه عن تطوير ألعاب الفيديو في كانون الثاني/يناير، لم يتوقّع كثيرون أن الرجل الذي ساهم في صناعة لعبة "عالم الدبّابات" الشهيرة يسعى لدخول الساحة السياسية الروسية.

لكن على هامش مؤتمر للتكنولوجيا الرقمية في موسكو الخميس، أطلق أسطورة الألعاب عبر الإنترنت البالغ 40 عاما إبداعاته الأخيرة: "حزب الديموقراطية المباشرة".

وقال لفرانس برس خلال إطلاق الحزب إن "أكبر مشكلة (في السياسة) تكمن في آلية بناء السلطة"، مشددا على أنه يسعى لخلق منظومة تمكّن أعضاء الحزب من استخدام التكنولوجيا للتعبير عن رأيهم بشكل مباشر في ما يتعلّق بالسياسة.

وأضاف "من وجهة نظرنا، فإن المنظومة (الحالية) بكل بساطة متقادمة تكنولوجيا".

وأشار إلى أن الحزب الجديد، الذي يموّله ماكاروف بنفسه، لن يكون "مع أو ضد" الكرملين برئاسة فلاديمير بوتين.

وفاجأت خطوته الخبراء السياسيين الذين رأوا أن إعلان ماكاروف جزء من لعبة أكبر يخطط لها الكرملين لإضعاف المعارضة وإبعاد خصومه.

وقبيل الانتخابات الإقليمية في أيلول/سبتمبر والانتخابات التشريعية المقررة العام المقبل، طفت مجموعة من الأحزاب على سطح المشهد السياسي الروسي.

وفي مطلع شباط/فبراير، أسس الكاتب المعروف بمواقفه القومية زاخار بريليبين (44 عاما) حزب "من أجل الحقيقة". وأشارت تقارير إلى أن بريليبين حارب في 2017 إلى جانب المقاتلين الانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا.

وبينما يشير إلى أن حزبه يحظى بدعم الممثل الأميركي المدافع عن الكرملين ستيفن سيغال، إلا أنه ينفي بشكل قاطع أن يكون أسّسه بطلب من السلطات.

وكان حزب "حياة كريمة" المدافع عن البيئة والذي أسسه النائب القومي السابق رومان خودياكوف للفوز بأصوات الناخبين الشباب وحزب "الشعب الجديد" المؤيد للأعمال التجارية بين الأحزاب التي ظهرت منذ كانون الثاني/يناير.

- "وهم المنافسة" -

سجّلت وزارة العدل 39 حزبا جديدا في 2019، نحو نصفهم خلال الشهور الأربعة الأخيرة من العام.

وأثارت حقيقة أن الناشط المعارض البارز المناهض للفساد أليكسي نافالني لا يزال ممنوعا من تسجيل حزبه التكهّنات بشأن وجود مخطط للكرملين.

وحاول حلفاء نافالني بدون جدوى تسجيل الحزب على مدى سبع سنوات بينما تجري السلطات تحقيقا بغسل الأموال بشأن "صندوق مكافحة الفساد" التابع له، في تهم اعتبرها أنصار نافالني ذات دوافع سياسية.

ويستبعد المحللون أن يكون بإمكان أي من الأحزاب الجديدة الحلول محل نافالني الذي يسعى لإصلاح المشهد السياسي الروسي ويدعو مرارا لتظاهرات مناهضة لحكم بوتين.

وبالنسبة للمحللة السياسية إيكاترينا شولمان فإن "الهدف من هذه الأحزاب الجديدة الإيهام بوجود منافسة سياسية وجذب ناخبين جدد وتحييد معارضة تعد أكثر خطورة".

ويشير مراقبون إلى أنه من المستبعد أن يحصل أي من الأحزاب الجديدة على خمسة بالمئة من الأصوات، وهي العتبة التي يحتاج اليها أي حزب لدخول البرلمان.

وقالت تاتيانا ستانوفايا من مركز "آر بوليتيك" للأبحاث إن "الهدف الأساسي في الحقيقة هو تخفيف خطر تراجع شعبية حزب روسيا الموحّدة الحاكم".

- مخاوف الحزب الحاكم -

يواجه حزب روسيا الموحّدة تراجعا في الدعم على خلفية الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد الروسي، إذ يؤكد 33 بالمئة فقط من الناخبين أنهم سيصوّتون للحزب الذي كان مهيمنا سابقا في الانتخابات المقبلة، بحسب "مركز أبحاث الرأي العام الروسي" للاستطلاعات.

وتشكّل الأرقام تراجعا كبيرا عن العام 2016 عندما نال حزب روسيا الموحّدة 54 بالمئة من الأصوات في الانتخابات التشريعية.

وبين الوجوه الجديدة على مسرح السياسة سيرغي شنوروف، المغني الأساسي في فرقة الروك الشهيرة "لنينغراد".

وانضم شنوروف الشهر الماضي إلى "حزب النمو" الذي أسسه أحد حلفاء بوتين سنة 2016. وقام بحذف تعليقات قديمة نشرها في الماضي على وسائل التواصل الاجتماعي وانطوت على انتقادات للرئيس.

وترى ستانوفايا أن النشاط المفاجئ من تدبير الكرملين لتوجيه الأنظار عن صعوبات روسيا.

وقالت "هذه المناورات ليست محاولة للتحدّث عن مستقبل البلاد"، بل هي وفق وصفها استراتيجية "لتجنّب مشاكل حقيقية" قائمة.

بدورها، أشارت شولمان إلى أن الخطوة قد تأتي بنتائج عكسية. فحتى لو لم تكن هذه الأحزاب تروّج لسياسات حقيقية، إلا أنها قد تعطّل الوضع القائم.

وقالت "مع تراجع الثقة بالأحزاب القائمة، قد تصبح (الأحزاب) التي تعد +مُفسدة+ أكثر نجاحا مما هو متوقّع".

وبالنسبة لضيفة غير متوقعة حضرت إطلاق ماكاروف لحزبه، يملك "حزب الديموقراطية المباشرة" الإمكانات التي تؤهله للعب دور.

وقالت ماريا بوتينا، التي طردتها الولايات المتحدة العام الماضي لتصرّفها كعميلة أجنبية غير مسجّلة، للمشاركين في حفل إطلاق الحزب أنها تتمنى له "النجاح".

وأشادت بمهارات ماكاروف التقنية ودعت الروس "لإتقان فن القرصنة للحماية من التهديدات الخارجية".