أثار مسلسل "قيامة أرطغرل" التركي موجة غضب في باكستان منذ أن بدأ عرض النسخة المدبلجة منه على قناة الدولة الرسمية في أبريل/نيسان الماضي.

وولدت الشعبية الهائلة لهذه الدراما، تباينا حاداً في الآراء بين الباكستانيين، إذ يشعر بعضهم أن هذا المسلسل يهدد الثقافة المحلية و يشجع على العنف، بينما يرى آخرون أن المسلسل تمجيد لشخصيات أسلامية.

لكن ليس فقط المشاهير والمحللون ادلوا بأراء حول المسلسل، بل يشاركهم النقاش بكثاقة سياسيو البلاد.

وهذه ليست الدراما التركية الأولى التي حظيت بشعبية في باكستان. لكن المختلف في مسلسل أرطغرل - الذي يوصف في كثير من الأحيان بأنه "لعبة العروش الاسلامية"، هو أنه يتم الترويج له مباشرة من قبل رئيس الوزراء عمران خان، لأسباب يعتقد أنها شخصية وسياسية.

ما سر شعبية المسلسلات التركية في أمريكا الجنوبية؟

رواية مضادة ضد "الإسلاموفوبيا"؟

ربما يكون عمران خان هو أحد الأسباب الرئيسية التي تقف وراء التفاعل مع هذا المسلسل الأجنبي في باكستان. فهو لم يقترح عرضه على قناة "بي تي في " فحسب، بل قال إن المسلسل سيساعد باكستان في فهم أهمية الحضارة الإسلامية.

ومنذ صدور تلك التصريحات، حطم المسلسل الذي يسمى بلغة الأوردو "المحارب أرطغرل" أرقاماً قياسية من حيث عدد المشاهدات.

ويعتقد منتقدو المسلسل، أن خان دعم هذه الدراما لأنه يروج للقيم الإسلامية ويتوافق مع هدفه المتمثل في تأسيس مجتمع إسلامي مثالي في باكستان.

ومنذ توليه منصب رئيس الوزراء، كان خان يقول "أريد إنشاء باكستان على صورة أول مجتمع إسلامي أنشأه النبي محمد في المدينة المنورة".

فنزويلا وتركيا يجمعهما أكثر من تحالف أردوغان ومادورو

ولكن يبدو أن الأمر أكثر من مجرد اهتمام شخصي.

وحسب مقال في صحيفة "داون" اليومية البارزة كتبه أحد الدبلوماسيين أن "السبب في الترويج هذا المسلسل قد يكمن في اجتماع خلف الكواليس بين خان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة".

وفي سبتمبر/ أيلول الماضي طرح خان مع كل من أردوغان ومهاتير، فكرة إطلاق قناة تلفزيونية لخلق رواية مضادة ضد ما قالوا إنه كراهية متزايدة للإسلام.

واشاد أردوغان بالدراما التي "أسرت قلوب الشعب" في حفل توزيع الجوائز في تركيا في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.

من خلال الترويج له وربما كان خان أيضاً يحاول تسجيل نقاط سياسية لصالحه في تركيا، البلد التي تعزز باكستان شراكتها معه حسب الدبلوماسي.

لكن رئيس الوزراء الباكستاني يواجه بعض الانتقادات في بلده لدعمه المسلسل بشكل علني. وخاطب عضو البرلمان المعارض، مشتاق أحمد خان، مؤخراً في البرلمان عمران خان قائلاً: "لا يمكنك بناء دولة –المدينة المنورة- عن طريق بث مسلسل أرطغرل" كما جاء في صحيفة "داون".

"يمجد بحق" القيم الإسلامية

ويستند المسلسل على حياة الزعيم التركي أرطغرل الذي عاش في القرن الثالث عشر ويعتبر والد الغازي عثمان، مؤسس الإمبراطورية العثمانية.

ويصور المسلسل شجاعة الأتراك الأوغوز الذين يقاتلون الغزاة المغول والمسيحيين والبيزنطيين وفرسان الهيكل في الأناضول حسب المسلسل.

وتري بعض وسائل الإعلام مثل موقع "نايا داور" أن هذه الدراما "تمجد القيم الإسلامية والإمبراطورية العثمانية".

وجاء في مقال نشر في في صحيفة "ذا نيشن" اليومية المحلية، أن الدراما "تمجد بحق الأبطال المسلمين والتاريخ الإسلامي والأخلاق".

ويقول المحللون إن المسلمين كانوا غالبا ضحايا نظرة سلبية في المسلسلات والأفلام التلفزيونية، لذلك، يعد هذه المسلسل خروجاً على هذا التقليد.

وجاء في مقال باللغة الإنجليزية نشر على موقع " The Global Village Space ": "المسلمون كانوا يتوقون إلى دراما قويه وإيجابية في وسائل الإعلام على مستوى العالم. ويبدو أن قيامة أرطغرل، روى عطشهم لرؤية مسلسل يمجد المسلمين".

ويشعر البعض، مثل الصحفية آمنة حيدر عيساني، التي تكتب في صحيفة "ذا نيوز" اليومية، أن المسلسل قد خدم "مواجهة كراهية الإسلام" بشكل فعال جداً.

لكن نقاداً مثل الناشط برفيز هودبوي، يختلف مع هذا الرأي. وكتب منتقداً الدراما ومستشهداً بأحداث العنف الكثيرة وقطع الرؤوس في المسلسل: "إذا كان أرطغرل يسعى إلى عرض الإسلام كدين سلام ومواجهة كراهية الإسلام، فإنه اسفر عن نتيجة عكسية".

ويقول البعض، مثل الناشط الاجتماعي جبران ناصر الذي تحول إلى سياسي، إن المسلسل يخلق "أزمة هوية" لدى الباكستانيين.

كما تحدثت وسائل الإعلام التركية عن شعبية الدراما في باكستان.

ونقلت وكالة الأناضول الحكومية في 24 مايو/ أيار عن بعض السكان المحليين في باكستان ثناءهم على المسلسل لانه "رفع راية الإسلام" و "إظهر صفات القائد المسلم".

مقارنات مع "القضايا المحلية التي لا حياة فيها"

يشعر البعض أن افتقار المسلسلات التلفزيونية الباكستانية الى الإنتاج الجيد أيضاً أحد أسباب الشعبية الهائلة للدراما الأجنبية.

وبحسب "ذا كلوبال فيليج سبيس"، يرى العديد من مستخدمي تويتر الباكستانيين أن أرطغرل "إنتاج ترفيهي متميز وبحبكة نموذجية تصلح لجميع الأوقات ويجسد القضايا المحلية في باكستان.

وجاء في مقال نشر في صحيفة "ذي نيوز": "من الواضح جداً أن هناك الكثير من القنوات ولكن لا يوجد محتوى جيد بما فيه الكفاية".

وتحظى أعمال التلفزيون الباكستاني بشعبية كبيرة، لكنها لا تتميز بتناول القيم الإسلامية، رغم أنها أنتجت مسلسلات من هذا النوع مثل "أليف".

ويشعر المنتجون الباكستانيون بالقلق من غزو المسلسلات التركية، كما يخشى كثيرون بمن فيهم الوزير الاتحادي فؤاد تشودري، من أن المحتوى الأجنبي سيضر في نهاية المطاف بصناعة الترفيه المحلية.

ولكن وسط الجدل الدائر، يأمل الصحفي عيساني أن يلهم مسلسل "أرطغرل" باكستان لتقديم إنتاج محلي أفضل.