حمّل كمال قليجدار أوغلو رجب طيب أردوغان مسؤولية تردي حال الديمقراطية والحريات في تركيا، لأن النظام التركي يخشى الإعلام والنقد، ولا يرضى إلا بمن يزيّن له أعماله.

إيلاف: في مقابلة نشرتها "إندبندنت عربية"، أثار كمال قليجدار أوغلو، زعيم المعارضة التركية، مسألة حرية الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في تركيا، وبرأيه أن الأنظمة التحررية ينبغي ألا تنزعج من الإعلام؛ "إذ إنه يتفقد أولئك الذين يحكمون باسم الشعب فيدونون أخطاءهم ويكتبون إنجازاتهم. ولقدرته على مراقبة أداء السلطات الرسميّة وتصحيح مسارها، سمي الإعلام القوة الرابعة في الأنظمة الديمقراطية. أما الأنظمة الاستبدادية فتنزعج من هذه المراقبة وتعمل على إسكاتها، وتركيا تواجه اليوم هذا النوع من الحقيقة التي باتت معروفة لدينا. فالجملة التي استخدمها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول وسائل التواصل الاجتماعي حرفيًا هي: ’نريد إغلاق هذا النوع من قنوات التواصل بشكل كامل أو ضبطها‘ ثم أزيلت هذه العبارة، وما يريد قوله إن هذه المواقع إن أثنوا عليّ وتحدثوا عن إنجازاتي فسأتركهم وشأنهم كحال القنوات الموالية. أما إن انتقدوا قراراتي المجحفة فسأضطر إلى ضبطهم".

لِمَ تخشون الإعلام؟
أضاف قليجدار أوغلو لـ "إندبندنت عربية" أن فخر الدين ألتون حاول التخفيف من حدة هذه التصريحات قدر الإمكان، "والواقع أن تصريحات ألتون نابعة من خشيته إثارة ردات أفعال الدول الديمقراطية إلى جانب الردود الداخلية، والحقيقة أن بيت القصيد في هذه القضية أنكم لمَ تخشون الإعلام. فبخصوص القيم الأخلاقية والمهنية، نعم ينبغي أن تكون هناك قيم أخلاقية للإعلام، لكن هل يحق له أن يكتب كل شيء بسهولة؟. نعم، إن كان موافقًا للمبادئ والقيم، وإلا فلن يقبله أحد لا نحن ولا غيرنا وينزعج من ذلك حتى الإعلاميون؛ إذ له قيم أخلاقية عالمية، وله أن يكتب ما شاء في حدود هذه المبادئ".

وذكر قليجدار أوغلو بأن ماهر أونال أطلق تطبيق "المجال الأخضر" على وسائل التواصل، متيحًا فرصة رؤية عمليات التصيد داخل حزب العدالة والتنمية فكان بمثابة مفشٍ لأسرارهم، "فعلى أولئك الذين مهدوا لممارسات التصيد ثم أخذوا يتبرّمون منها أن يحاسبوا أنفسهم على فعلتهم ويعترفوا بخطأهم، ينبغي أن تكون هناك قواعد أخلاقية، وثمة ههنا ازدواجية أيضًا، وهي أن الكتابات المسيئة إن كانت موجّهة إلى جناح السلطة تنزل بأصحابها أشدّ العقوبات ويتعرّضون لمداهمات ليلية ويُحتجزون، ويزجّ بهم في غياهب السجون، وبعد مدة قد تطول إلى ثلاثة أشهر أو ستة يطلق سراحهم من قِبل المحكمة. أما إذا كانت الإساءة موجّهةً إلى جناح المعارضة، فلا يُحتجز أصحابها، وإنما نتقدم بالشكوى ثم تضيع القضية في دهاليز القضاء".

الصحافة حرة
يلفت قليجدار أوغلو إلى جمال ما ابتدأ به دستور تركيا في ما يخص الإعلام: "الصحافة حرة فلا يمكن أن تخضع للرقابة".

يضيف لـ "إندبندنت عربية": "قبل نحو مئة عام أسسنا الجمهورية، وكانت تتملكنا متعة تأسيسها، فمن الأهداف الرئيسة لتلك الجمهورية الديمقراطيةُ القائمة على المبادئ الشعبوية، وفي عام 1946 انتقلنا إلى التعددية الحزبية، وخلال هذه المرحلة حدثت انقلابات، ودُفعت تكاليف باهظة، والآن بعد المحاولة الانقلابية في 15 يوليو 2016، تم فرض الأحوال الطارئة في 20 منه، وعاشت تركيا منذ ذلك اليوم فترة انقلاب مدني. نعلم ذلك، هناك ضغوط على الإعلام، والقضاء، والبرلمان، يعني أن مؤسسات الدولة التي ينبغي أن تكون حرة تزرح الآن تحت الوصاية، وههنا في مئوية الجمهورية ينبغي علينا تتويج تركيا بالديمقراطية وهذا ما نهدف ونتطلع إليه، ولتحقيق هذا الهدف نريد أن نشعل فتيل مرحلة تحتضن تركيا برمتها، وتتوج الجمهورية بالديمقراطية انطلاقًا من حقوق الإنسان واستقلالية القضاء، والنظام البرلماني، وحرية الإعلام، والمساواة بين الجنسين، حب الطبيعة، وهذا هو الهدف الرئيسي لمؤتمرنا، كيف نفعل ذلك؟ طبعًا بالوصول إلى سدة الحكم، وكلي يقين في هذا الخصوص".

نفى قليجدار أوغلو لـ "إندبندنت عربية" مزاعم ترشيح شخصيات إلى مجلس الحزب من شأنها أن تعمل بتوائمٍ مع علي بابا جان، زعيم حزب التقدم والديمقراطية، وقال: "أقمنا تحالفًا في الانتخابات الماضية وفق الأسس الديمقراطية وحقوق الإنسان، حرية الفكر، الإعلام، وسمينا هذا التحالف تحالف الأمة، وهل يمكن لهذا التحالف أن يتمدّد وتتوسع دائرته؟ هذا ما نرجوه ونأمله".

حقيقة مصطنعة
في الانتخابات المقبلة، لا يعلم قليجدار أوغلو باستمرار دعم ناخبي حزب الشعوب الديمقراطي لحزب الشعب الجمهوري، لكن تشاع بين الفينة والأخرى مزاعم حول احتمال إغلاق حزب الشعوب الديمقراطي من قبل السياسيين والأوساط المناوئة للحزب.

تابع لـ "إندبندنت عربية": "هناك فرق بين الحقيقة البرلمانية، والحقيقة التي تنقل إلى المواطن، فما ينقل إلى المواطن حقيقة مصطنعة، وتدعو إلى القطبية وتزرع بذور العداء بين فئات الشعب والأحزاب ومن خلالها تعزّز الأحزاب قاعدتها الشعبية. أما الحقيقة البرلمانية فهناك على سبيل المثال معاون لرئيس مجلس الشعب من حزب الشعوب الديمقراطي يدير البرلمان كما أسلفنا، يمنح الكلمة لنواب العدالة والتنمية، إن طلبوا ذلك وفق النظم الداخلية للبرلمان، وكذلك الأمر بالنسبة إلى نواب حزب الحركة القومية، وإن بدا هناك أمر مناف للنظم تجده يعمل وفق النظام، ويلتزمه الجميع، ففي الحقيقة البرلمانية إرادة مشتركة يؤسسها النظام الداخلي حتى لو انعدم التلاؤم بين الأحزاب، وفي الواقع ينبغي علينا أن نعكس هذه الإرادة على المجتمع، إذ أن هناك حاجة إلى مفهوم يتحدث ببرامجه عن مستقبل تركيا بإرادة حرة من دون صراع، والأحزاب السياسية التي تعجز عن ذلك تعمد إلى القطبية لتعزيز قواعدها الشعبية".

بلا تهويل
تناول قليجدار أوغلو تأثير الموقف التركي المناهض لروسيا في ليبيا في سير التعاون التركي - الروسي في الشأن السوري، فقال: "أتوقع أن يتغلب المنطق السليم في كل من روسيا وتركيا، فالنزاع لا ينفع الطرفين، وبالتالي يمكنهما التوصل إلى توافق، وثمة أهمية كبيرة لهذا التوافق في ليبيا أيضًا، فالصراع العشائري والقبلي هناك يضر بالمصالح الليبية، ومن الضرورة بمكان أن تمارس ليبيا إرادتها الحرة في هذا الاتجاه".

تطرق قليجدار أوغلو لـ "إندبندنت عربية" إلى الجدل حول تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، فيرى أن آيا صوفيا مفتوح للعبادة، وهناك إمام معيّن فيه، وهو غير مغلق للعبادة بصورة كلية، ويتميّز آيا صوفيا بكونه معلمًا ثقافيًا عالميًا ينبغي الإقرار بذلك، ويتم تدويله في السياسة الدخلية بين الفينة والأخرى، "ولا نصوّب على استغلال المعالم الدينية في السياسة الداخلية، فإن ارتأت السلطة فتح آيا صوفيا للعبادة، فالأمر سهل للغاية، وما على أردوغان إلا أن يصدر مرسومًا بتحويله إلى مسجد، فيزيل عنه وصف المتحف، ولا أجد أي منطق في تهويل الأمر والمبالغة فيه ليحتل المشهد العالمي".


أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "إندبندنت عربية". الأصل منشور هنا.