الرباط: انتقد المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب تعامل حكومة حكومة سعد الدين العثماني مع احتجاجات الحسيمة التي عرفت إعلاميًا بـ"حراك الريف"، معتبرا أن بطء تفاعل الحكومة ساهم في تفاقمها. وأشار المجلس، وهو هيئة دستورية مستقلة، في تقرير له حول أحداث الحسيمة، إلى "أن تأخر الحوار مع أعضاء الحكومة وشبه انعدامه مع المنتخبين لمدة ستة أشهر أثر سلبا على منحى الاحتجاجات. كما إن المحاولات الأولى للحوار لم تعتمد على مقاربة تشاركية".

أشار التقرير ايضًا إلى أن مواقف مكونات الحكومة من هذه الاحتجاجات اتسمت "بالتباس وعدم الانسجام أو الاتفاق تتراوح بين التنديد والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين".

وأضاف المجلس أن التجاوب الفعلي للحكومة جاء في فترة كانت الاحتجاجات قذ أخذت منحى تصاعديا، الشيء الذي جعل مهمة الحوار صعبة مع تصاعد المطالب والاحتجاجات، مشيرا إلى أنها عرفت تصعيدا من طرف بعض المحتجين، ورفضا للحوار من طرف بعضهم، وتوظيفا للرموز المحلية بشكل يبعدها عن معانيها الحقيقية باعتبارها جزء من الهوية المغربية المتعددة.

كما أشار إلى أن إلحاح المحتجين على إلغاء "قانون العسكرة" ورفضهم أي نقاش آخر أدى الى عرقلة النقاش. وأوضح التقرير أن موضوع "قانون العسكرة" شكل أحد المطالب الأكثر بروزا في احتجاجات الحسيمة، ومفاده أن الإقليم يخضع لحكم عسكري.

أضاف أن فحص المجلس لمختلف المقتضيات الدستورية والنصوص القانونية جعلته يخلص إلى أن إقليم الحسيمة يعتبر إقليما عاديا، مؤكدا عدم وجود أي نص قانوني أو إجراء خاص لتدبير شؤون منطقة الحسيمة تؤشر إلى أنها تخضع لـ"قانون العسكرة".

حول طبيعة هذه الاحتجاجات، التي استغرقت 12 شهرا بين أكتوبر 2016 وأكتوبر 2017، أشار المجلس في تقريره إلى أنه "لن يكون من باب المبالغة أو الخطأ القول إن احتجاجات الحسيمة، والتي جاءت في سياق فريد، يتجلى في الصعوبات التي واجهتها تشكيل الحكومة، مثلت حدثا استثنائيا في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية للمغرب الحديث؛ سواء من خلال مدتها أو حجمها أو انعكاساتها"، مشيرا إلى أنها "تميزت، قبل كل شيء، بمحتوى تعبيراتها البارزة".

وأبرز التقرير أن هذه الاحتجاجات التي عرفت منحى تصاعديا عرفت تنظيم 814 مظاهرة غير مرخصة، ولم يتم منع سوى تظاهرتين من بينها، بينما جرى تفريق 60 تظاهرة من بينها من طرف القوات العمومية لاعتبارات أمنية. وأشار التقرير إلى أن العديد من هذه التظاهرات عرفت تأطيرا وخفرا من طرف القوات العمومية.

وأشار إلى أن التظاهرات انطلقت يوم 28 أكتوبر بهدف المطالبة بتحقيق حول مقتل بائع سمك مضغوطا في شاحنة لتدوير النفايات، وتطورت لتشمل الاحتجاج على طريقة تدبير مشروع الحسيمة منارة المتوسط، لترفع مطالب اجتماعية واقتصادية وثقافية تهم التعليم والصحة والبنية التحتية. وأشار المجلس إلى أن هذه المطالب شبيهة بالمطالب المعبر عنها في العديد من مناطق المغرب، غير أنه لاحظ أهمية جانب الهوية في هذه المنطقة بارتباط مع ذاكرتها والذي ساهم في تأسيس مطالبها على "المظلومية" و"الاستثنائية".

وأشار التقرير إلى أن احتجاجات الحسيمة مرت بمرحلتين، الأولى سلمية واستمرت إلى يناير 2017، ثم تلتها مرحلة عنيف متصاعد من الطرفين، وصولا إلى حالات استعمال العنف غير المشروع ابتداء من مايو 2017. وعبر المجلس عن قلقه من تعمد العنف من طرف بعض المحتجين الذين أبدوا استعدادا للاشتباك مع قوات الأمن كما يظهر ذلك من ارتدائهم للأقنعة وحملهم لأسلحة بيضاء. كما انتقد الإفراط في استعمال القوة بشكل غير متناسب في بعض الحالات من طرف القوات العمومية. غير أنه عبر غن ارتياحه لعدم استعمال قوات الأمن للسلاح أو أية وسائل نارية على مدى 12 شهرا التي استغرقتها الاحتجاجات.

عرفت هذه الأحداث جرح 788 عنصرا من أفراد القوات العمومية. فيما بلغ عدد الموقوفين خلالها 400 شخص، بينهم 129 قاصرا. وأوضح التقرير أن عدد الأشخاص الذين يقضون عقوبة حبسية إلى حدود مارس 2020 على خلفية هذه الأحداث بلغ 49 شخصا.

وقدم التقرير تسلسلا كرونولوجيا للأحداث منذ انطلاقها، مرورا بظروف الاعتقال والتحقيق ومحاكمة المعتقلين. وتطرق إلى حالات ادعاءات التعذيب، والتي أوضح أنها بلغت 40 حالة قسمها إلى خمسة أقسام، مشيرا الى أن 3 حالات توافرت فيها عناصر فعل التعذيب حسب تقرير طبي تحت إشراف المجلس، والتي نفتها الخبرة التي أمر بها قاضي التحقيق. وأضاف أنه رصد 9 حالات للاستعمال المفرط للقوة، و3 حالات للمعاملة القاسية واللاإنسانية، فيما ادعى أغلب المعتقلين تعرضهم لمعاملات مهينة وحاطة بالكرامة خلال الإيقاف أو النقل أو الاعتقال الاحتياطي، غير أن المجلس لم يتمكن من تأكيدها أو نفيها اعتبارا لطبيعتها. وأشار إلى أن ادعاءات التعرض للعنف والتعذيب لم تثبت بالنسبة إلى 28 حالة.