إيلاف: فيما بدأ البرلمان العراقي اليوم بتوزيع نسخ من تشكيلة المكلف بتشكيل الحكومة العراقية مع السير الذاتية لمرشحيها والحقائب الوزارية التي سيتولونها، فقد كشف النقاب عن تقاسم الكتل الثلاث الرئيسة الشيعية والسنية والكردية للمناصب الأمنية والسيادية في الحكومة التي سيكون رئيسها في حال حصولها على الثقة، السادس منذ التغيير في العراق عام 2003.

ومن المنتظر أن يعقد البرلمان العراقي في التاسعة من مساء اليوم بالتوقيت المحلي (السادسة بتوقيت غرينتش) جلسة استثنائية للتصويت على تشكيلة مصطفى الكاظمي الحكومية، وذلك قبل ثلاثة أيام من انتهاء المهلة الدستورية الممنوحة له لدى تكليفه بمهمته الجديدة في التاسع من الشهر الماضي، على أن ينجزها خلال 30 يومًا.

كشفت مصادر عراقية عن توزيع الحقائب الوزارية في الحكومة الجديدة قائلة إنه "من المقرر منح 12 وزارة للشيعة، و6 للسنة، و3 للكرد، وواحدة للمكونات الأخرى، وهي معادلة حكومة عادل عبد المهدي نفسها". وأشارت إلى أن وزارة الدفاع سيتولى حقيبتها جمعة عناد (سني) والداخلية الفريق الركن عثمان الغانمي رئيس أركان الجيش العراقي الحالي (شيعي) والخارجية للأكراد بدلًا من المالية التي ستسند إلى الشيعة، فيما سيتولى الأكراد أيضًا وزارتا العدل والإعمار.

في حال فوز الكاظمي رئيس جهاز المخابرات بثقة البرلمان اليوم كما هو متوقع، فإنه سيكون سادس رئيس حكومة منذ الإطاحة بالنظام العراقي السابق عام 2003، حيث تولى المنصب منذ ذلك الوقت على التوالي كل من أياد علاوي وإبراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي وعادل عبد المهدي.

الكاظمي المعتدل من رئاسة جهاز المخابرات إلى رئاسة الحكومة
الكاظمي الذي تولى مهمة رئيس جهاز المخابرات في يونيو عام 2016 هو شخصية إعلامية وسياسية، ويرتبط بعلاقات جدية مع القوى الشيعية والسنية والكردية والأخرى السياسية المنخرطة في العملية السياسية الجارية في العراق حاليًا وتلك الأخرى المعارضة لها، إضافة إلى علاقاته الإقليمية مع صناع القرار في الدول المحيطة بالعراق.

لم تعرف عن الكاظمي أي ممارسات طائفية، كما إنه يمتاز بسلوكياته المعتدلة وانحيازه العروبي. نشط الكاظمي في العراق سياسيًا وإعلاميًا، وعرف بكتاباته وتحليلاته المعتدلة التي ينشرها في العديد من وسائل الإعلام المحلية والدولية، حيث تميز بتأكيده على ضرورة احتضان العراق لجميع أبنائه بعيدًا عن الانتماءات الطائفية والقومية والسياسية، وهو أمر ساعد على احتفاظه بعلاقات ممتازة مع جميع القوى العراقية المنخرطة في العملية السياسية والأخرى خارجها.

جلسة البرلمان العراقي للتصويت على منح الثقة لتشكيلة الكاظمي الحكومية تنتظر النواب

وكان مصطفى الكاظمي (53 عامًا)، وهو سياسي وإعلامي عراقي، نشط ضد النظام السابق، قد تولى منصب رئيس جهاز المخابرات الوطني العراقي في يونيو عام 2016، بعدما حاز مكانة مرموقة كوسيط سياسي بين الأطراف العراقية المختلفة وسط الأزمات المتلاحقة.

لدى الكاظمي أكثر من 16 عامًا من الخدمة في العراق، معظمها في مجال حل النزاعات، كما عمل على إصلاح الجهاز الذي ترأسه منذ عام 2016 بالتركيز على إخراج السياسة من العمل المخابراتي، وأنهى هيمنة الأحزاب المتنفذة على عمله ونشاطاته.
وكان الكاظمي معارضًا ناشطًا ضد النظام العراقي السابق، وعاش سنوات في المنفى، لكنه لم ينضم إلى أي من الأحزاب السياسية العراقية.

وقد منحه دوره مديرًا تنفيذيًا لمؤسسة الذاكرة العراقية، وهي منظمة تأسست بهدف توثيق جرائم النظام السابق، فرصة التخصص في الإستراتيجيات الأرشيفية، حيث اكتسب خبرة في توثيق الشهادات وجمع الأفلام عن ضحايا النظام السابق على أساس المسؤولية في حفظ الحدث العراقي كوثيقة تاريخية، إضافة إلى الإشراف على عمل فرق تقوم بالعمل نفسه في دول عدة.

أدار الكاظمي من بغداد ولندن مؤسسة الحوار الإنساني، وهي منظمة مستقلة تسعى إلى التقريب بين المجتمعات والثقافات والتأسيس للحوار بديلًا من العنف في حل الأزمات. كما عمل كاتبًا ومديرًا لتحرير قسم العراق في موقع المونيتور الدولي، وركزت مقالاته على تكريس روح السلم الاجتماعي في العراق، وكشف الإخفاقات والارتباكات التي صاحبت تجربة النظام السياسي وسبل معالجتها. كما نشر خلال مسيرته المهنية العديد من الكتب من أبرزها (مسألة العراق – المصالحة بين الماضي والمستقبل).

تولى الكاظمي رئاسة تحرير مجلة الأسبوعية، التي كان يملكها الرئيس العراقي برهم صالح، وهو يحمل شهادة بكالوريوس في القانون، ثم الماجستير في القانون الدولي العام من الولايات المتحدة الأميركية عام 2010.

آلية منح الثقة للمكلف بالحكومة
وعن آلية منح الثقة للمكلف بتشكيل الحكومة يوضح الخبير القانوني العراقي طارق حرب أن النصاب المقرّر دستوريًا للجلسة البرلمانية الاعتيادية 165 نائبًا على الأقل (النصف + 1، من أصل 329 نائبًا)، ولكن منح الثقة يكون بتصويت غالبية الحاضرين.

وأشار إلى أنه إذا كان الحضور 180 نائبًا، فإن منح الكاظمي الثقة يكون بتصويت 91 نائبًا فقط، طبقًا للفقرة رابعًا من المادة 76 من الدستور. أما سحب الثقة فيكون بموافقة الغالبية المطلقة للأعضاء، طبقاً للفقرة 3 / ثامنًا من المادة 61 من الدستور.

مصطفى الكاظمي

أضاف أنه إذا تحقّق النصاب بـ 165 نائبًا، في جلسة منح الثقة، فإن المكلف سيمر إن صوّت له 83 نائبًا، على اعتبار أن هذا العدد يشكّل الغالبية المطلقة والمقرّرة دستوريًا من الحاضرين، البالغ عددهم 165 نائبًا، أي أكثر من نصف نصاب الحاضرين.. مبينًا أن الدستور تساهل في منح الثقة عدديًّا، وتشدّد في سحبها، مشترطًا غالبية مطلقة للأعضاء، وهم 165 نائبًا.

إجراءات وقاية
ستخيّم إجراءات الوقاية من فيروس كورونا الذي يتفشى في معظم دول العالم، وبينها العراق، على جلسة منح الثقة لحكومة الكاظمي.

فقد حدد مجلس النواب العراقي في "إرشادات" إلى النواب الذين سيشاركون في الجلسة، وحصلت "إيلاف" على نسخة منها طريقة جلوس البرلمانيين، موضحًا أنه من أجل توفير الحماية للنواب فإن "مكان انعقاد الجلسة سيكون في القاعة الكبرى (تتسع لحوالى 600 شخص) داخل بناية المجلس، وسيراعى في تنظيم جلوس النواب بأن يكون جلوسهم بين صف وآخر بالتعاقب، أي أن يترك صف مقاعد فارغ، وإشغال الصف الذي يليه".

وأشار إلى أن "جلوس النواب سيراعى بترك مسافة آمنة بين شخص وآخر، أي أن يترك عدد من المقاعد فارغة بين نائب وآخر، وأن موظفي قسم المراسم في دائرة العلاقات سيتولون تنظيم عملية جلوس النواب داخل القاعة الكبرى". وأكد على النواب ضرورة "ترك المسافات الآمنة بين الأشخاص، ولبس الكمامات الواقية، وارتداء الكفوف المطاطية، وتجنب ملامسة الأسطح، واستخدام المعقمات، وبما يوفر الحماية والسلامة الجميع" بعدما تم تعقيم مبنى البرلمان بالكامل من الداخل والخارج، بما فيه الكراسي والطاولات. وتم توزيع خارطة توضح طريقة جلوس النواب في جلسة الثقة التي يتوقع أن يشارك فيها أكثر من مائتي نائب من مجموع عدد النواب البالغ 329 نائبًا.

ومن المنتظر أن يحضر الجلسة سفراء دول عربية وغربية وممثل بعثة الأمم المتحدة في العراق وقضاة ومسؤولون سابقون.
يشار إلى أن الرئيس العراقي برهم صالح كان قد كلف في التاسع من الشهر الماضي رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي بتشكيل الحكومة الجديدة، وهو ثالث شخصية يتم تكليفها من الرئيس العراقي، لتشكيل الحكومة، بعد إخفاق سلفيه عدنان الزرفي ومحمد توفيق علاوي في نيل ثقة البرلمان، وفي حال حصول التشكيلة الجديدة على الثقة فإنها ستخلف حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، الذي استقال في نهاية نوفمبر 2019، تحت ضغط احتجاجات شعبية، تطالب برحيل ومحاسبة الطبقة السياسية الحاكمة المتهمة بالفساد وهدر أموال الدولة ورهن إرادتها بإيران.