تعول اليونان على انخفاض معدلات الإصابة بفيروس كورونا فضلا عن قائمة طويلة من تعليمات السلامة الجديدة بغية اجتذاب السائحين إلى مناطقها السياحية.
في يوم سبت دافيء في منطقة غليفادا، جنوبي العاصمة أثينا، وقف زيسيموس زيزوس يعاين شاطئا رمليا، ويمسك جهاز تحكم عن بعد لطائرة مسيّرة تحلق في السماء، رصد بها عن طريق كاميرا مثبتة على متنها مجموعة من الشباب كانوا يجلسون على مناشف على رمال الشاطئ.
حلقت فوقهم الطائرة ثم خفضت ارتفاعها، وأصدرت رسالة صوتية عن طريق مكبرات صوت مزودة بها تقول: "نحافظ على التباعد بيننا. نحترم الصحة العامة".
نظر بعض الشباب إلى الطائرة المسيّرة ثم لوحوا لها، بينما اكتفى البعض الآخر بالنظر بعيدا عنها، وبدأوا في الانسحاب الواحد تلو الآخر خارج المجموعة.
يقول زيزوس: "في الأيام التي أكون مشغولا فيها، أخرج إلى هذا المكان لفحص الأمور كل عدة ساعات".
كان يعمل زيزوس مصورا لدى بلدية المدينة، لكن منذ تفشي فيروس كورونا استبدل بكاميرته الطائرة المسيّرة.
ويتلخص عمله في منع التجمعات الكبيرة على الشواطئ، للحد من انتشار (كوفيد-19)، فإن أهمل مرتادو الشاطئ دعوته للتباعد الاجتماعي، تتدخل الشرطة التابعة للبلدية ويمكن أن تفرض غرامة على الشخص تصل إلى ألف يورو.
وتستخدم حاليا الطائرة المسيّرة التابعة للبلدية، التي كانت تستخدم سابقا في عمليات البحث والإنقاذ، في إحياء قطاع السياحة، بعد أن أدت تدابير الإغلاق المفروضة في شتى أرجاء العالم إلى توقف حركة السفر العالمية.
وتأثرت اليونان سلبيا على نحو خاص بتدابير الإغلاق وحظر السفر عالميا، إذ يسهم قطاع السياحة بنسبة 20 في المئة من إجمالي الناتج القومي.
وأشارات بيانات إلى أن نحو 33 مليون شخص زاروا اليونان عام 2019، مما حقق عائدات لقطاع السياحة بلغت 19 مليار يورو، لذا يتضح أن اليونان في أمس الحاجة إلى إحياء النشاط السياحي فيها مرة أخرى.
الاستقبال خارج الفندق
وضعت الحكومة اليونانية خطة طموحة تهدف إلى اجتذب السائحين وإحياء أنشطة قطاع السياحة مع الحفاظ في ذات الوقت على انخفاض أعداد الإصابة بفيروس كورونا.
وتعاملت اليونان حتى الآن مع الوباء بشكل جيد نسبيا، إذ تشير البيانات إلى تسجيل ثلاثة آلاف إصابة مؤكدة بالفيروس وأقل من 200 حالة وفاة، ويرجع المسؤولون المحليون ذلك إلى تدابير الإغلاق الصارمة التي فرضتها البلاد في بداية تفشي الوباء.
بيد أن الحكومة تخفف في الوقت الراهن الإجراءات المشددة، بينما يستعد القطاع السياحي لاستئناف نشاطه قريبا.
وكانت قلعة أثينا "أكروبوليس" قد أعيد فتحها للزائرين أوائل مايو/أيار الماضي، تبعها خلال أسابيع استئناف أنشطة المطاعم والحانات، وسوف تستأنف الفنادق أعمالها الشهر الجاري، كما تستأنف شركات الطيران رحلاتها الدولية تدريجيا.
وتعتمد سهولة دخولك اليونان على الدولة التي تأتي منها، وسوف يبدأ استئناف الأنشطة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، بيد أن الحكومة تركت الباب مفتوحا أمام تقييد السفر من جانب الدول التي لا تزال تسجل أعداد إصابات مرتفعة، وفقا لبيان وزارة الخارجية اليونانية.
وبمجرد وصول المسافرين إلى البلاد، سيتم إلزامهم بالتعليمات التي تعكف الحكومة على وضعها بالتشاور مع علماء الأوبئة.
وتتيح الإجراءات المتعلقة بالفنادق، والتي تقع في خطة عمل أصدرتها وزارة السياحة في 17 صفحة، العمل بطاقتها الاستيعابية المعتادة، لكنها تتضمن متطلبات عديدة تغطي كافة أوجه الأعمال الفندقية. ويتعين على كل فندق، على سبيل المثال، تدريب المشرفين فيه على كيفية التعامل مع احتمال تفشي فيروس كورونا بين النزلاء، وأن يكون في الفندق طبيب على أهبة الاستعداد.
كما ينبغي نقل مكاتب الاستقبال إلى خارج أبواب الفندق إن أمكن ذلك، كما يتعين على الفنادق تقليل طوابير الانتظار عند استقبال النزلاء، وسرعة إنجاز إجراءات الاستقبال في الفندق للحيلولة دون تجمع الكثير من الأشخاص في نفس المكان.
ويجب وضع الأطعمة التي تقدم للنزلاء داخل ألواح واقية مصنوعة من مادة الأكريليك، والمعروفة باسم الواقيات من العطس، بينما يجب أن تظل الغرف شاغرة لعدة ساعات خلال الفترة الفاصلة بين مغادرة نزيل واستقبال نزيل جديد، لإتاحة فرصة تهويتها. وأوصت السلطات اليونانية الفنادق بإزالة الزينة غير الضرورية مثل الوسائد والمجلات.
كما أصدرت السلطات قائمة استرشادية منفصلة للمطاعم، حيث سيجري خفض أعداد الزائرين، إذ تشير هذه الإرشادات إلى السماح بوجود شخص واحد فقط في مساحة مترين مربعين من إجمالي مساحة أرضية المطعم، ولا ينبغي أن يجلس على الطاولة أكثر من ستة أشخاص بالغين (يُعفى الأطفال من هذه القاعدة).
أما بالنسبة لحمامات السباحة، فسوف يتمتع السباحون بمساحة أكبر من المعتاد، حيث أن العدد المسموح به يعتمد على مساحة حمام السباحة، وسوف تكون الشواطئ أكثر هدوءا، لاسيما بعد حظر الأنشطة الجماعية على الرمال، وحظر الرياضات الشاطئية التي يعتمد تنظيمها على وجود فرق وتتضمن تلامسا جسديا، وربما وقف نشاط الزلاجات المائية.
كما سيتعين على مرتادي الحانات الحفاظ على مسافة متر ونصف بينهم، على الرغم من أن المشاهد الأولية للحانات التي أعيد فتحها تظهر تجاهل هذه القاعدة على نطاق واسع.
"لعبة ثقة"
رحب أصحاب الفنادق حتى الآن بتعليمات السلامة، وقال كثيرون إنهم سيفرضون تعليمات سلامة إضافية خاصة بهم.
ففي جزيرة سانتوريني، يبني تشارلي شاهين، مالك حانة "ديميلمار" الشاطئية، حواجز من الزجاج الشفاف تفصل مستخدمي أسرّة الاسترخاء تحت أشعة الشمس على شاطئ الرمال السوداء بيريسا، وذلك لحماية الضيوف من التقارب الاجتماعي مع آخرين.
وتعد حواجز الزجاج الشفاف، التي يصل ارتفاعها إلى نحو المترين، سياجا واقيا على شكل حرف U يحيط بمستخدمي أسرّة الاسترخاء تحت الشمس على ثلاثة جوانب، وأن تظل الجهة المطلة على البحر مفتوحة.
ووضع شاهين الألواح لمعرفة إن كانت الفكرة تروق لرواد الشاطئ، وقد يضيف المزيد منها على الرغم من تكلفتها، ويقول: "أفكر في ابتكار شاطئ من الألواح الزجاجية، سوف نفعل كل شيء يجعل الزائرين يشعرون بالأمان".
ولا يخلو الالتزام بالقواعد الجديدة من ثمن بالطبع، فكثير من الشركات اليونانية التي تعاني أصلا بسبب تدهور الاقتصاد اليوناني منذ عشر سنوات تعاني من ضعف يجعلها لا تحتمل تحديات مالية جديدة.
ويعني التباعد بين طاولات المطاعم تقليل عدد الزبائن، في الوقت الذي بلغت تكلفة كل وحدة من الزجاج نحو ألف يورو، وتشير بيانات الاتحاد اليوناني للمهنيين والتجار والحرفيين إلى أن واحدا من بين ثلاثة مطاعم سوف يغلق قبل نهاية العام.
كما توجد تكلفة إضافية تتحملها مؤسسات الحكم المحلي،إذ تقدم مسؤولو بلدية غليفادا بطلبات لشراء عدد إضافي من الطائرات المسيرّة تكلفة الواحدة نحو 3 آلاف يورو، وقد ينتهي الأمر بتأثر بعض الزبائن بهذه المصاريف.
بيد أن أندرياس أندرياديس، المدير التنفيذي لمجموعة "ساني إيكوس" للمنتجعات السياحية، التي تعد واحدة من أكبر الشركات في اليونان يقول إن الوقت الحالي ليس هو الوقت المناسب لتقويض إجراءات الحماية الصحية كوسيلة للإبقاء على أسعار العطلات منخفضة.
وأضاف: "ستكون لعبة ثقة، لعبة جودة. سيؤدي ذلك إلى ارتفاع تكلفة السياحة، أما السياحة منخفضة التكلفة فسوف تكون الأكثر معاناة".
ولم يبدأ قطاع السياحة عامه الحالي من الصفر، فبحلول نهاية فبراير/شباط كان نحو 10 ملايين شخص قد حجزوا عطلاتهم في اليونان هذا العام.
ويقول خبراء قطاع السياحة إن نصف هذا العدد ألغوا حجوزاتهم، بينما مازالت حجوزات خمسة ملايين قائمة، ويعتمد حضورهم إلى اليونان على قيود الحجر الصحي التي تفرضها دولهم وعلى رغبتهم في السفر.
ويأمل مسؤولو الحكومة على نحو خاص أن تحقق اليونان نصف الأعمال التي حققتها عام 2019. ويقول بعض مسؤولي قطاع السياحة إنهم سيحتفلون، وسيشعرون بسعادة بالغة، إن استطاعوا تحقيق ثُلث أعمال العام الماضي.
ويقول شاهين: "سأكون راضيا إن استطعت تغطية نفقاتي هذا العام".
وتبرز الفرص رغم كل شيء، كما هو الحال في ظل الأزمات، فدول جنوب أوروبا تبذل جهودا تظهر أنها فعلت كل شيء لطمأنة السائحين بأنهم سيكونون في مأمن على شواطئها.
بيد أن مسؤولين حكوميين في قطاع السياحة يعتقدون أن اليونان تتصدر خارطة المقاصد السياحية المنافسة، بما في ذلك إيطاليا وإسبانيا، نظرا لانخفاض معدلات الإصابة بفيروس كورونا بها مقارنة بدول أوروبية أخرى.
ويتحدث مسؤولون في مجال التسويق عن الترويج لليونان كمكان "للتعافي" من الوباء.
وتقول إيوانا دريتا، المديرة التنفيذية لمجموعة "ماركتينغ غريس" التسويقية غير الربحية، إن اليونان عززت خلال الأزمة علامتها التجارية في مجالي الضيافة والسلامة فضلا عن السخاء والاستمتاع بالحياة الذي يربطه الزائرون بها.
وتضيف: "إنها هوية ينبغي أن تؤسس عليها اليونان وهي تتطلع لتحقيق أرباح ممكنة خلال الموسم السياحي الحالي، والإعداد بالطبع للعام القادم".
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على BBC Worklife.
التعليقات