إيلاف من بيروت: كشف تحقيق أجرته صحيفة دير شبيغل الألمانية عن وجود علاقة بين مالك السفينة التي جلبت شحنة نترات الأمونيوم لميناء بيروت، وحزب الله اللبناني المدعوم من طهران، كما أشار إلى أن كمية كبيرة من نترات الأمونيوم المخزنة في الميناء اختفت قبل الانفجار الذي هز العاصمة اللبنانية مطلع هذا الشهر.

وكشف التحقيق الذي اجرته الصحيفة بالتعاون مع مؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد أن مالك السفينة "الحقيقي" كانت لديه صلات ببنك تابع لحزب الله. وراوح التحقيقات اللبنانية في المسألة مكانها، ولم تصل بعد إلى نتائج شافية، على الرغم من وعد بإنجاز التحقيق في مهلة خمسة أيام، انتهت قبل أسبوعين تقريبًا.

لكن مجموعة من الصحافيين الاستقصائيين نبشوا الملفات من لبنان إلى روسيا وجورجيا ومولدافيا والموزمبيق، ووصلوا إلى معلومات عن إيغور غريشوشكين، الروسي الذي وصف بأنه مالك سفينة "إم في روسوس" أو مشغلها، والتي ترفع العلم المولدوفي، وتخلى عنها في لبنان بعدما أعلن إفلاسه؛ وعن شركة موزمبيقية تنتج متفجرات تجارية اشترت شحنة السفينة من جورجيا، من خلال شركة بريطانية للوساطة التجارية ترتبط بأوكرانيا؛ ووجدوا أن ملكية السفينة والشركات التي أمرت بنقل نيترات الأمونيوم مسافة بعيدة في سفينة متهالكة، "تحجبها طبقات من السرية أعاقت الصحافيين والمسؤولين في كل منعطف، وحتى الحكومة اللبنانية لا تعرف على ما يبدو هوية المالك الحقيقي للسفينة".

مالكها الحقيقي قبرصي
بحسب التقرير، لم يكن إيغور غريشوشكين يملك روسوس بل كان مجرد مستأجر لها من خلال شركة خارجية مسجلة في جزر مارشال، كما تظهر وثائق. وبدلًا من ذلك، كان المالك الحقيقي هو شارالامبوس مانولي، قطب قبرصي في قطاع الشحن. وينفي مانولي ذلك، لكنه رفض تقديم وثائق تدعم كلامه.

يقول التقرير أن مانولي كان يملك السفينة من خلال شركة مسجلة في السلطة الضريبية البنمية المعروفة بالسرية، وعنوانها البريدي في بلغاريا، وسجّلها في مولدوفا، وهي دولة غير ساحلية في أوروبا الشرقية تشتهر بأنها سلطة تقدم علمها بسهولة لأي سفينة وتطبق تنظيمات متراخية على السفن التي ترفع علمها.

لهذا السبب، عمل من خلال شركة أخرى من شركاته، واسمها "جيوشيب" (Geoship)، وهي واحدة من عدد قليل من الشركات المعترف بها رسميًا التي تقدم أعلام مولدوفا لمالكي سفن أجانب. ومن ثم، منحت شركة أخرى يملكها مانولي، مقرها هذه المرة في جورجيا، شهادة للسفينة بأنها صالحة للإبحار، على رغم أنها كانت في حالة سيئة إلى درجة أنها حُجِزت في إسبانيا بعد أيام.

أثناء رحلة روسوس الأخيرة، كان مانولي مدينًا لمصر "إف بي إم إي" (FBME)، وهو مصرف يملكه لبنانيون ما لبث أن أُغلِق بسبب جرائم مزعومة تتعلق بغسل الأموال، بما في ذلك مساعدة جماعة حزب الله الشيعية المسلحة، وشركة مرتبطة ببرنامج أسلحة الدمار الشامل في سوريا. وفي مرحلة ما، عُرِضت روسوس كضمان للمصرف.

حالتها سيئة
بحسب التقرير، كان العميل النهائي لنيترات الأمونيوم المحملة على متن السفينة مصنع متفجرات موزمبيقي، وهو جزء من شبكة من الشركات التي سبق التحقيق فيها بزعم أنها تزود جماعات إرهابية وتورطت في الاتجار بالأسلحة. ولم يحاول المصنع المطالبة بالمواد المهجورة أبدًا.

حاولت الجهة الوسيطة للشحنة، وهي شركة بريطانية كانت خاملة في ذلك الوقت، المطالبة بالمتفجرات. فقد أقنعت "سفارو ليميتد" (Savaro Ltd) أحد القضاة اللبنانيين في عام 2015 بإجراء اختبار لجودة نيترات الأمونيوم بنية المطالبة بها. وتبين أن المخزون في حالة سيئة، ولم تحاول "سفارو ليميتد" استعادة نيترات الأمونيوم.

يقول بوريس بروكوشيف، قبطان السفينة في وقت رحلتها الأخيرة، أن غريشوشكين أمره شخصيًا بإرساء "روسوس" في بيروت في طريقها إلى موزمبيق، والسبب المعلن تحميل شاحنات كبيرة وصغيره وبضائع أخرى من أجل دفع ثمن المرور عبر قناة السويس. وقال بروكوشيف أن الخطة أُهمِلت بعد وقت قصير بعد تهديد أول شاحنة محملة على السفينة بإلحاق الضرر بسطحها. وتحظى هذه الرواية بدعم من وثيقة تم الحصول عليها من وزارة الأشغال العامة والنقل في لبنان بشأن السفينة الراسية على حاجز أمواج مرفأ بيروت في 2014.

سرعان ما تخلى غريشوشكين عن السفينة. وتظهر الوثائق أن السلطات اللبنانية ودائني السفينة لم يكن لديهم أي فكرة عن أن مانولي هو مالك السفينة. ولم يرد أي ذكر لمانولي ولا شركاته في أي من وثائق المحاكم اللبنانية التي حصل عليها الصحافيون. كذلك لا يوجد أي مؤشر على أن السلطات اللبنانية حاولت الاتصال به.

في الموزمبيق
تبين الوثائق أن شركة "فابريكا دي إكسبلوسفوس دي موزامبيق"، التي طلبت الشحنة الناسفة، جزء من شبكة من الشركات لها صلات رفيعة المستوى بالنخبة الحاكمة الموزمبيقية وأجري تحقيق معها لتوريد متفجرات إلى إرهابيين والانخراط في الاتجار غير المشروع بالأسلحة، ولكونها مصدر المتفجرات التي استخدمت في تفجير القطارات في مدريد عام 2004.

في عام 2005، وبعد تلقي معلومات سرية من السلطات الإسبانية، داهمت الشرطة البرتغالية أربعة مستودعات تابعة للشركة، وصادرت 785 كيلوغرامًا من المتفجرات، لم ترد في نظام الجرد التابع للشركة.

تبين السجلات أن "سفارو ليميتد" التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرًا لها طلبت نيترات الأمونيوم في وقت لم تبلغ الشركة فيه عن أي نشاط تجاري رسمي. وتظل خاملة منذ ذلك الحين.

في لبنان
يقول التقرير أن الخطة الاحتياطية النهائية للسلطات اللبنانية المقترحة من الجيش نصت على إعادة تصدير نيترات الأمونيوم إلى مصنعها الجورجي، على نفقة مستورديها. وهذا لم يحصل قط. وبحلول فبراير 2018، تخلت السلطات اللبنانية عن جهودها للتخلص من نيترات الأمونيوم.

لكن هذا لا يعني أن المخزون ظل مخزنًا موصدًا بأمان. ففي تقرير مسرب صادر عن جهاز أمن الدولة في 20 يوليو 2020، ارسلت نسخة منه إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، قبل أسبوعين فقط من الانفجار، حذرت أجهزة الأمن اللبنانية من عيوب أمنية خطيرة في المستودع جعلت نيترات الأمونيوم عرضة للسرقة.

وذكر التقرير أن أحد أبواب العنبر غير المحروس مخلوع بينما كان هناك أيضًا ثقب في الجدار الجنوبي يمكن أي شخص من الدخول والخروج. وأضاف التقرير محذرًا: "إذا تعرضت هذه المواد لأي عملية سرقة يستطيع السارق أن يستعملها لصناعة المتفجرات".