ربما على إسرائيل أن تتريث في مسألة ضم أجزاء من الضفة الغربية، لأنها خطوة بلا معنى على المستوى السياسي، وتضر بإسرائيل على المستوى الأمني.

إيلاف من واشنطن: احتدم الجدال بشأن ما إذا كانت إسرائيل ستضم - أو يجب أن تضم - أجزاء من الضفة الغربية، وماذا سيكون رد المجتمع الدولي على ذلك. يبرر مؤيدو هذا الضم في إسرائيل والولايات المتحدة موقفهم بالإشارة إلى عملية سلام مستنزفة ونخرها الخراب، وربما لا يمكن إصلاحها، وإلى مطالبة إسرائيل التاريخية والدينية بالسيادة على الأرض المقدسة، وإلى ما تلقاه هذه المطالبة من دعم وتشجيع من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إضافة إلى الاعتقاد بأن ضم إسرائيل أجزاء من الضفة الغربية سيعزز أمن الدولة العبرية والمستوطنات الإسرائيلية.

بالنسبة إلى مؤيدي الضم، أمام إسرائيل اليوم فرصة فريدة للقيام بما كان عليها فعله أمس. يستبعدون الأثر المحتمل لمسألة الضم، سواء كان ذلك يعني حل السلطة الفلسطينية أو إنهاء التعاون الأمني الفلسطيني – الإسرائيلي أو غضب الأردن وبعض الدول العربية، أو حتى إمكانية اتخاذ بعض الأوروبيين إجراءات عقابية ضد إسرائيل. فحجتهم أن إسرائيل تجاوزت تداعيات مثل هذا الغضب من قبل عندما مددت قانونها وإدارتها وسلطتها القضائية على القدس ومرتفعات الجولان، وبالتالي سيمر هذا الغضب أيضًا كما مر سواه.

لا شرعية قانونًا
في المقابل، ركز معارضو سياسة الضم على عدم شرعية هذه الخطوة بموجب القانون الدولي، مؤكدين أن هذه السياسة ستدق المسمار الأخير في نعش الحل السلمي للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. بشكل عام، يعارض معارضو الضم أيضًا ما تسمى خطة ترمب للسلام، وبالتالي يعتقدون أن الضوء الأخضر الذي أعطته هذه الخطة لضم إسرائيل أجزاء من الضفة الغربية لنهر الأردن يحرم الولايات المتحدة من دورها التقليدي بصفتها وسيطًا أو طرفًا ثالثًا بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

يشير معارضو الضم أيضًا إلى الفوائد المشكوك فيها التي ستوفرها هذه الخطوة لإسرائيل. فإذا انتهى التعاون الأمني مع الفلسطينيين نتيجة لذلك، سيقع العبء الكامل لحفظ الأمن في الضفة الغربية على إسرائيل. وإذا تراجع الأردن عن التزاماته بموجب معاهدة السلام لعام 1994 تحت الضغط الشعبي الأردني الساخط، ستزداد التحديات الأمنية الإسرائيلية بشكل كبير. كذلك سمع الإسرائيليون من سفير الإمارات العربية المتحدة لدى الولايات المتحدة الذي نشر مقالةً في الصحافة الإسرائيلية يقول فيها إن على إسرائيل أن تختار بين ضم أجزاء من الضفة الغربية والتطبيع مع العرب.

ترى الحكومة الائتلافية الإسرائيلية الحالية أن الطريق إلى ضم أجزاء من الضفة الغربية واضحة لا عقبات تعترضها. ووفقًا لاتفاق الائتلاف، على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ورئيس الوزراء المناوب بيني غانتس، مناقشة قضية الضم في سياق تأثيرها في اتفاقيات السلام الحالية، مع مراعاة رأي المجتمع الدولي.

إدارة أميركية مرتبكة
بعد هذه المناقشة، وبالاتفاق "الكامل" للولايات المتحدة، يتمتع نتنياهو بحرية تقديم مشروع قانون الضم للكنيست للنظر فيه.

يبدو أن الإدارة الأميركية مرتبكة في ما يتعلق بتوقيت الضم، وربما يعزى ذلك إلى أزمات متعددة تواجهها الولايات المتحدة، مثل جائحة كوفيد-19 التي تسبب خسائر فادحة، الانكماش الاقتصادي الذي تم تعريفه رسميًا على أنه ركود، والتظاهرات الحاشدة التي أعقبت قتل الشرطة أميركيًا من أصل أفريقي. تحدث هذه الأزمات في عام الانتخابات الرئاسية، ما يزيد من تعقيد حسابات الإدارة بشأن قضايا السياسة الخارجية.

في هذا الإطار، حدد ديفيد فريدمان، السفير الأميركي لدى إسرائيل، ثلاثة شروط ضرورية لدعم أميركي لخطة الضم: إكمال عملية رسم الخرائط من قبل لجنة إسرائيلية - أميركية مشتركة تحدد المناطق المراد ضمها؛ موافقة إسرائيل على تجميد المستوطنات في جزء من المنطقة "ج"؛ وقبول إسرائيل التفاوض مع الفلسطينيين على أساس خطة ترمب.

قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إن قرار الضم هو قرار إسرائيلي. ومع ذلك، قالت مصادر في واشنطن أيضًا إن الأول من يوليو - التاريخ المحدد في اتفاقية الائتلاف الإسرائيلي كموعد لبدء عملية الضم - ليس مقدسًا، ما دفع بالكثيرين إلى الاعتقاد بأن الإدارة الأميركية تريد من إسرائيل أن تتريث في هذه المسألة.

لا تردد.. فانقسام
إلى ذلك، في إسرائيل جدل حيال الضم؛ إذ يعارضه اليسار الإسرائيلي بشدة بحجة أنه سيدفن عملية سلام محتضرة بالفعل، ويعارضه قطاع كبير من الجنرالات الإسرائيليين السابقين والمسؤولين الأمنيين رفيعي المستوى بحجة أنه سيؤذي الأمن الإسرائيلي بدلًا من تعزيزه، ويعارضه بعض السياسيين في أقصى اليمين الإسرائيلي لأنهم لا يريدون أن يقتصر الضم على المستوطنات وغور الأردن فحسب، ولا يقبلون خطة ترمب لأن هناك احتمالًا لقيام دولة فلسطينية، ولو مبتورة.

حتى الآن، لم يُظهر نتنياهو وغانتس ترددًا في المطالبة بالضم. وكان غانتس وغابي أشكنازي، وزير الخارجية، مؤيدين بشكل ثابت للضم، خصوصًا في ما يتعلق بغور الأردن. وفي الواقع، أدى قرار غانتس الانضمام إلى نتنياهو في الائتلاف ودعم الضم إلى انقسام في حزب "أزرق أبيض"، حيث ذهب نحو نصف أعضائه إلى المعارضة.

الآراء من خارج إسرائيل تعارض الضم بشدة، بدءًا من تهديد بعض الدول الأوروبية بإجراء انتقامي وصولًا إلى سلسلة من الرسائل العامة والخاصة من شخصيات أميركية عامة، بمن فيهم المرشح الديمقراطي المفترض للرئاسة الأميركية، نائب الرئيس السابق جو بايدن.

ماذا تستفيد؟
لعل الأهم أن السلطة الفلسطينية اتخذت قرارًا "بإعفاء" نفسها من جميع الاتفاقات والالتزامات، بما في ذلك الأمنية منها. ففي الأيام الأخيرة، بدأ كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية بوصف استراتيجيتهم في توضيح التكلفة الحقيقية التي ستترتب على إسرائيل جراء الضم، والأهم من ذلك مسؤولية الفلسطينيين تحت الاحتلال، الأمنية والاقتصادية.

بعد أن ينقشع الغبار، يبقى السؤال الأكثر إرباكًا والأكثر عملية هو: ما الاستفادة السياسية التي تحققها إسرائيل من ضمها أجزاء من الضفة الغربية؟ سيجادل معارضو الضم بأن هذا السؤال غير ذي صلة، وهو في الواقع ساذج، لأنهم ينظرون إلى نتنياهو باعتباره لا يمكن التوافق معه أيديولوجيًا، وسيحاول حجز أكبر عدد ممكن من المناطق وبالتالي الاستفادة من رئاسة دونالد ترمب. فقد قال إنه قد لا تتاح لإسرائيل مثل هذه الفرصة مرة أخرى لتأكيد مطالبتها بالسيادة على الضفة الغربية.

مع ذلك، تبدو هذه الخطوة بلا معنى في السياسة من منظور عقلاني. تسيطر إسرائيل بشكل كامل على المنطقة، ولا أحد يتحدى سلطتها. عملية السلام محتضرة، إن لم تكن ميتة، وبالتالي لا ضغط على أفق وضع ناشئ قد يُطلب من إسرائيل بموجبه التفاوض على جزء من الأرض. وحتى خطة ترمب لا تتكلم على سيادة إسرائيل على كامل الضفة الغربية.

بلا معنى
علاوة على ذلك، الوضع الحالي مريح لإسرائيل. وحتى ظهور قضية الضم، كانت الأجهزة الأمنية الفلسطينية تعمل بشكل جيد وبالتنسيق الوثيق مع إسرائيل. كانت مهمة الفلسطينيين الأساس الحفاظ على النظام في المنطقة "أ"، ذلك الجزء من الضفة الغربية الذي حددته اتفاقية أوسلو الثانية لعام 1995 للسيطرة الكاملة للسلطة الفلسطينية؛ لكنهم بذلك خففوا العبء الأمني اليومي عن إسرائيل.

كان تأمين الرفاه الاقتصادي للفلسطينيين في المنطقة "أ" من مسؤولية السلطة الفلسطينية، في حين كانت هناك مشكلات تتعلق بفواتير غير محصلة، وحجب إسرائيل الدوري للعائدات الضريبية والجمركية المستحقة للفلسطينيين، تم تخفيض تكلفة الحفاظ على الاحتلال لإسرائيل نتيجة وجود السلطة الفلسطينية.

ازدهرت علاقات إسرائيل الإقليمية في ظل الوضع الراهن، على الرغم من احتلالها المستمر لفلسطين. من المؤكد أن الحكومات العربية تستمر في التشدق بالقضية الفلسطينية، لكن غياب عملية السلام والمستوى الحالي للسيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية لم يمنعا تحسن العلاقات بين إسرائيل والدول العربية.

وهكذا، على الرغم من بساطة القيادة الإسرائيلية وسذاجتها الظاهرتين، يبقى السؤال هو لماذا تعتقد هذه القيادة أنه من المنطقي أن تربك الوضع الراهن بضم جزء من الضفة الغربية. ربما يكون الجواب بسيطًا، مثل حقيقة أنه يمكنها القيام به، وبالتالي - بالنسبة إلى نتنياهو وأنصاره - يجب أن يتم ذلك. إن هذا التفكير السياسي قصير المدى هو الذي لا معنى له في السياسة على الإطلاق.