إيلاف: حذر رئيس الحكومة العراقية من أن الازمة في العراق شاملة وتدخل في نسيج الدولة ومؤسساتها وتعرقل قوتها الاقتصادية وأشار الى انه تصدى لواجبه، وهو يعرف مسبقاً التركة الثقيلة التي ستواجهه على كل الأصعدة التي ترتبط بحياة المواطنين وأمن وسيادة واستقلال البلاد.. مؤكدا انه تسلم رئاسة الحكومة ومعها خزينة شبه خاويه ودولة في وضع لا تحسد عليه منتقدا تناقض القوى السياسية بين وعودها بمنحه حرية اختيار التشكيلة الوزارية وبين ما يدور وراء الكواليس من مناورات وشد.

وقال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي انه مع "اقتراب الموعد الذي قطعته امام البرلمان لاستكمال التشكيلة الوزارية لا بد من وضع شعبنا وقواه الوطنية وشبابنا المطالب بحقوقه أمام ما أواجه من تحديات تتطلب من الجميع التكاتف لتذليلها".

واضاف الكاظمي في مقال نشر اليوم في صحيفة "ألصباح" العراقية الرسمية وتابعته "إيلاف" ان "ما أقوم به من مداولات وحوارات بناءة ومكثفة مع كل القوى السياسية هدفها الوصول الى ما يرضي شعبنا ويعيد الثقة بامكانية تجاوز العملية السياسية للازمة المتفاقمة التي تواجهها وتضع عراقنا أمام مفترق طرق".

تلسمت واجبي وادرك التركة الثقيلة التي ستواجهني
وأوضح قائلا "لقد تصديت لواجبي واعرف مسبقاً المصاعب التي تقف امامي والتركة الثقيلة التي ستواجهني على كل الأصعدة وفي جميع الميادين الحيوية التي ترتبط بحياة المواطنين وأمن وسيادة واستقلال البلاد".

اضاف "أن الازمة شاملة وتدخل في نسيج الدولة ومؤسساتها وتعرقل قوتها الاقتصادية التي تعثرت خلال الفترة الماضية فلم يتحقق ما من شأنه النهوض الشامل بالامن الغذائي للبلاد، ولا النهوض بالصناعة وتنويع واردات الدولة، وتوسيع الاستثمار، وتأهيل البنى التحتية المتآكلة.

واشار الى ان "ما زاد من الصعوبات عدم إعادة النظر بجدية في هيكلية انتاج وتسويق النفط والاهتمام بالمشتقات النفطية، فيما أعيد في المقابل تدوير أزمة الفساد الاداري والمالي وتفكك الكثير من اجهزة استكمال الدولة ومؤسساتها". مبينا انه "بدلاً من تشجيع الاستثمارات وقطاعات العمل واعادة تشغيل المصانع المتعثرة بتأمين ما تحتاجه لاستيعاب الايدي العاملة العاطلة جرى رفع مستوى التضخم الوظيفي في اجهزة الدولة وما ينطوي عليه من استنزاف للموارد وبطالة مقنعة".. وكشف مؤكدا "لم أجد وأنا أتسلم المسؤولية إلّا خزينة شبه خاوية".

صدامات بين محتجين وقوات مكافحة الشغب في بغداد

ونبه قائلا "إنني اذ اضع هذه الوقائع امام شعبنا والقيادات السياسية، اؤكد مجددًا ان العراق أكبر من التحديات والازمات والمشاكل مهما بلغت، واننا بحاجة الى التعاون والتضافر مع كل قوى شعبنا من كتل برلمانية واحزاب سياسية وفعاليات اجتماعية وثقافية، وبتفهم من شبابنا المتظاهرين، بما يمكّن الحكومة القيام بواجبها.

وضع لا نحسد عليه
وشدد على ان هذا الدعم مطلوب الآن من الكتل السياسية البرلمانية للمساعدة في استكمال التشكيلة الوزارية عبر التصويت على قائمة المرشحين للوزارات الشاغرة، من اجل المضي في وضع الخطط العملية لانجاز ما أوكل الى الحكومة من مهام المرحلة الانتقالية، والاستجابة للتطلعات المشروعة للمواطنين بتوفير الحد الممكن من الخدمات وسبل العيش الكريم وايقاف الانتهاكات والتجاوزات التي يتعرضون لها، واعادة ابنائهم الذين تعرضوا للاعتقال والتغييب.

وبيّن "اننا نجد أنفسنا بعد سبعة عشر عامًا، في وضعٍ لا نُحسد عليه فسيادتنا استمرت منقوصة او منتهكة او معرضة للشكوك، وأراضي بلادنا يراد ان تصبح ميدانًا لصراع الآخرين، وأمن مواطنينا مهدد، لا من استمرار داعش وخلاياها النائمة، بل وايضًا من السلاح المنفلت خارج إطار الدولة، وكل مظاهر الفساد ونهب المال العام وتبديد الثروات، والمستوى غير المقبول لتصنيف العراق على صعيد التعليم والصحة والخدمات. فيما لم تعد البطالة ظاهرة يمكن احتواؤها، بل تجاوز عدد العاطلين وخصوصًا من بين الخريجين الى مستويات لم تبلغها في اي ظرف سابق. وبات خط الفقر، يضم امهات وعائلات الشهداء الذين جادوا بارواحهم دفاعًا عن الوطن".

الفساد استنزف خزائن العراق
واشار الى انه برغم ان الثروة التي دخلت خزائن العراق على مدار السنوات الـ 17 الماضية، كانت تكفي لإعادة بناء البلاد وتأسيس صندوق المستقبل، فان الفساد قد استنزفها، وهُرّب بعضها علنًا الى خارج البلاد، ولم أجد وانا أستلم المسؤولية الّا خزينة شبه خاوية!.

لقد وجدت من واجبي في ظل هذه الظروف الصعبة والمعقدة أن أضع شعبنا أمام ما نواجه من صعوبات، من بينها التناقض بين الوعود العلنية التي أكدت على حريتي في اختيار التشكيلة الوزارية، وما يدور وراء الكواليس من مناورات وشد من قبل البعض. وهو ما يعرقل ويعطل استكمال الحكومة لكي تباشر مهامها بحيوية وتضافر في الجهود وصولًا الى الاهداف المعلنة.

وشدد على ضرورة ان يضع الجميع المصالح الوطنية العليا فوق المصالح الثانوية، وان تتضافر جهود جميع الكتل والاحزاب وبتفهم من شعبنا، لعبور هذه المرحلة".

لا طرف فوق ارادة الدولة
واشار الى انه "ليس أمامنا سوى خيار الاستجابة للمطالب الشعبية العادلة التي عبرت عنها الحركة الاحتجاجية وساحات التظاهر، التي جمعت خيرة بنات وشباب شعبنا، والعمل المخلص على تحقيق مطالبهم باعادة مجد العراق وقوته وكرامته، وتصفية تركة المحاصصة المقيتة بكل تجلياتها، ومحاربة الفساد المالي والإداري".

متظاهر عراقي يحمل درعا للحماية من رصاص الأمن والميليشيات المرافقة لها

ونبه الى انه "ليس بالإمكان المباشرة بأية خطوة جادة من دون الشروع بما يعيد للدولة هيبتها وبسط سيادتها، وهو ما يتطلب ان لا يكون أي طرفٍ مهما كان شأنه أو مصدر قوته أو موالاته فوق ارادة الدولة والدستور والقانون، وأن يصبح السلاح والقوة النارية بيد الدولة والقوات المسلحة وبإمرة القائد العام للقوات المسلحة".

هذه هي مهام المرحلة الانتقالية
وأضاف الكاظمي ان المهمة التي أنيطت به هي عبور المرحلة الانتقالية بأسرع وقت ممكن والاستجابة الى مهام ملحة مباشرة، ابرزها:
- إنجاز قانون الانتخابات مع ما يتطلبه من تدقيقات أو تعديلات، والانتهاء من الصيغة النهائية لقانون المفوضية العليا للانتخابات، وتأمين كل ما يلزم لإجراء الانتخابات في أقرب وقتٍ ممكن، والتعاون مع ممثلية الأمم المتحدة والمراقبين المحليين والدوليين، والتأكد من وضع الأسس الصحيحة لاجراء الانتخابات في جوٍ سياسيٍ وأمنيٍ يضمن نزاهتها وعدالتها.

- اتخاذ كل الاجراءات والتدابير بالتعاون بين وزارة الداخلية وجميع الاجهزة الامنية لحماية المتظاهرين والحرص على سلامة ساحاتهم، والتعبير عن ارادتهم بكل حرية، سلميًا.

- أعلن بوضوح كقائد عام للقوات المسلحة بأنني لم ولن أصدر أي أمر باطلاق الرصاص ضد اي متظاهر سلمي، ومن يقوم بذلك سيقدم الى العدالة. ومن واجب وزارة الداخلية واجهزة الامن منع اي طرفٍ ثانٍ أو ثالثٍ التداخل مع المتظاهرين.

- أعيد التأكيد هنا ثانية بأن أوامر قد صدرت الى كل الاجهزة الامنية باطلاق سراح جميع المعتقلين من المتظاهرين، والبحث والتحقيق والتقصي لإيجاد المختطفين وتشخيص الذين قاموا بالاغتيالات ووضعهم أمام القانون.

- اتخاذ كل التدابير العاجلة لمواجهة الازمة الاقتصادية والمالية وترشيد الانفاق ومحاربة الفساد والبدء بالاصلاحات الضرورية، وحماية شعبنا من جائحة كورونا.

- وقبل وخلال كل ذلك استعادة هيبة الدولة وتأكيد السيادة الوطنية وحصر السلاح بيد المؤسسات الرسمية المعنية، وضمان امن البلاد امام التهديدات الارهابية، وارساء سيادة القانون وان يكون الجميع سواسية امامه.

وقال الكاظمي في نهاية مقاله "وأختم برد على من نبهني الى أنني بلا حزبٍ سياسيٍ ولا كتلة نيابية تحميني في ما انا ماضٍ اليه من تعهدات قطعتها خدمة لشعبي بقوله تعالى:
"مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا".

توثيق لعدد ضحايا الاحتجاجات لتكريمهم
على الصعيد نفسه، فقد أمر رئيس الوزراء بتشكيل لجنة حكومية لتوثيق عدد ضحايا الاحتجاجات الشعبية تتولى وضع قائمة دقيقة بأسماء "الشهداء" والجرحى والمعوقين من الذين سقطوا خلالها سواء من المحتجين او قوات الأمن.

واشار المكتب الاعلامي لرئاسة الحكومة في بيان اطلعت على نصه "إيلاف" اليوم أن "القائمة المخطط لها ستغطي الفترة الممتدة منذ الأول من اكتوبر 2019 الى الثامن عشر من أيار مايو الحالي وستنشر في وسائل الإعلام وتعتمد أساساً لتكريم الشهداء وإعادة الإعتبار لهم وتعويض عوائل الضحايا".

واوضح أن الكاظمي "أناط بلجنة متخصصة مرتبطة بمكتبه مهمة وضع هذه القائمة بالتعاون مع مؤسسات الدولة المختلفة والمنظمات العراقية والدولية الرصينة لضمان دقة المعلومات الواردة فيها". واوضح أن "هذه القائمة عند إنجازها تعد أول جهد رسمي عراقي لتوثيق ضحايا الإحتجاجات .. مبينا "يأتي إنجاز هذه القائمة تلبيةً لأحد الوعود الأساسية التي تضمّنها المنهاج الوزاري لحكومة الكاظمي الذي صوّت عليه البرلمان في السابع من مايو الحالي والمتعلق بالشروع بحملة شاملة للتقصي والمساءلة بشأن أحداث العنف التي رافقت الإحتجاجات، والإهتمام بعوائل الشهداء والتكفل بمعالجة الجرحى.

يشار الى ان جائحة كورونا قد اوقفت في 17 مارس الماضي تظاهرات الاحتجاج العراقية المطالبة بانهاء الفساد والمحاصصة وهيمنة ايران على اوضاع العراق والتي واجهتها القوات الامنية الحكومية والمليشيات الموالية لايران المرافقة لها بالعنف المفرط ما ادى الى مصرع 600 محتج واصابة حوالي 23 الفا آخرين.

اطلاق معتقلي الاحتجاجات الاخيرة والبحث عن المغيبين
بالتوازي مع ذلك، فقد تم اطلاق سراح المعتصمين الذين اعتقلوا امس أمام حقل الاحدب النفطي في محافظة واسط وكذلك معتقلي محافظة الديوانية الجنوبيتين.

فقد تم اطلاق جميع المعتقلين الذين اعتصموا أمام حقل الأحدب النفطي اعقبه قطع جميع الطرق الرئيسة في الكوت عاصمة محافظة واسط واقتحام القوات الامنية لخيام المعتصمين واحراقها امام الحقل النفطي في محافظة واسط في جنوب العراق. كما تم الافراج عن أربعة ناشطين اعتقلوا في محافظة الديوانية بتهمة التخريب والتحريض على العنف.

اثر ذلك كتب الكاظمي على حسابه بتويتر "تغريدة" تابعتها "ايلاف" قائلا "أشكرُ مجلس القضاء الأعلى الموقر على استجابته الفورية لإطلاق سراح محامين من مدينة الديوانية وعددٍ آخر من متظاهري الكوت اعتقلوا اليوم (امس) أجدّدُ التأكيد على أن حق التظاهر السلمي مكفول دستورياً وعلى التزام القوات الامنية والمتظاهرين بحماية التظاهرات والأملاك العامة والخاصة".

وكان الكاظمي قد وجه خلال زيارته لمقر وزارة الداخلية في بغداد الاحد الماضي بضرورة الإسراع بالكشف عن مصير المخطوفين والمغيبين وتشكيل لجنة لتقصي الحقائق عن وجود سجون حكومية سرية يحتجز فيها متظاهرون.